الجزائر... اليقين والمكاشفة

30 اغسطس 2023
من قمة "بريكس" في أغسطس الحالي (بير ـ أنديرس بيتيرسون/Getty)
+ الخط -

المفيد في صدمة "بريكس"، أنها فتحت أعين الجزائريين على حقائق الحالة الجزائرية في متغيرها التنموي الداخلي البطيء والمرتبك، وعلى الفراغ الكبير بين تسويقية الخطاب الرسمي والراهن المتأزم في أبسط قضاياه المعيشية، وعلى وقائع مغايرة تماماً في إدارة العلاقات الدولية والإقليمية، ومتغيرات كبيرة في مفهوم الثقل والقوة والأهمية، وفي معنى الصداقة والشراكة التي لا تعني المصالح نفسها بالضرورة.

لكن الأهم من كل هذا، أنه تولّد عن هذه الصدمة، إقرار جمعي في الجزائر بوجود فشل، وبضرورة مواجهة مشكلات البلد الداخلية بصراحة ومكاشفة أكثر، ومن دون الهروب من الأزمات الداخلية متعددة الأبعاد، وإعادة فتح وتوجيه النقاش المركزي حول الخيارات الاستراتيجية للبلاد، ووضعها قيد المسلك النقدي اللازم، لمعالجة الاختلالات القائمة، وبدرجة أهم، إدارة علاقات البلد الخارجية وتموضعه، بهدوء ويقين استراتيجي أكثر مما هو قائم.

نسفت صدمة "بريكس"، ثلاث سنوات ونيفاً من الخطاب السياسي الذي يضع كل اليقين في خيارات السلطة، من دون منح أدنى فرصة ممكنة للرأي النقدي، وهو خطاب أخذ الجزائريين إلى زاوية غير واقعية بقدر ما هي في الأصل لا تفوق مقدرات البلد وإمكاناته. لكن مخرجات توظيف هذه المقدرات واستغلالها أقل بكثير مما هو منجز، إلى درجة أنه وُجدت للبلد صورتان: صورة في نشرة أخبار للتلفزيون الرسمي تصور الإنجازات وتبشر بالرفاه، وصورة الواقع الملون بكل ألوان الأزمات الاجتماعية الضاغطة والبؤس السياسي والفقر الإعلامي. كان يكفي أن يشير عاقل واحد إلى أن التجارة الخارجية للجزائر ما زالت تخضع لنظام رخص التصدير والتوريد، وهذا وحده سبب يكفي لعدم قبول الجزائر في "بريكس".

واحدة من أكبر مشكلات السلطة في الجزائر، أنها تتعامل مع الفاعل الدولي والإقليمي بذات المنطق والأدوات التي تتعامل بها مع الرأي العام الداخلي، من ناحية تسويق المعطيات السياسية والاقتصادية والبيانات والأرقام غير الدقيقة، عبر صورة تلفزيونية معدلة لا تعكس الواقع الاجتماعي والتنموي بحقيقته، من دون أن تنتبه إلى أن كل فاعل دولي وإقليمي، لديه في الجزائر سفير وممثلية دبلوماسية تدرك بشكل دقيق مكمن المكابح ونقاط التعطيل التي تحكم الاقتصاد الجزائري وسياساته.

والجهات الدبلوماسية الأجنبية في الجزائر منتبهة إلى استمرار دينامية صناعة القرار السياسي والاقتصادي نفسها، وأن آليات الشفافية غير جاهزة في الوقت الحالي، وأن الضمانات التشريعية بالنسبة إلى أي مستثمر ليست كافية في بلد مثل الجزائر.

أمام السلطة فرصة للتخلي عن الإنكار ومساءلة الأسباب ومراجعة الخيارات. ليس مهماً الدخول إلى "بريكس" من عدمه، فهي قضية وقت، تعالجها المصالح والمتغيرات. ما يهمّ بالأساس، هو الاستثمار في إيجابية هذا الإقرار الجمعي في الجزائر بوجود فشل، ويمكن للخبراء أن يحددوا ما إذا كانت المشكلة في الخيارات أو في الأدوات الناجزة، أو في كليهما. ويحتاج هذا الأمر إلى مبادرة إيجابية من السلطة، وإلى دافعية من الأحزاب المسؤولة، بدلاً من مبادرات سياسية جوفاء توفر مسلكاً آخر للسلطة للهروب من الأزمة.

المساهمون