تتجه الجزائر للاستعانة بروسيا للمساعدة في تطهير مناطق التجارب النووية التي كانت أجرتها سلطات الاستعمار الفرنسي في الصحراء الجزائرية بداية من عام 1958، حيث ما زالت آثار الإشعاعات النووية في المنطقة المغلقة حتى الآن، وتستمر تأثيراتها على البيئة والصحة والسكان.
وعبّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال التوقيع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتفاق "الشراكة الاستراتيجية المعمق" بين البلدين في موسكو أمس الخميس، عن رغبة الجزائر في الاستعانة بروسيا لإجراء عمليات تطهير للمناطق الموبوءة بالإشعاعات، مشيراً إلى أنه "قد تكون هناك اتفاقات لتطهير المناطق التي جرت فيها التجارب النووية أيام الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ليجرى تطهيرها من قبل مختصين من أصدقائنا من روسيا الفيدرالية".
ويأتي إعلان الرئيس الجزائري، الذي يزور موسكو منذ الثلاثاء الماضي، عن رغبة بلاده في الاستفادة من الخبرة الروسية في هذا المجال، بعد مماطلة باريس في تحمّل مسؤولياتها بشأنها، رغم تعدّد المطالبات الجزائرية المستمرة منذ عقود بالتكفل بتطهيرها، والكشف عن مدافن النفايات النووية، ومنح التعويضات لضحايا آثار التجارب النووية، حيث تدرج الجزائر هذا الملف ضمن حزمة المطالب التاريخية المتضمنة في مفاوضات الذاكرة القائمة بين البلدين.
وكان تبون أعلن، في حوارات صحافية سابقة، أن الجزائر ستظل متمسكة بمطلب تحمّل فرنسا مسؤوليتها بشأن ملف التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، والتي تشير دراسات خبراء جزائريين بشأن آثارها المستمرة حتى الوقت الحالي، أنها خلّفت 42 ألف ضحية ممن تسببت الإشعاعات في إصابتهم بالسرطان، والتشوهات الخلقية، وأمراض العيون، والشلل، وغيرها، إضافة إلى تأثيرات على البيئة والغطاء النباتي والحيواني.
ونفذت فرنسا 17 تفجيراً نووياً في مناطق مختلفة من الصحراء الجزائرية، بينها أربعة تفجيرات سطحية في منطقة رقان في منطقة رقان بولاية أدرار، و13 تفجيراً باطنياً في منطقة إن إيكر، ووادي الناموس بولاية تمنراست جنوبي الجزائر، ما أدى إلى انتشار النواتج الانشطارية للانفجار ملوثة مناطق واسعة، وما زالت هذه المناطق تعاني من آثار الاشعاعات النووية التي خلفتها هذه التجارب.
ومنذ عقود، قامت السلطات الجزائرية بإغلاق منطقة التفجيرات النووية لمنع وصول المواطنين إليها، خاصة أن بعض السكان المحليين قاموا بأخذ بعض بقايا التفجيرات من خردة الحديد وأغراض أخرى كانت خلفتها سلطات الاستعمار الفرنسي في المنطقة، لاستغلالها في شؤونهم الخاصة، من دون وعي من السكان بمخاطر الإشعاعات النووية التي تحملها.
وفي إبريل/ نيسان 2021، طالب قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، خلال لقائه قائد الجيش الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر الذي زار الجزائر حينها، بتسليم الجزائر الخرائط المتصلة بالتفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بداية من عام 1958، للمساعدة على تحديد مناطق آثار الاشعاعات النووية وتطهيرها.
وقال شنقريحة خلال الاجتماع: "نطلب منكم موافاتنا بالخرائط الطوبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة، أو الكيميائية غير المكتشفة لحدّ اليوم، بهدف التكفل النهائي بعمليات إعادة تأهيل موقعي رقان و"إن إيكر"، وكذلك مساندتكم في هذا الإطار، والتقدم في المفاوضات ضمن الفوج الجزائري-الفرنسي، حول مواقع التجارب النووية القديمة، والتجارب الأخرى بالصحراء الجزائرية". لكن الجانب الفرنسي لم يقدم على خطوات إيجابية في هذا المجال حتى الآن.