"الجبهة الشعبية" خارج الحكومة التونسية... وخشية على وحدتها

05 يناير 2015
زوجة الهمامي مرشّحة لدخول الحكومة (الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن "الجبهة الشعبية" التونسية حسمت أمرها بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، التي سيشكّلها حزب "نداء تونس" الذي حصل على الأغلبية النيابية.

وتكشف مصادر لـ "العربي الجديد" أن الجبهة اتخذت هذا القرار خلال اجتماع أمنائها الذي عُقد قبل أيام قليلة. وتفيد المصادر بأن الجبهة لن تشارك في الحكومة، لكنها في المقابل ستصوّت لها وتمنحها تزكيتها حتى تبدي حسن نواياها بالسير في إطار الوفاق الوطني الذي تعرفه تونس، إلا أن هذا الوفاق لن يمنع نواب الجبهة الخمسة عشر من انتقاد الحكومة المقبلة ومعارضتها كلما استدعى الأمر ذلك.

موقف "الجبهة الشعبية" جاء بعد تدارسها لكل السيناريوهات الممكنة للحكومة المقبلة، والتي ترى الجبهة أنها حكومة لن تستجيب لشروطها التي وضعتها للمشاركة فيها. وأهم هذه الشروط إبعاد كل من عمل مع النظام السابق (نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) من تركيبة هذه الحكومة.

كما اشترطت الجبهة إبعاد من سمتهم برموز الفشل في حكومة الترويكا من تركيبة الحكومة الجديدة، وهي تعني بالأساس إبعاد حركة "النهضة"، الثانية في البرلمان لجهة عدد نوابها، من تركيبة هذه الحكومة، أو على الأقل عدم منح حقائب "للوزراء الفاشلين" من "النهضة".

وطالب الجبهة أيضاً بالاتفاق على برنامج اقتصادي لعمل الحكومة المقبلة، يرتكز أساساً على عدم الاستجابة لشروط البنك الدولي للنهوض بالاقتصاد التونسي وإعادة جدولة أو إلغاء الديون التونسية لدى المؤسسات المالية العالمية.

كما اشترطت على من يريد تشكيل الحكومة المقبلة على المستوى الاجتماعي الرفع في القدرة الشرائية للمواطن التونسي، وعدم اتخاذ قرارات من شأنها أن تمس بالمكاسب الاجتماعية للمواطن، وخصوصاً تلك المتعلقة بالدعم الذي تقدّمه الدولة للمواد الأساسية من محروقات ومواد غذائية. وهي شروط تدرك "الجبهة الشعبية" جيداً عدم قدرة أي طرف سياسي على الاستجابة لها، لذلك اختارت ألا تشارك في هذه الحكومة وتكتفي بدور المعارضة داخل البرلمان التونسي.

موقف الجبهة لا يلقى الرضا التام لدى العديد من ممثلي "العائلة اليسارية" في تونس، الذين يعتبرون أن اليسار التونسي لا يتعامل بالواقعية المطلوبة مع المتغيّرات السياسية التي تشهدها تونس، ويترك المجال واسعاً لغريمهم التقليدي حركة "النهضة"، للاستئثار بالمشاركة في الحكم والعودة من بوابة الوفاق الوطني، بعد أن تمّ إخراجها من الحكم باعتصام الرحيل في مرحلة أولى، وخصوصاً أن الجبهة و"نداء تونس" كانا من الأطراف الرئيسية لهذا الاعتصام، وذلك في إطار ائتلاف سياسي سمّي حينها بجبهة الإنقاذ الوطني.

كما تم إخراج "النهضة" من السلطة في مرحلة ثانية عبر صناديق الاقتراع، من خلال عدم حصولها على الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان التي تُمكّنها من تشكيل حكومة.

هذه المعطيات تشير إلى عدم التوافق التام داخل "الجبهة الشعبية" حول المشاركة في الحكم، وخصوصاً في ظل وجود أصوات تدعو إلى عدم ترك الفراغات التي قد يستفيد منها خصومها السياسيين، لكن الأخطر بالنسبة للجبهة هو ربما شق صفها من خلال مشاركة رموز منها في الحكومة المقبلة بشكل فردي، مثلما هو الحال بالنسبة لبسمة الخلفاوي، أرملة السياسي الذي تم اغتياله شكري بلعيد وأحد مؤسسي "الجبهة الشعبية"، وهي من المتوقع أن تنال إحدى الحقائب الوزارية، وإن كانت قد صرّحت بأنها لا تريد أن تتحمّل مسؤولية حكومية.

كما يتم التداول باسمين آخرين من رموز الجبهة قد يقرران المشاركة في الحكومة، وهما الوجه النقابي المعروف عبيد البريكي المرشح لمنصب وزير التربية، والحقوقية راضية النصراوي زوجة المتحدث الرسمي باسم الجبهة ومرشحها للانتخابات الرئاسية حمة الهمامي.

إمكانية مشاركة الخلفاوي والنصراوي في الحكومة المقبلة لم ينفها المدير السابق للحملة الانتخابية للرئيس الباجي قائد السبسي ومستشاره السياسي الحالي محسن مرزوق، وهو أحد المقربين جداً للرئيس التونسي.

هذا الأمر إن حصل، قد يضع "الجبهة الشعبية" أمام امتحان صعب يمسّ وحدتها وقد يسرّع بتفككها، كما يضع السبسي في وضع حرج، وهو سبق وأن أكّد في العديد من المناسبات أثناء حملته الانتخابية أنه يفضّل وحدة الجبهة وعدم تفككها على مساندته في الفوز برئاسة الجمهورية.

ويبدو أن الجبهة بقرار مجلس أمنائها، مقبلة على أيام صعبة قد تجعل من ضمان وحدتها أمراً صعب المنال في ظل المتغيرات السياسية، خصوصاً إذا أحسن "نداء تونس" وحركة "النهضة" توظيف هذا الموقف لتقارب إضافي بينهما، وبالتالي ضمان أغلبية مريحة داخل المجلس النيابي، تجعل من الجبهة حركة معارضة محدودة التأثير داخل البرلمان، مما قد يفقدها صفة الحزب الذي يعمل على البناء والمشاركة في هذه الفترة الحساسة من تاريخ تونس، ويحوّلها إلى ائتلاف سياسي غايته المعارضة للمعارضة فقط، ويخلع عنها صفة البراغماتية المطلوبة في التعامل مع المتغيرات السياسية الحالية.

هذه الهواجس يدركها بعض أبناء "الجبهة الشعبية" ممن تحدثت "العربي الجديد" معهم، لكنهم لم يعبّروا عن ذلك صراحة حتى الآن في انتظار ما ستأتي به الأيام المقبلة.