لا بد أن ثمة خللا ما في منظومة الحكم ونظام الرقابة على المال العام وإدارة الشأن العمومي، يفتح الشهية على الفساد والتربح غير القانوني من قبل الوزراء والموظفين الحكوميين على نحوٍ يثير الغرابة.
ويُطرح أكثر من سؤال حول هذه الشهية المفتوحة على الفساد في الجزائر، وما إذا كان المشكل مرتبطا بطبيعة تنشئة المسؤول الجزائري، أم أنها ترتبط بفوهات الفساد المفتوحة التي لم تسدها السلطة؟
لم يكمل الرئيس عبد المجيد تبون عامه الرابع بعد في الحكم، ومع ذلك بدأ وزراؤه، الذين انتقاهم لتنفيذ برنامج الحكم والتزاماته السياسية والاقتصادية، يتساقطون بمنجل محاربة الفساد. الأول وزير شاب (وزير المؤسسات الصغيرة نسيم ضيافات) مر مباشرة إلى السجن، بسبب توزيع صفقات على أسرته، من دون أن يأخذ العبرة من كل الفضائح التي ملأت البلد وشغلت الناس بعد 2019، والحبل على الجرار لوزراء آخرين.
سبق ذلك، سجن وزيرين آخرين ممن استوزرهم الرئيس في قضايا فساد سابقة لتعيينهم، وهما وزير الموارد المائية أرزقي براقي والمالية محمد لوكال. وهذا في حد ذاته يطرح استفسارات كبرى حول كيفية اختيار الوزراء، وبيداغوجيا التعيين في الوظائف الحكومية، والتي تفترض مستويات أعلى في النزاهة ونظافة اليد والمسار.
ذلك أن تكرار انكشاف قضايا فساد الوزراء والمسؤولين، حتى في مستويات عسكرية أيضاً، سيعزز من حالة الإحباط ويهشم أكثر صورة المسؤول الحكومي ومن ورائه الثقة بمؤسسات الدولة أكثر مما هي عليه الآن.
مثل شعبي رائج في الجزائر يقول "إذ تترك الأموال أمام أطفالك، أنت تعلمهم السرقة". لأنه إذا تم تجاوز النقاش حول غياب التنشئة الذاتية والوظيفية، التي تجعل الموظف الحكومي في الجزائر أكثر اتزاناً وتصالحاً مع النزاهة، وأقل شهوة في علاقته مع الريع والمال العام، فإن المسألة تطرح أيضاً في علاقة بالسهولة المريبة التي يجدها المسؤول الجزائري في الدخول إلى مربع الفساد، والتعامل مع الوظيفة الحكومية والمال العام كغنيمة، وغياب أدوات الرقابة وهشاشة النظام الإداري الذي يسمح للمسؤول بتجاوز القانون، وما إذا كانت مجمل هذه القواعد، متعمدة لإشراك الجميع في معمعة الفساد.
بغض النظر عن صدقية بعض التأويلات السياسية التي تحاول وضع ما يحدث ضمن سياق صراعات الحكم، والزعم بداية أن "قطف رؤوس" وزراء الرئيس جزء من ظاهر معركة كسر عظم داخل السلطة، ومحاولة إحراج تبون الذي وضع محاربة الفساد وأخلقة الحياة السياسية عنواناً بارزاً لفترة حكمه، فإنه وعلى المستوى الأخلاقي، يحسب لتبون عدم منحه حصانة وتغطية سياسية لأي كان من رجالات حكومته، ممن تمتد أيديهم إلى المال العام، والتزامه بمعركة محاربة الفساد على الأقل، وخرق شبكات الفساد الجديدة في بداية تشكلها، بخلاف العهد السابق الذي منح الوقت الكافي للفساد للتنكيل بالدولة والاقتصاد.