الجزائر... سنة الامتحانات الكاشفة

04 يناير 2023
أكبر المُمتَحَنين في السنة الجديدة هو تبون (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

مثلما تُمثّل 2023 سنة الامتحانات الجدية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، سياسياً واقتصادياً، وقد استقرت له الأوضاع واستتبّت له مقاليد الحكم، من دون شارع يحتج أو معارضة تصدّ، وفي ظل وضع مالي مريح نسبياً بالنسبة لبلد يستفيد من عائدات حرب أوكرانيا وأزمات العالم، فإن السنة هذه، تمثّل أيضاً امتحاناً قاسياً وكاشفاً لأكثر من جهة في الجزائر.

كل البلد سيكون أمام امتحانات جادة وقاسية، تُظهر حقيقة الصحوة السياسية والاقتصادية التي تتحدث عنها السلطة كجزء من التسويق السياسي، وعقلانية المعالجات القائمة من قِبل الدولة لأزمات داخلية مزمنة، لازمت الجزائر منذ ستة عقود هي عمر الاستقلال، بسبب التناقضات والخلل المستمر في الخيارات. 

كما ستكشف هذه الامتحانات صوابية التعاطي الرسمي مع أزمات خارجية متعددة، سواء كانت الجزائر طرفاً فيها في سياق هندسة جديدة لعلاقاتها الإقليمية والدولية، أم معنية بها (الجزائر) في إطار مقتضيات أمنها القومي.

أكبر المُمتَحَنين في السنة الجديدة هو الرئيس تبون، الذي سيكون أمام استحقاقات مهمة، خصوصاً على الصعيد الداخلي. ففي غياب المبررات الناتجة عن أزمة كورونا، والتي عطّلت نسبياً التصحيحات السياسية والإصلاح الاقتصادي، خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه، لن يكون أمام الرئيس سوى إثبات الجدوى العميقة لسياساته، للإيفاء بالتزاماته التي أعلنها عشية انتخابه عام 2019.

وهذا الإثبات لا يُصَرف في الخطابات المتلفزة، بقدر انعكاسه المباشر بالضرورة على المنحى المعيشي للجزائريين، وفي تلمّسهم لتغيير حقيقي في نمط حياتهم والقطيعة مع الممارسات السابقة في إدارة الشأن العام.

ستكون سنة 2023 أكثر السنوات التي تشهد تخمة من التشريعات وسلة من القوانين الناظمة للساحة السياسية وذات صلة بالحياة الديمقراطية والحريات المدنية والنقابية والإعلامية، بحيث تتوجه السلطة على أساسها إلى هندسة جديدة للساحة، تضيق معها الهوامش ومساحات التعبير الحر. 

ويمثّل هذا امتحاناً حقيقياً للمؤسسة السياسية، أحزاباً ونخباً وصحافيين وتنظيمات مجتمعية ومدنية ونقابات عمالية، في مدى قدرتها على منع التغوّل السلطوي، والدفاع على مكاسب تحققت للجزائريين بفعل تضحيات جسيمة وعبر محطات نضالية مريرة.

المجتمع الجزائري نفسه، في كل مظاهره الاجتماعية وتركيبته الثقافية وسيرورته اليومية، سيكون أمام امتحان أيضاً، لمدى تقبّله لسياسات قاسية نسبياً، يتطلبها العبور من مربع الريع الذي يعتمد في مرتكزاته أساساً على عائدات النفط، بعد عقود ستة عاشها المجتمع على هذا النسق الذي كان يؤدي دائماً إلى أزمات عنيفة وصادمة، وأيضاً في الانصياع الطوعي أو الجبري لضوابط جديدة تحكم الفضاء العام والعمران وغيرها، قد تفجر المسلّمات الاجتماعية السائدة.

تمثل السنة الجديدة أيضاً امتحاناً للمؤسسة الاقتصادية وللمبادرة الحرة في الجزائر، ذلك أن رفع سقف التطلعات نحو مؤسسة منتجة للثروة توفر مناصب الشغل وتغطي الحاجيات المحلية، يصطدم دائماً بعقل اشتراكي ما زال يعشش في الإدارة وفي المؤسسة الاقتصادية نفسها، العمومية والخاصة على حد سواء.

كما أن موجة "مقاولات" الشباب والشركات الناشئة، تقترب من أن تكون "سحابة كاذبة" بسبب افتقادها للبيئة المناسبة محلياً في الوقت الحالي، إلى أن يحدث ما يثبت العكس.

المساهمون