الجزائر: دعوات لعودة الثورة الشعبية والسلطة تتحفز بخطة مضادة

11 فبراير 2021
دعوات لحراك شعبي غداً الجمعة (العربي الجديد)
+ الخط -

أطلقت مكونات سياسية ومدنية للحراك الشعبي في الجزائر، أخيراً، حملات تعبئة شعبية تدعو لعودة تظاهرات الحراك الشعبي مجدداً إلى الشارع، عشية الذكرى الثانية لحراك 22 فبراير/شباط 2019. وفي المقابل، استنفرت السلطات أجهزتها لرصد ومتابعة هذه التطورات، كما جهزت خططاً أمنية مضادة خشية انفلات الشارع.
وقبل 11 عشر يوماً من حلولها، تخيم أجواء ثورة 22 فبراير مجدداً في الجزائر، في كثير من سياقاتها السياسية والاجتماعية، ليس فقط بسبب الغياب المتتالي للرئيس عبد المجيد تبون، الذي قضى حتى الآن ثلاثة أشهر من مجموع 14 شهراً منذ تسلمه السلطة في رحلة علاج في الخارج، ولكن أيضا بسبب غياب أفق سياسي وفشل القطاعات الحكومية وتعقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وعودة الممارسات العنيفة للأجهزة الأمنية والملاحقات القضائية ضد الناشطين، وإصرار السلطة على رفض إطلاق أي حوار سياسي رغم الدعوات المتكررة من قوى المعارضة. 
ويرتقب أن تتوسع، غداً الجمعة، رقعة تظاهرات الحراك الشعبي لتطاول ولايات جديدة، بعدما كانت تقتصر على عدة ولايات في وسط وغربي الجزائر وفي مدن شرقي البلاد ومنطقة القبائل خاصة.

وخلال الجمعتين الماضيتين شهد الشارع الجزائري عودة لافتة للتظاهرات الشعبية المناوئة للسلطة والمطالبة بالديمقراطية والحريات، والتي تزامنت أيضاً مع سلسلة تظاهرات أخرى ذات طابع اجتماعي وتحركات للشباب العاطلين من العمل، خاصة في ولايات الجنوب. 
وتتصاعد النداءات على مواقع التواصل الاجتماعي للخروج إلى الشارع بقوة، غداً الجمعة، تحت شعار "نازلين ولسنا خائفين" و"للشارع عائدون".
وفي السياق، أطلق ائتلاف مدني موسع يضم مكونات من الحرك الشعبي وشخصيات مستقلة ومثقفين وصحافيين، أمس الأربعاء، ما سموه "أسبوع التعبئة من أجل الحراك"، لفتح نقاش شعبي، بدءاً من يوم الثلاثاء المقبل، "من أجل مساندة ومرافقة التعبئة الشعبية من خلال لقاءات جهوية، ونقاشات عبر كل الفضاءات الممكنة، ومشاورات شعبية تدخل في إطار تحضير خريطة طريق تطرح الآليات الممكنة لترجمة مطالب الحراك".
ودعا الائتلاف "لاستعادة الثورة الشعبية، والتأكيد على إصرار الجزائريين على النضال السلمي من أجل بناء نظام مدني ديمقراطي ودولة القانون والحريات، وعودة المسيرات الوشيكة كحتميةً وضرورةً لفرض السيادة الشعبية وتحقيق أهداف الثورة السلمية، بعدما استغل النظام المفلس تعليق التظاهرات بسبب الأزمة الوبائية لاعتقال ومضايقة النشطاء في محاولات بائسة للقضاء على انتفاضة الشعب".
وبحسب الائتلاف، فإن "الأسباب ذاتها التي دفعت الشعب للانتفاضة في فبراير 2019، ما زالت قائمة والمطالب الديمقراطية لم تتحقق، وفي ظل انهيار الوضعية الاجتماعية والاقتصادية بشكل خطير وسريع". 
وطالب ائتلاف (نداء 22 فبراير) كافة القوى السياسية والشعبية إلى "التخندق مع ثورة الشعب السلمية والمشاركة فيها بكل مكوناتها ودعم مختلف وسائل التعبئة المشروعة والضرورية والسلمية التي يقررها الشعب في الجزائر لبناء الدولة المدنية الديمقراطية والتخلص نهائياً من نظام العسكرة والبوليس السياسي وممارساته ".
في السياق، وقّعت عدة شخصيات من مختلف التيارات السياسية وناشطين حقوقيين، الثلاثاء الماضي، نداءً موجهاً إلى الشعب الجزائري للدعوة إلى استئناف التظاهرات الشعبية. وأعلنت في نص النداء تمسكها "بعودة المسيرات الشعبية السلمية والمشاركة فيها مع الجزائريين والجزائريات".

وبرر النداء مطلب العودة إلى التظاهر بضرورة "تغيير النظام كحتمية أخلاقية وسياسية لإنقاذ البلاد"، وكذا استمرار ممارسة السلطة "للقمع واعتقال النشطاء والصحافيين، والاعتداء على شرفهم وكرامتهم، والسعي لإسكات وقهر كل الأصوات المعارضة لأجنداته".
وحذًر السلطات من أي تعامل عنيف مع التظاهرات المقررة "لكون التظاهر السلمي حق إنساني وسياسي، تضمنه القوانين والمعاهدات الدولية"، قائلاً "إننا نحذر السلطات من مغبة استعمال العنف والقمع ضد المتظاهرين أو التفكير في تحريف الطابع السلمي للمسيرات". 
وتستند هذه التحذيرات للسلطة من قمع المتظاهرين إلى معلومات تشير إلى إصدار وزارة الداخلية قرارا بإبقاء قوات الأمن والشرطة في حالة استنفار، استعدادا لهذه التظاهرات، والتوجه نحو نشر أعداد كبيرة من قوات الأمن والشرطة. كما كثفت الحكومة من الخطابات التي تحذر من "الفتنة" و"المؤامرات الخارجية ".
واتهم المتحدث باسم الحكومة، وزير الاتصال عمار بلحيمر، في آخر تصريح له، "مجموعات وجهات لها علاقة بأطراف أجنبية أزعجها نجاح الجزائر في تحقيق الانتقال الديمقراطي، لإثارة الفتنة في البلاد"، متعهداً بصد هذه المحاولات.
ولجأت السلطات الجزائرية، أخيراً، إلى الأسلوب ذاته الذي اتبعه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبيل تظاهرات 22 فبراير 2019، كاستخدام المرجعيات الدينية لثني الجزائريين عن التظاهر.
وأصدرت لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بياناً، أمس، حذرت فيه من "الفتنة"، وقالت إنه "يتوجب على كل مواطن أن يقطع أسباب التنازع والفتنة عملاً بمبدأ سد الذريعة وتحقيقاً للمصلحة الراجحة، ورعياً لقاعدة دفع الأضرار، وحفظاً للمجتمع ونظامه من الاختلال والافتراق".
ودعت هيئة الافتاء إلى "نبذ الفتنة والتفرقة، والحذر من خيوط المؤامرات الأجنبية التي تصنعها مخابر الفتنة والحقد ضد وطننا التي مقصدها التشكيك في أواصر اللحمة بين الشعب والسلطة والجيش، وتروم زرع الشفاق".
كما مارست السلطات الترهيب على القنوات الإعلامية لمنعها من التعاطي الإعلامي مع أي دعوات للحراك الشعبي وتلافي استضافة الناشطين المعارضين. 
ودفعت السلطة السياسية، في السياق ذاته، الأحزاب الموالية التي كان الحراك الشعبي يطالب منذ 22 فبراير 2019 بحلها، إلى تنظيم احتفالات بالذكرى الثانية لاندلاع الحراك الشعبي، في مشهد استفزازي خلف ردود فعل مستغربة في الشارع الجزائري. 

وبينما مرت الذكرى الأولى للحراك الشعبي في 22 فبراير 2020، والتي تلت مباشرة الانتخابات الرئاسية وتسلم الرئيس عبد المجيد تبون للسلطة، بهدوء لكون قطاع واسع من الجزائريين توجهوا نحو إعطاء الفرصة للرئيس الجديد وانتظار ما سيحمله مشروعه السياسي، وإمكانية إحداث تغيير حقيقي، خاصة بعد الخطابات الأولى المشحونة لتبون، وفي ظل البدايات الأولى للأزمة الوبائية، إلا أن الذكرى الثانية هذا العام تأتي في ظل ظروف مغايرة تماماً، بعدما أخفق الرئيس في إحداث تغيير جدي، إضافة إلى استمرار فرض أجندة دون فتح باب الحوار مع الطبقة السياسية، ما أدى إلى انفلات عقد الأمل في إمكانية أن تقدم السلطة مشروع تغيير حقيقي، ودفع هذا بكتلة كبيرة من الجزائريين إلى تغيير موقفهاً مجدداً وسحب ثقتها في السلطة. 

المساهمون