"الجبهة الشامية" أمام تحديات وجودية

20 أكتوبر 2024
عنصر بـ"الجيش الوطني" قرب مدينة الباب، سبتمبر 2023 (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه "الجبهة الشامية" تحديات كبيرة مع انشقاق مجموعات مثل "لواء ساجدون" و"اللواء الخامس"، مما يعكس التوترات مع الجانب التركي بعد اعتراضها على فتح معبر أبو الزندين.

- تشير مصادر إلى توجه تركي لتسليم الشمال السوري لـ"القوة المشتركة"، مما يزيد الضغوط على "الجبهة الشامية" التي تواجه تحديات في الحفاظ على نفوذها وسط الانشقاقات والضغوط التركية.

- تعاني "الجبهة الشامية" من خذلان داخلي وخارجي، حيث تعكس الانشقاقات توترات مع "هيئة تحرير الشام"، مما يزيد تعقيد المشهد الفصائلي في الشمال السوري.

يواجه فصيل "الجبهة الشامية"، أبرز فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، التحدي الأبرز منذ تأسيسه قبل سنوات، مع إعلان مجموعات عدة الانشقاق عنه، عقب حلّ فصيل "صقور الشمال" من قبل فصائل تتبع مباشرة للجانب التركي. وأعلنت مجموعات "لواء ساجدون" و"اللواء الخامس" و"تجمع أهل الديار"، أول من أمس الجمعة، الانشقاق عن "الجبهة الشامية"، سعياً إلى "توحيد الجهود"، والانضمام إلى "الفرقة 51"، التابعة للفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري المعارض. وجاءت هذه الخطوة بعد يوم واحد من إجبار "صقور الشمال" الذي انضوى حديثاً تحت جناح "الجبهة الشامية"، بـ"القوة"، على حلّ نفسه، من قبل ما يسمّى بـ"القوة المشتركة"، التي تضم فصيلي "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة"، وهما من أكثر الفصائل ارتباطاً بالجانب التركي.

مصادر مطلعة: هناك توجه تركي لتسليم الشمال السوري كلّه لـ"القوة المشتركة"

وكان الفصيل المنحلّ من أبرز الفصائل التي عارضت إلى جانب "الجبهة الشامية" محاولة أنقرة فرض فتح معبر أبو الزندين في ريف حلب، والذي يربط مناطق المعارضة مع مناطق النظام، واعتبر هذا الأمر خطوة باتجاه التطبيع، ما أثار حفيظة الجانب التركي الذي كان يريد بدء التطبيع مع النظام من البوابة الاقتصادية. وأعلن هذا الفصيل الانضمام إلى "الجبهة الشامية" للهروب من قرار حلّه الذي أصدرته وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وهو ما اعتبر تحدياً، دفع "القوة المشتركة"، الخميس الماضي، إلى استخدام القوة لتنفيذ القرار.

تقارير عربية
التحديثات الحية

"الجبهة الشامية" إلى مزيد من الانشقاق

بحسب مصادر مطلعة، هناك مجموعات أخرى ربما قد تعلن خلال الأيام القليلة المقبلة الانشقاق عن "الجبهة الشامية"، وهو ما من شأنه إضعاف هذه الجبهة التي حاولت في الآونة الأخيرة الاعتراض على السياسة التركية في شمال سورية، والذي يعد منطقة نفوذ خالصة لأنقرة. ولكن مصدراً في "الجبهة الشامية" قلّل، في حديث مع "العربي الجديد"، من أهمية انشقاق بعض المجموعات والكتل عن الجبهة، مشيراً إلى أنها "كتائب غير فعّالة ولا تضم سوى 300 مقاتل"، مؤكداً أن هذه المجموعات كانت على تواصل مع الجانب التركي لـ"ترتيب أمر خروجها عن الجبهة".

في السياق، قالت مصادر مطلعة في الشمال السوري إن هناك توجهاً تركياً لتسليم الشمال السوري كلّه لـ"القوة المشتركة"، بدءاً من منطقة عفرين شمال غربي حلب، ومروراً بمدينة أعزاز، وانتهاءً بمارع والباب. وأشارت المصادر إلى أن المجموعات التي خرجت عن الجبهة الشامية، "اختارت الاصطفاف مع الجانب التركي"، مضيفة أن هذه المجموعات "اعتبرت أن الجبهة الشامية باتت ضعيفة على ضوء معارضتها لأنقرة حيال العديد من الملفات، ومنها ملف التطبيع مع النظام".

وكانت "الجبهة الشامية" أعلنت، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، "تجميد التعاون" مع الحكومة السورية المؤقتة، وطالبت بسحب الثقة منها، وإحالة رئيسها عبد الرحمن مصطفى إلى القضاء لـ"ينال جزاءه العادل"، بسبب "تعمّده الإساءة إلى بعض الجهات الثورية" بشكل يعزّز "رواية الأعداء المُغرضة عنها باتهامها بالتخريب والإرهاب"، وهو ما نُظر إليه على أنه بداية تمرد على القرار التركي في الشمال السوري. ومنذ ذلك الحين، بدأت علاقة "الجبهة الشامية" بالجانب التركي تتراجع، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن أنقرة ربما تتجه إلى حلّ هذا الفصيل إذا ما استمرت في تقاربها مع النظام السوري، كونه سيعرقل التوجه التركي الجديد إزاء التعامل مع الملف السوري.

محمود السايح: الانشقاقات الحالية تدخل في سياقات علاقة الجبهة بهيئة تحرير الشام

خذلان داخلي وخارجي

تعليقاً على ما يجري في "الجبهة الشامية"، رأى الباحث السياسي محمود السايح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حركة الانشقاق "ليست جديدة في فصائل المعارضة السورية"، معرباً عن اعتقاده بأن "الجبهة الشامية ليست فصيلاً مناوئاً لتركيا وليست معارضة له بالمطلق". وأضاف: "كل ما تطرحه الجبهة بخصوص الحكومة المؤقتة والجيش الوطني لا يتجاوز الاقتراحات غير الملزمة". وأشار إلى أن "الانشقاقات الحالية تدخل في سياقات علاقتها (الشامية)، بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، إذ بعد ظهور نمط متغاير من العلاقة بين قيادة الشامية وقيادة تحرير الشام، ازداد توتر الجانب التركي لوجود احتمال تنسيق أكبر بين الكتلتين الأكثر وزناً في الساحة".

إلى ذلك، أوضح الباحث السياسي المواكب للمشهد الفصائلي في شمال سورية، وائل علوان، لـ "العربي الجديد"، أن "الجبهة الشامية تعرضت خلال أشهر عدة لخذلان داخلي وخارجي، بعد محاولاتها تغيير خريطة التوازنات في الشمال السوري". وتابع: "للأسف السردية التي تقدمها الجبهة الشامية، ليست مُقنعة حتى لحاضنتها الاجتماعية، خصوصاً أن هناك حديثاً عن أن التغييرات التي تريدها هي لمصلحة البعض". ورأى أن الجبهة "ما تزال تعيش على سمعتها الماضية في حين أن الواقع مختلف تماماً"، مضيفاً أن "فصيل صقور الشمال الذي استجار بالجبهة يعاني أساساً من مشاكل في بنيته، وهو ما أدخل هذه الجبهة في تحديات مع قوى فاعلة في الشمال، خصوصاً القوة المشتركة ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، فضلاً عن الجانب التركي، وهي تحديات خرجت منها الجبهة بخسائر على مستوى النفوذ والسيطرة"، وفق رأيه.

تأسست "الجبهة الشامية" في عام 2014 من اتحاد مجموعة من أكبر الفصائل المسلحة في حلب، وهي: كتائب نور الدين الزنكي، جيش المجاهدين، الجبهة الإسلامية، تجمّع فاستقم كما أمرت، جبهة الأصالة والتنمية، وصقور الشام. ولـ"الجبهة الشامية" قاعدة شعبية، شمالي سورية، باعتبارها الفصيل الأكثر استقلالية وتمسكاً بمبادئ الثورة السورية، وفي مقدمتها عدم التطبيع مع النظام السوري، وفتح المعابر من أجل إنعاش اقتصاده. وأشارت دراسة بحثية أصدرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، العام الماضي، إلى أن عناصر "الجبهة الشامية" لا يقاتلون "بهدف الحصول على المال"، كذلك فإن مقاتلي "الجبهة" محليون.

يعكس ما يجري في "الجبهة الشامية" وسواها من فصائل المعارضة السورية، مدى التخبط وغياب المرجعية العسكرية الواحدة في الشمال السوري، ما يشير ربما إلى أن تجربة "الجيش الوطني" لم تحقق الهدف الرئيسي منها، وهو القضاء على النزعة الفصائلية والمناطقية التي تعد السبب الأبرز لهذا التخبط، الذي بات السمة الأوضح لمجمل الأوضاع في المناطق الخاضعة لهذه الفصائل.

منذ تأسيسه من قبل الجانب التركي في عام 2017، شارك "الجيش الوطني" في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع عام 2018 ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة، التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني"، والثانية أواخر 2019، حيث ساندت هذه الفصائل الجيش التركي في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي اضطرت إلى الانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفيهما. وحاولت قيادة هذا الجيش أكثر من مرة، إعادة ترتيب أوراقه وإعادة هيكلته وتنظيم فصائله المتعددة ضمن فرق عسكرية، إلا أنها لم تنجح بسبب النزعات الفصائلية المتحكمة في هذا الجيش.