الجزائر... البحث عن حكومة

22 مارس 2023
بن عبد الرحمن بالعاصمة الجزائرية، فبراير الماضي (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

بعد ثلاث سنوات من حكمه، لم يستقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعد على تركيبة مثالية للحكومة التي تدير الشأن العام وتتولى تنفيذ خططه الإصلاحية.

وبرز ذلك بوضوح في سادس تعديل للفريق الحكومي الحالي منذ يونيو/ حزيران 2021. استهلك تبون خلال هذه السنوات حكومة عبد العزيز جراد (يناير/ كانون الثاني 2020 ــ يونيو 2021)، ثم حكومة أيمن بن عبد الرحمن منذ الانتخابات النيابية الأخيرة (أجريت في يونيو 2021).

وتداول على وزارة الخارجية ثلاثة وزراء، وعلى وزارات المالية والنقل والعمل خمسة وزراء، وشغل وزارات السكن والصناعة والشباب والرياضة والصيد والبيئة ثلاثة وزراء، وشهدت وزارة الثقافة ثلاث وزيرات، كما شهدت وزارة الداخلية تعديلاً أيضاً.

يطرح هذا التدوير السريع والكم الهائل من الوزراء المستخدمين، مشكلة تخص التوصيف الوظيفي المطلوب في الوزير الجزائري، ويضفي غموضاً على المبررات التي تدفع الرئيس والمؤسسات المساعدة في صناعة القرار، إلى هذا الهدر البشري غير المفهوم.

لا يعطي ذلك صورة عن الآلية المشوشة في الجزائر لانتداب الوزراء فحسب، ولكنه يعطي أيضاً صورة عن غياب مشروع واضح يستند إلى تصور مرتب بالقدر الكافي في تدبير الحكم والشأن العام، ومصاغ بالمنهجية السياسية والعلمية اللازمة، ومدبج بأهداف وأولويات مرسومة بدقة، وعلى أساسها يتم اختيار الكفاءات التي تملك القدرة والمؤهلات المناسبة لتنفيذ الخطط والبرامج الحكومية.

المشكلة أيضاً أن التغييرات لم تكن تمس الوزراء فحسب، بل كانت تشمل الحكومة نفسها كهيكلية تبدو غير مستقرة، يعاد تفكيكها وتركيبها في كل مرة، بعض الوزارات تستحدث ثم تلغى (مثل الإنتاج السينمائي والزراعة الصحراوية)، وبعضها كالري تُضمّ إلى وزارة ثم إلى أخرى قبل أن تتحول إلى وزارة منفردة.

وبالقدر نفسه وزارة النقل التي ضُمّت إلى الأشغال العامة ثم أعيد فصلها، وقطاع المناجم الذي كان ملحقاً بالصناعة، ثم بوزارة الطاقة، والصناعات الدوائية التي ألحقت بوزارة الصناعة وغيرها، وهذا يعني أن هناك خللاً كبيراً في الهندسة الحكومية وفي ترتيب أولوياتها.

وبغض النظر عن تأثير هذا التدوير على الأداء الحكومي، وعن تفسيرات سياسية تربط في الغالب أزمة التشكيل الحكومي ضمن مناخات الصراع داخل السلطة، فان أقل تفسير لهذا الوضع يفيد بأن السلطة السياسية ما زالت مرتبكة وغير قادرة على التوصل إلى صيغة مثلى لحكومة مستقرة على صعيد الهيكل، وإلى توصيف وظيفي مناسب بالنسبة للوزراء.

ويدل هذا الأمر على أن هناك تسرعاً واضحاً في فهم طبيعة المشكلات القائمة ورفض تأهيلها سياسياً، في مقابل الإصرار على المعالجات البيروقراطية العقيمة. وفي الواقع كانت هذه دائماً مشكلة منظومة الحكم وصنّاع القرار في الجزائر.

المساهمون