الجزائر... حكومة تحسب وحدها

29 مارس 2023
البرلمان الجزائري، سبتمبر 2021 (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

ما هو ملاحظ على الحكومة الجزائرية في الفترة الأخيرة دخولها في نسق من الإسهال المبالغ فيه في توليد القوانين الجديدة، وإغراق البرلمان والإدارات بحزمة كبيرة من التشريعات المحيَّنة (الموقعة بتاريخ محدد) دفعة واحدة، من دون أن تأخذ الوقت الكافي لدراستها لفهم مدى ملاءمتها لتطوير القطاعات المختلفة.

الرئيس عبد المجيد تبون نفسه استشعر ذلك وأقرّ به، وأعلن قبل أسبوع أنه يتعين على الحكومة أن تتوقف عن هذا التوليد المتسارع للقوانين، وأن تتوجه إلى العمل في الميدان. تعتقد الحكومة أن حل المشكلات يكمن في مزيد من القوانين، بينما الحقيقة أن المشكلات القائمة تحتاج أولاً إلى التشخيص السليم ثم التدبير المحتكم إلى الدراسة العلمية اللازمة.

ما ينقص القوانين الجزائرية في الغالب، هو الاستشراف وبعد النظر وقصر الحيز الزمني الذي تتحرك فيه، إذ يُظهر التسرع الحكومي عيوب هذه القوانين وعوارها، فيعاد تعديلها مرة بعد مرة، ويخلق ذلك مشكلة عدم استقرار التشريعات في الجزائر، وكانت تلك ملاحظة يسجلها الشركاء الدوليون على الجزائر دائماً.

أغلب التشريعات الجديدة المطروحة أخيراً تسير بالبلد عكس اتجاه التاريخ وتعيده إلى المنطق الاشتراكي، وهو ما يشوش أكثر على طبيعة الخيارات والهوية السياسية والاقتصادية التي يراد رسمها للجزائر، كما تسير عكس مقتضيات الفقه القانوني الذي يعتمد الحرية والإباحة كأصل، بينما تعتمد القوانين الجديدة على التقييد.

السرعة التي تم بها طرح وتمرير قوانين بالغة الحيوية والأهمية وذات صلة وثيقة بالممارسة الديمقراطية والحقوق السياسية والمدنية في الجزائر، في صورة قانون الحق النقابي وقانون الحق في الإضراب، وقانون الإعلام، والعلاقة بين البرلمان والحكومة، تعطي صورة واضحة عن ذلك.

ويؤشر كل ذلك إلى أن الانشغال الأساسي للسلطة لا يتعلق بتصحيح الاختلالات وتزويد المجتمع بما يحتاج من الأدوات القانونية لتحرير المبادرة الفردية وتعزيز الانتظام المجتمعي، بقدر ما هو انشغال يرتكز على توفير قاعدة من النصوص التي تتيح لها السيطرة على الفضاءات والمساحات النقدية.

الحكومة لم تستشر النواب أنفسهم في قانون يخص علاقتهم بالحكومة، ولم تفتح نقاشاً مع الصحافيين بشأن قانون الإعلام، ولم تحاور النقابات حول قانوني الإضراب والحق النقابي، ولا الممثلين في قانون السينما... هناك مَثَل شعبي معروف في الجزائر يقول "مَنْ يَحْسَبْ وَحْدَهُ تْشِيطْلُو (تفسد طبخته)"، لذلك تفسد أغلب طبخات الحكومة سريعاً.

المساهمون