الجزائر وباريس... ماذا يحدث؟

21 يونيو 2023
تبون مستقبلاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجزائر، أغسطس2022 (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

يملك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ذكرى شخصية سيئة من زيارات باريس. زيارته السابقة كرئيس حكومة في أغسطس/آب 2017، ولقاؤه رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك إدوارد فيليب (وصف اللقاء حينها بأنه غير رسمي)، تم استغلالهما من محيط الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة للوشاية بتبون، فأغلوا صدر بوتفليقة ودفعوه إلى تنحية تبون من رئاسة الحكومة بعد مرور شهرين فقط على تعيينه. وبالصدفة، فإن السفير الجزائري الحالي في باريس سعيد موسي، كان هو نفسه القنصل العام هناك وحضر مع تبون اللقاء ذاك، وإن كان السفير قد قال الصدق ورفض المشاركة حينها في مؤامرة شقيق الرئيس بوتفليقة (السعيد بوتفليقة) ورجالات الكارتل المالي على رئيس الحكومة حينها تبون.   

يؤمن بعض الساسة بالنحس السياسي فيتطيّرون من الأماكن التي لا تروق لهم، أو تلك التي تسبب الصداع وتثير الجدل وتؤلب الناس. وباريس في كلّ الأحوال ولأسباب تاريخية، هي محل إجماع شعبي وسياسي في الجزائر، على أنها العاصمة التي انطلقت منها فكرة الظلم الاستعماري المؤلم وتأتي منها الشرور كلّها للجزائر. وبحساب الزمن الانتخابي، فإن الرئيس تبون لن يغامر بزيارة باريس في غضون العام المتبقي من عهدته الرئاسية الأولى، لأن الزيارة لن تضيف شيئاً، بل قد تقلل من رصيده الانتخابي وهو يستعد للترشح لولاية رئاسية ثانية نهاية العام المقبل.

يفهم الفرنسيون أكثر من غيرهم سبب إشاحة الجزائر بوجهها عنهم في هذه الفترة، ودوافع التوجهات الجزائرية الجديدة نحو الشراكات السياسية والاقتصادية مع دول أخرى غير فرنسا، سواء في أوروبا كإيطاليا والبرتغال، أو في الشرق كتركيا وروسيا. وكالة الأنباء الفرنسية أكثر من عبّر عما يختلج صدور الساسة الفرنسيين، عندما كتبت "تبون، كان منتظراً في باريس، فظهر في موسكو". وستزداد الحيرة الفرنسية أكثر عندما يذهب الرئيس تبون في الصيف إلى جنوب أفريقيا، وبعدها إلى الصين، وفي الخريف (نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، يعود إلى روما التي تتدافع مع باريس حول المصالح في الجزائر وليبيا وتونس.

اللافت أن جولة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الأولى إلى أوروبا، والتي بدأت الاثنين الماضي، لا تشمل باريس، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام، تعزز الاعتقاد بفتور سياسي قائم بين الجزائر وفرنسا، تبدو عناوينه المعلنة على الأقل في هذه الظرفية، مقنعة، أبرزها الاجتماع الاستخباري الذي تقول الجزائر إنه جمع بين أجهزة فرنسا والمغرب وإسرائيل لتدبير قلاقل في الجزائر، والمماطلة في تسليم خرائط دفن النفايات النووية، والتي كانت أبرز مطالب قائد الجيش الجزائري السعيد شنقريحة خلال زيارته إلى باريس في يناير/كانون الثاني الماضي، بخلاف مسألة السعي الفرنسي الأحادي لتغيير اتفاقية 1968 حول الهجرة.

على الرغم من كلّ ذلك، تفرض الواقعية السياسية دائماً على الجانب الجزائري الأخذ بعين الاعتبار مصالح كتلة مهمة من الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، والمعنية بأي تأثيرات في العلاقة بين البلدين.

المساهمون