الجزائر... تحضر الفرصة يغيب المشروع

23 نوفمبر 2022
تضبط السلطة الجزائرية إيقاعها على أسعار النفط (Getty)
+ الخط -

كل الخوف أن تضيع الفرصة مجدداً في الجزائر، كما ضاعت قبل عقد ونيف عندما بلغت احتياطيات الصرف في الخزينة العمومية 200 مليار دولار، شفطها النهب والفساد، وأهدرتها السلطة التي كانت مهتمة بشراء السلم الاجتماعي على حساب بناء المستقبل.

تملك الجزائر في الوقت الحالي بضعة عوامل لوضع أساسات الانتقال من اقتصاد ريعي موجّه إلى اقتصاد حي، يتأسس على المعرفة والمبادرة الحرة والابتكار والمنافسة، وتركيز قواعد تسمح بانطلاقة متدرجة وإقلاع اقتصادي يحقق التكافؤ بين المقدرات ومستوى العيش، حيث الخزينة العمومية في أريحية كبيرة بفضل عائدات النفط والغاز، والديون الخارجية صفرية، والخطاب الحكومي بات أكثر اقتناعاً وتركيزاً على ضرورة الإفلات من اقتصاد الريع، وتأسيس اقتصاد جديد يقوم على الإنتاج والقيمة المضافة.

غير أنه من الخطأ الاعتقاد أن الاحتياطي المالي وحده الذي يمكن أن يحقق ذلك، للجزائر أو لغيرها. ثمة قواعد في إنجاز السياسات والتدبير: استثمار الإمكانات لا يحابي أحداً، متى توفرت توفر المنجز، ومتى غابت غاب. 

وزيادة على معاناة الجزائر من ضعف التخطيط والاستشراف السياسي والاقتصادي، والعجز الماثل في استخدام الثروة والمال في استنهاض الاقتصاد وتحقيق الرفاه الاجتماعي، فإنها تحتاج إلى جهد كبير لتخليص مؤسسات الحكم والتسيير من بقايا العقلية الاشتراكية البائدة، التي تقع في خصومة مع المبادرة الاقتصادية التي تأتي من خارج صندوق التفكير الحكومي، وإلغاء العقل البيروقراطي المُكَبَل والمكبِل الذي فوت فرصاً كبيرة على البلاد.

ثمة مشكلة أخرى، الجزائر مصنفة في الرتبة 157 عالمياً في مناخ الاستثمار. ولا يُعتقد أن مستثمراً أجنبياً سيجد في هذا التصنيف ما يشجعه على القدوم إلى الجزائر، ما لم يحصل تغيير فعلي وجذري للسياسات، من حيث استقرار التشريعات، ومنع تدخل مؤسسات الدولة في البيئة الاستثمارية، إلا في ما يعني تطبيق الضوابط الواضحة والقوانين المعلنة، وبالشفافية المطلوبة.

إن إحدى المعضلات السياسية والأساسية التي أعاقت تطور البلد، وأضفت حالة من الغموض على منظومته الاقتصادية والسياسية، هي وجود قوانين مكتوبة ومعلنة، ومنظومة موازية من النظم غير مكتوبة ولا معلنة، غالباً ما تتفوق الأخيرة في الواقع الجزائري.

مشكلة السلطة السياسية في الجزائر منذ عقود أنها تضبط إيقاعها على أسعار النفط وعائدات المحروقات، وتبرمج سياسات شراء السلم الاجتماعي على أساس ذلك. يمكن ملاحظة أنه وبسرعة كبيرة تغير خطاب السلطة ونهجها السياسي والاقتصادي، بين ما قبل حرب أوكرانيا وما بعدها. فقد زادت من مستوى الإنفاق وتخلت عن خطط لترشيد النفقات والدعم. وهذا يطرح مخاوف جدية من إمكانية شفط سريع لاحتياطات البلاد المالية، من دون توظيفها الصحيح، ويعزز المخاطر في حال تغيرت معطيات الحرب والأزمة الدولية.

من دون الحكم على النوايا السياسية والاقتصادية للسلطة، فإن المتوافق عليه حتى الآن غموض الرؤية، وعدم تنزيل السلطة لمشروع سياسي واقتصادي واضح، يمكن أن تتحلق حوله القوى الوطنية وتتحمل جماعياً كلفة إنجازه وإنجاحه. 

يفسر ذلك تصادم في الرؤى بين الوزارات نفسها. والشاهد على ذلك ما حدث خلال الأيام الماضية من تشجيع وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، لشركة ناشئة تعمل في مجال تطبيقات النقل، بينما سلطت وزارة النقل والداخلية عقوبات على المنخرطين في الشركة وحجزت سياراتهم بزعم أنه نشاط غير مرخص. ناهيك عن مقاومة سياسية لكل تغيير من داخل السلطة نفسها، ورفض للانتقال إلى حالة تتركز فيها قواعد الشفافية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تغييب مصالح المجتمع المخملي داخل السلطة.

المساهمون