التنكيل بأرياف الضفة الغربية.. "بروفة" تحاكي فرض السيادة الإسرائيلية

25 نوفمبر 2024
فلسطيني على أنقاض منزله الذي هدمه الاحتلال بقرية يتما جنوب نابلس / 14 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت عمليات الاقتحام من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في الريف الفلسطيني بالضفة الغربية، حيث يتم اقتحام القرى ليلاً ورفع العلم الإسرائيلي، مما يثير تساؤلات حول نوايا فرض السيادة الإسرائيلية، خاصة مع تصريحات وزير المالية حول الضم.

- تعاني القرى مثل المغير وبرقة من حصار وعمليات عسكرية، حيث تتحول المنازل لثكنات عسكرية، مما يعطل الحياة اليومية ويثير الرعب بين السكان بسبب التهديدات والاعتداءات.

- يرى المختصون أن هذه الاقتحامات تمثل "بروفة" لفرض واقع جديد، بهدف إرهاب الفلسطينيين وفرض "ردع استباقي"، مما يعكس سياسة ممنهجة لتكريس الهيمنة الإسرائيلية.

منذ أسابيع، تصعد قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الاقتحام والتنكيل في مناطق الريف الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، وهي مناطق مصنفة بحسب اتفاقية أوسلو تحت بند (ب) وتتبع إدارياً للسلطة الفلسطينية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك محاكاة لفرض الضم والسيادة الإسرائيلية التي تحدّث عنها وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.

المئات من جنود الاحتلال الإسرائيلي يقتحمون تحت جنح الظلام وستار من طائرات المراقبة المُسيرة بلدة أو قرية فلسطينية من جهاتها كافة، وينتشرون في شوارعها وأزقتها ويعتلون أسطح بناياتها، ويرفعون العلم الإسرائيلي، في الوقت الذي تبدأ وحدات مدججة بالسلاح بمداهمة المنازل والعبث بمحتوياتها وإجراء تحقيق مع الأهالي يتخلله ضرب مبرح.

يُزجّ بالعشرات من الشبان والرجال في ساحة عامة أو باحة مدرسة البلدة، ويُحقّق معهم أيضاً، ومع بزوغ الفجر تبدأ تلك القوات بالانسحاب تدريجياً، لكنها في مواقع أخرى تمكث ليوم أو يومين، دون اتضاح السبب وراء تلك العمليات العدوانية، ما يترك الناس في حيرة من أمرهم.

هذا السيناريو بات يتكرر مؤخراً في عدد كبير من القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، خاصة تلك الواقعة على مقربة من المستوطنات أو الطرق الالتفافية والخارجية، ما يُفسر على أنه محاولات "ردع استباقي" للفلسطينيين في حال تعرضوا للمستوطنين أو عمد الشبان إلى رشق الحجارة على مركباتهم خلال مرورهم بالقرب من المنطقة، في حين يراه آخرون "تدريبات" لوحدات جديدة في جيش الاحتلال على اقتحام المناطق المأهولة والتعامل مع السكان، بالتزامن مع قرار فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة.

وتشهد قرى أخرى عمليات هدم وتخريب لممتلكات الفلسطينيين، سواء في مناطق مصنفة بأنها (ج) أو (ب) بحسب اتفاقية أوسلو.

حصار وشل للحياة

ومنذ فجر الأحد، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الثاني على التوالي فرض حصار مشدد على قرية المغير شرق مدينة رام الله، وسط مداهمات وعمليات تحقيق ميدانية تسببت بشل الحياة العامة في القرية. وقال الناشط المجتمعي في القرية كاظم الحج محمد، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الاحتلال اقتحمت القرية، فجر الأحد، وأغلقت جميع مداخلها باستثناء مدخل واحد، مما أدى إلى عزلها تماماً عن محيطها.

ويوضح الحج محمد أن قوات الاحتلال دهمت أحد المنازل، وحولته إلى مقر وثكنة عسكرية، لإجراء تحقيقات ميدانية مع الأهالي، في حين نفذت مداهمات لمنازل أخرى، وسط مواجهات مع السكان بين الحين والآخر.

وعلى صعيد الحياة اليومية، يؤكد الحج محمد أن القرية تأثرت بشكل كبير نتيجة الحصار، حيث تعطلت المدارس لليوم الثاني على التوالي، فيما اضطر العديد من الأهالي إلى عدم التوجه لأعمالهم بسبب إغلاق المداخل وانتشار الجنود في المنطقة. ويتذرع الاحتلال بأن سبب الحصار والمداهمات، يرجع لقيام شبان بإضاءة أشعة "ليزر" باتجاه مركبات المستوطنين على الشارع الاستيطاني المحاذي للقرية.

سكان القرية البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف نسمة، يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، وقد تعرضوا مراراً لهجمات ممنهجة من قبل جماعات المستوطنين الإرهابية على مدار السنوات والشهور الماضية، بحكم موقعها القريب من سلسلة بؤر اسيتطانية تشكل مراكز انطلاق للاعتداءات على المزارعين الفلسطينيين وقراهم.

ثكنة عسكرية

قرية "برقة" إلى الشمال من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، تعرضت في 19 الشهر الجاري لعملية عسكرية استمرت لنحو 24 ساعة، وقد نتجت عنها مداهمة ما لا يقل عن خمسين منزلاً، وإخضاع العشرات من الشبان والرجال لتحقيق ميداني، كما تعرض آخرون لإصابات جسدية نتيجة الضرب المبرح خلال التحقيق، ما استدعى نقلهم للمستشفى.

الصورة
الضفة الغربية| أطفال يقفون وسط الدمار في جنين / 21 نوفمبر 2024 (Getty)
أطفال يقفون وسط الدمار الذي خلفته قوات الاحتلال في جنين شمالي الضفة / 21 نوفمبر 2024 (Getty)

يقول الناشط سامي دغلس، أحد سكان القرية، لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى يمكن وصفه بعملية عسكرية مصغرة، فقد تحولت برقة إلى "ثكنة" لجنود الاحتلال الذين انتشروا في أحيائها وشوارعها كافة، وسيطروا على بعض البنايات، كما قطعوا الطريق عليها وحالوا دون دخول أو خروج أحد منها، لافتاً إلى أن فرقاً مكونة من 7 إلى 10 جنود، كانت تقتحم البيوت تباعاً، وتخرب الأثاث بحجة التفتيش وتعتدي جسدياً ولفظياً على السكان، وسط حالة من الرعب بين الأهالي.

ويؤكد دغلس أن ما يفعله الاحتلال يندرج ضمن سياسات ممنهجة تهدف إلى تكريس حالة من الردع والإرهاب النفسي ضد الفلسطينيين. وهو ما ظهر من خلال التهديد والوعيد الذي كان يوجهه الضباط للآباء والمعلمين من أن إقدام أبنائهم أو تلاميذهم على رشق آليات الاحتلال أو سيارات المستوطنين خلال مرورها بالقرب من القرية بالحجارة، سيكون عقابه عسيراً، على حد تعبيرهم.

ترسيخ واقع جديد

ويعتقد دغلس أن الاحتلال يسعى من خلال هذه الاقتحامات إلى ترسيخ واقع جديد، يتمثل في جعل الفلسطيني يعيش تحت تهديد دائم، إذ يقوم الجيش الإسرائيلي بتحويل منازل الفلسطينيين إلى ثكنات عسكرية، ويقيد حرياتهم، ويشل حركة القرى والمدن بالكامل.

ويشير دغلس إلى أن كثرة الاقتحامات اليومية تهدف إلى خلق صورة ذهنية لدى الفلسطينيين بأن الاحتلال حاضر في كل لحظة وفي أي مكان، سواء في المنازل أو الشوارع أو حتى المساجد والمدارس، قائلاً: "وصلنا إلى مرحلة من كثرة الاقتحامات بات الفلسطيني لا يكترث بها وكأنها جزء من حياته اليومية".

الصورة
فلسطيني تعرض للتعذيب خلال اقتحام الاحتلال قرية برقة في نابلس شمالي الضفة (الناشط سامي دغلس)

ويرى دغلس أن هذه السياسة لها تأثير عميق على نفسية الفلسطينيين، إذ أصبحت أولى خطواتهم عند الاستيقاظ من النوم هي التحقق من الأخبار المتعلقة بالاقتحامات والاعتقالات، ويقول: "باتت هذه الاقتحامات جزءاً من روتيننا اليومي الذي فرضه الاحتلال علينا".

رعب حقيقي

ومن شمال نابلس إلى جنوبها، عاشت قرية مادما يومين من الرعب الحقيقي، بعد أن اجتاحتها قوات الاحتلال في 21 الشهر الجاري، وفرضت إغلاقاً تاماً عليها وفرضت حظر التجوال، ومنعت السكان من الخروج من بيوتهم.

يقول رئيس مجلس القرية عبد الله زيادة لـ"العربي الجديد" إن المواطنين أفاقوا على اقتحام أكثر من 300 جندي مشاة، واعتلائهم أسطح المنازل مع قناصة، رافعين علم دولة الاحتلال على الأبنية.

ويوضح زيادة أن الاحتلال داهم أكثر من 80% من منازل القرية وعبث فيها وحول بعضها إلى ثكنات عسكرية ومراكز لعمليات تحقيق تتضمّن تفتيشاً للهواتف المحمولة. وقال سكان لـ"العربي الجديد" إن قوات الاحتلال كانت تقتاد كل من تجد في هاتفه تطبيق "تليغرام" لمركز تحقيق ميداني. وهذا الإجراء الأخير عمدت قوات الاحتلال إلى استخدامه في الضفة الغربية على نطاق واسع، في ظل حالة السعار التي أصابت جنود جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ باتت حيازة التطبيق الإخباري أشبه بتهمة، وكثيراً ما تعرض الفلسطينيون لعمليات تعذيب بسبب العثور على التطبيق في هواتفهم، لاعتقاد الجنود بأن الفلسطينيين تابعوا الصور الأولى لعملية المقاومة في 7 أكتوبر من خلاله.

ويشير زيادة إلى أن قوات الاحتلال كانت قد وزعت منشورات تهدد المواطنين بشكل مباشر، كما تعرض آخرون إلى تهديد شفهي مباشر. ويؤكد أن الاحتلال يتعمد سياسية الترهيب والتدمير والتخريب وبث الرعب في قلوب الصغار قبل الكبار، وذلك من أجل إرضاء مستوطني مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي قرى جنوب نابلس، وتأمين هجماتهم على القرى والبلدات الفلسطينية.

بروفة المرحلة المقبلة في الضفة

يقول المختص في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس إن ما يجري في أرياف الضفة يشكل "بروفة" للمرحلة المقبلة، خاصة مع قرار وزير مالية حكومة الاحتلال بتسلئيل سموترتيش بضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. ويرى المختص أن "التطبيق العملي للقرار بدأ عبر فرض أمر واقع جديد، بحيث يبقى جنود الاحتلال بشكل دائم في المناطق السكنية".

ويضيف: "لا شك في أن الاحتلال يسعى لإرهاب الناس وتخويفهم، وإرسال رسالة لهم أننا قادرون على اقتحام أي منطقة وملاحقة أي مقاوم في كل مكان، ويريد الاحتلال فرض (ردع استباقي)، وتحذير الفلسطينيين من مجرد التفكير بمقارعة الجنود أو المستوطنين، والتعرض لهم خلال مرورهم بالقرب من المناطق الفلسطينية".

ويشير أبو العدس إلى أن هذه الاقتحامات ليست رد فعل بسيطاً على أحداث فردية، مثل رشق الحجارة على المستوطنين أو قوات الاحتلال، بل هي سياسة مقصودة تهدف إلى إيصال رسالة للمجتمع الفلسطيني، سواء في القرى الريفية أو المناطق المدنية، مفادها بأن حياة المستوطن الإسرائيلي أكثر أهمية من الفلسطيني بكل المقاييس. ويوضح أن الاحتلال يهدف إلى جعل هذه الانتهاكات تبدو وكأنها روتين يومي، حيث يتعمد الجيش أحياناً تنفيذ اقتحامات دون هدف واضح، مكتفياً بإظهار وجوده المستمر لفرض الهيمنة على الحياة اليومية للفلسطينيين.

المساهمون