نصّ إنشائي طويل وتخمة من الأمنيات وحزمة من النوايا الحكومية، هكذا يمكن وصف ما تضمنه برنامج الحكومة الجزائرية، الذي وضع بين أيدي نواب البرلمان لمناقشته، أول من أمس الإثنين. في الحقيقة، النوايا الحسنة لا تناقش، وليس على النواب والجزائريين في هذه الحالة سوى تصديق الحكومة في ما تتمنى أن تفعل، ولكن ليس هذا هو بيت القصيد والمعضلة ليست في النوايا، ولكنها تكمن في التفاصيل.
يمكن أن يلحظ الجميع في الجزائر، مواطنين ونواباً، نخباً وسياسيين، أن نص الخطة الحكومية فقير جداً من جهة المحددات السياسية والاقتصادية التي تجعل منه وثيقة ذات معنى، ونصاً مرجعياً يمكن العودة إليها لمساءلة الحكومة على المنجز عن المتأخر. لم تضع الحكومة لنفسها أية أجندة زمنية لتطبيق برنامجها، ولم تضبط أي مقترح من مقترحات الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي بتصور مرحلي واضح ومحدد بظرفية زمنية. كما أنها لم تضع مواعيد قصوى مثلاً لصدور قوانين الإعلام والجمعيات والأحزاب، ولم تقل للجزائريين كم مؤسسة صغيرة ستلتزم بإنشائها، وكم وظيفة ستوفر وما هي نسبة النمو الموعودة. ولم تقدم التزاماً بعدد المستشفيات والمدارس التي ستشيّد، وكيفية تخفيف الاكتظاظ في التعليم، ولم تشرح للجزائريين كيف ستصلح المصارف وشركات النقل، وكم محطة كهرباء ستبني وكيف تحلّ أزمة المياه وغير ذلك.
على هذا النحو تصبح الحكومة في منأى عن أي تقييم أو محاسبة مستقبلاً، في مؤشر بالغ السلبية عن قيمة الوقت في العقل الحاكم وفي تدبير الشأن العام في الجزائر، مع أنه العامل الأبرز في كل تخطيط ويتجاوز في أهميته المقدرات المادية. والمفارقة أن رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن رجل اقتصاد ومالية (يجمع الآن بين رئاسة الحكومة ووزارة المالية)، ويدرك أكثر من غيره أن علوم التسيير السياسي والتدبير الاقتصادي تطورت كثيراً، وأن الإدارة الحديثة للحكم وتسيير الشأن العام وتطوير القطاعات الاقتصادية وإصلاح المعضلات الاجتماعية، تعتمد بالأساس على معايير علمية وتخطيط منتظم، عبر وضع أهداف واضحة بسقف استشرافي معين، وفقاً للمقدرات الموجودة وقدرات الكادر البشري في زمن محدد.
لا يمكن إخراج البلد من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة بحزمة نوايا وبخطة حكومية تغيب فيها الرؤية والأهداف، وتنوب عنها النوايا. وحين تغيب الرؤية يغيب المنجز. وفي الحقيقة نص برنامج الحكومة ليس الوحيد المتخم بالكلمات الإنشائية من بين النصوص والبيانات الرسمية لمؤسسات الحكم في الجزائر، فقبل أيام صدر بيان مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون "يدعو إلى ضرورة تخفيف عبء المحفظة المدرسية عن التلاميذ"، مع أنه يفترض في مجلس الوزراء، وهو أعلى هيئة حكم في البلاد ألا يدعو، بل يفترض فيه أن يقرر ويتدبر حلاً أكيداً وعملياً للمشكلة. وإذا استمر الأمر على هذا النحو في التعامل مع مشكلات البلد ومعضلاته المتفاقمة، فسيكون سوء تقدير للموقف وتجاهلاً لوضع بالغ الخطورة اجتماعياً واقتصادياً، ويعني أن هناك مشكلة حكم حقيقية في الجزائر.