الجزائر... بحثاً عن "الشرق المفيد"

12 يوليو 2023
تؤكد زيارات تبون التحول الجزائري شرقاً (الأناضول)
+ الخط -

زيارة واحدة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى بلاد نهرو، الهند، وتكون الجزائر قد أكملت استدارة سياسية باتجاه الشرق. وإلى أن تتم هذه الزيارة في أفق لاحق، تبقى بكين بعد موسكو، وموسكو بعد أنقرة، وأنقرة بعد الرياض والقاهرة والخليج، أوج هذه الاستدارة، وقمة هذا الانعطاف الصريح الذي بات فيه الشرق، سياسة واقتصادا، أكثر حضوراً ومركزية في الخيارات الجزائرية.

على مقياس الجغرافيا السياسية، المتضمنة للبعد الاقتصادي، تبدو الصورة هكذا. لكنها تجد لها متكأ على سلم التاريخ السياسي، سيسترعي الانتباه والاهتمام في آن.

هذا الجهد الجزائري في البحث عن تطعيم اقتصادي لرصيد زاهر من العلاقات التي كانت تجمعها بكتلة من دول حليفة بعينها، كانت تتصدرها زعامات إقليمية بالغة التأثير، لكل من هذه الزعامات صلة مباشرة وقوية بالجزائر، وفرت للبلد كثيراً من الإسناد في فترة الكفاح، والدعم خلال بناء الدولة الوطنية عقب الاستقلال، ماو تسي تونغ في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند، وليونيد بريجنيف في الاتحاد السوفييتي (روسيا)، وتيتو في يوغسلافيا (صربيا)، (الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش يزور الجزائر قبل نهاية العام)، كما الملك فيصل في السعودية وجمال عبد الناصر في مصر.

صحيح أن السياقات تغيرت وتحكمها تعقيدات المصالح بين الدول، وهو أمر لا يغيب عن المهندس السياسي في الجزائر، لكنْ هناك خطوط قديمة يمكن أن تسهل إعادة ربط العلاقات بعضها ببعض، وتعزيزها بالبعد الاقتصادي، لتصبح أكثر نجاعة واستدامة.

تبحث الجزائر الآن عن "الشرق المفيد"، وزيارات تبون العشر (ثماني منها إلى دول الشرق)، تؤكد ذلك، مثلما يبحث هذا الشرق عن دول ناشئة أكثر تماسكاً وقدرة على تحمل أعباء الانخراط فيما توصف "بالثورة الجيوسياسية في النظام الدولي".

بهذا القدر تتضح الخيارات الجزائرية وتنضج أكثر، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ولها ما يبررها، حتى وإن حاولت المؤسسة الرسمية في الجزائر إظهار مستوى من التوازن أيضاً في العلاقات مع الفضاء الغربي والمتوسطي، خاصة وأن الجزائر ترمي بثقلها الطاقوي إلى أوروبا.

عايش وزير الخارجية أحمد عطاف، ذروة التخلي الغربي عن الجزائر في زمن الأزمة الأمنية في تسعينيات القرن الماضي. كان يشغل المنصب نفسه في أكثر سنوات الأزمة ضراوة (1996_1999)، لكنه يدافع عن موجبات أن تُبقى الجزائر الباب الغربي مفتوحاً، بقدر ما يحقق مصالحها، ويضمن تواصلها السياسي والاقتصادي المفيد مع الغرب أيضاً.

سيقول هذا الغرب كلاماً كثيراً، عندما يزور تبون بكين، ويلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ. عندما التقى الزعيم التاريخي للصين ماو تسي تونغ رئيس حكومة الثورة الجزائرية فرحات عباس خلال زيارته إلى بكين، في 30 سبتمبر/ أيلول 1960، قال إن "الصين ترى الجزائر جزءا هاماً من الجبهة الموحدة ضد الإمبريالية". ما هو مهم الآن هو كيف ترى الصين الحديثة الجزائر الآن؟

المساهمون