اتفق طرفا القتال في السودان؛ الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت متأخر من مساء الاثنين، على تمديد اتفاق الهدنة مدة 5 أيام أخرى، دون ترحيب كبير بالخطوة، تخوفاً من تجارب سابقة بعدم الالتزام.
جاء التوقيع، خلال مفاوضات جدة السعودية، أمس الاثنين، وبوساطة سعودية أميركية، نجحت في دفع الطرفين نحو التوقيع على الاتفاق الأساسي لوقف إطلاق النار في العشرين من الشهر الجاري، بغرض حماية المدنيين وتمرير المساعدات الإنسانية للمتضررين.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في الثاني والعشرين، وانتهت مدته، الأحد الماضي، فيما لم يتوقف إطلاق النار بشكل نهائي خلال تلك الفترة، واستمرت خروقات الطرفين له بشهادة الوسطاء أنفسهم.
واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، في 5 إبريل/ نيسان الماضي، على خلفية خلافات حول تفاصيل دمج "الدعم السريع" في الجيش، وتسببت بمقتل نحو ألف من المدنيين وجرح الآلاف ونزوح ولجوء ما يقارب المليون عن العاصمة الخرطوم، فيما تتواصل معاناة سكان العاصمة من عمليات السلب والنهب وضعف الخدمات الأساسية، ودخول قوات الدعم السريع لمنازلهم والإقامة فيها.
واتفق الطرفان، مساء أمس الاثنين، على استمرار النقاش بينهما لإجراء تعديلات على الاتفاق الأساسي، بما يضمن تجنب وقوع الجانبين في خروقات تعرقل الهدنة.
وذكر بيان سعودي أميركي مشترك، أنّ التمديد يأتي بغرض إجراء الترتيبات الإنسانية لإتاحة مزيد من الوقت للجهات الإنسانية للقيام بعملها الحيوي، مشيراً إلى أنّ الطرفين أكدا عزمهما استخدام التمديد لمدة خمسة أيام لتنفيذ أحكام وقف إطلاق النار الأول التي لم تتحقق بالكامل، بما في ذلك تسليم مزيد من المساعدات الإنسانية، وتسهيل إصلاح الخدمات الأساسية، وإخلاء الجهات المسلحة من المستشفيات.
وعبرت واشنطن والرياض عن إدانتهما لاستمرار الضربات الجوية والهجمات والتحركات المحظورة. وحثتا الطرفين على احترام التزاماتهما بالامتناع عن تلك الأعمال خلال فترة التمديد.
وأوضح البيان أنّ الطرفين اتفقا على مناقشة وقف إطلاق نار طويل الأمد قد يستلزم إخلاء القوات من المناطق الحضرية، بما في ذلك منازل المدنيين، وإزالة مزيد من العوائق أمام حرية تنقل المدنيين والمساعدات الإنسانية، وتمكين الموظفين الحكوميين من استئناف واجباتهم المعتادة.
البرهان: موافقتنا على تمديد الهدنة جاءت بغرض تسهيل تقديم الخدمات للمواطنين
في غضون ذلك، قال قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تعليقاً على تمديد الهدنة، إن الجيش وافق على تمديد الهدنة الجديدة، بغرض تسهيل انسياب الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم "تعديات المتمردين الذين نهبوا ممتلكاتهم، وانتهكوا حرماتهم وعذبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير"، على حد قوله.
وأشاد البرهان، أثناء تفقده القوات ببعض المواقع، بوقفة الشعب السوداني بـ"كامله" خلف جيشه، بالرغم من المعاناة التي يعيشها منذ ما يقارب الشهرين، مشيراً إلى أن القوات المسلحة تخوض هذه المعركة نيابة عن شعبها. فيما أكد أن القوات المسلحة لم تستخدم بعد "كامل قوتها المميتة، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصاع العدو أو يستجيب لصوت العقل".
وذكر البرهان أن جميع المناطق العسكرية والفرق لا تزال محتفظة بكامل قواتها، بعد أن بسطت سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، ودعا إلى عدم الالتفات إلى ما يبثه "إعلام المليشيا المتمردة"، ساخراً من ادعاءاتهم بأن حربهم هذه ضد النظام السابق.
وأكد أن "القوات المسلحة ستظل مستعدة للقتال حتى النصر، وأن المتمردين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد، مؤكداً أن النصر قريب لا محالة".
أهالي الخرطوم يتمسكون بالبقاء في منازلهم
رغم ذلك، لا يثق السكان المتمسكون بالبقاء بمنازلهم في الخرطوم تحت القصف الجوي والأرضي في الطرفين للإيفاء بتعهداتهما بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، ويقول عماد الزين (50 عاماً) الذي يقيم بمنطقة صالحة بمدينة أم درمان، غرب الخرطوم، إنّ أخبار توقيع الطرفين على أي هدنة لم تعد هي الأخبار التي تبعث الطمأنينة في نفوسهم، استناداً إلى تجربة آخر هدنة اشتد فيها القتال في منطقتهم وبقية أحياء العاصمة واستمر مع ذلك في تشريد الأهالي وزيادة الأوضاع سوءاً.
وبحسب ما أشار إليه خلال حديث مع "العربي الجديد"، فإنّ الوساطة السعودية التي تكفلت بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار لم تفعل شيئاً الأسبوع الماضي حيال خروقات الطرفين سواء تلك الخاصة بانتشار "الدعم السريع" وسيطرتها على المنازل والمستشفيات، أو الخرق الخاص بقصف طيران الجيش الذي يتضرر منه السكان.
أحزاب ترحب بالهدنة وتعرب عن آمالها بنجاحها
على الصعيد السياسي، بادرت أحزاب وتحالفات سياسية بإصدار بيانات ترحيبية آخرها صدر عن حزب التجمع الاتحادي، وناشد فيها طرفي الوساطة المزيد من الفعالية في مراقبة الهدنة المؤقتة، وعبر عن أمله في تكلل جهودهما بالنجاح في تطويرها لوقف دائم لإطلاق النار.
وشدد على أهمية الالتزام الصارم ببنود الاتفاقية حتى تؤدي الهدف المرجو منها بإيصال المساعدات الإنسانية ولتمكين فرق الغوث الإنساني من الوصول إلى المناطق المحتاجة بالعاصمة والولايات المتضررة من الصراع العسكري. كما ناشد الحزب كافة القطاعات السودانية والقيادات الاجتماعية والدينية والفاعلين بالمجتمع المدني تكثيف الدعوة لتحكيم صوت العقل والحكمة والابتعاد عن الاصطفاف للحرب والعمل على مساندة ودعم كل المبادرات الإنسانية التي تعمل من أجل الوصول للمتضررين من آثار الحرب وإغاثتهم.
هدنة لتعبيد الطريق أمام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار
من جانبه، يرى الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد أمين مجذوب، أنّ الوسطاء يهدفون من الهدنتين السابقة والحالية إلى "زرع بذور الثقة بين طرفي النزاع"، مشيراً إلى احتمالية وقوع انتهاكات للهدنة الجدية كما حدث في السابق، إلا أنه أكد أنّ الهدف المرجو من الهدنة هو تعبيد الطريق للوصول لاتفاق وقف إطلاق نار دائم، وتحقيق السلام من خلال تفاوض حول الأسباب العسكرية والسياسية للحرب.
وبحسب ما قاله مجذوب خلال حديث مع "العربي الجديد"، فإنه حال نجح الوسطاء السعوديون والأميركيون في زرع الثقة والاطمئنان سيكون من السهل الوصول للوقف الدائم للنار ولاتفاق سلام دائم في السودان، مذكّراً بأنّ "التجارب العالمية والإقليمية بما في ذلك الحرب العالمية الثانية والحرب الأخيرة في إثيوبيا وليبيا واليمن لم تنته إلا عبر التفاوض.. الحرب في السودان نفسها لا مجال فيها إلا لحل سياسي تفاوضي ولا مكان للحسم العسكري، بالتالي لا مجال لتعنت أي من الطرفين لن يحل أي أزمة"، حسب تقديره.
بدوره، قال الخبير الاستراتيجي عصام دكين، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الجيد قبول الجيش السوداني بالهدنة وتمديدها بناء على تدخل المجتمع الدولي لأن السودان لا يعيش في جزيرة معزولة"، مشيراً إلى أنّ الهدف الأساسي للهدنة هو الدواعي الإنسانية، إلا أنه في ذات الوقت أكد عدم وجود أي تحرك لمساعدة العالقين في منازلهم في ولاية الخرطوم الذين تحيط بهم قوات "الدعم السريع".
كما أكد عدم وجود أي مساعدات إنسانية للسكان الذين تقطعت ببعضهم السبل بفعل توقف رواتبهم وتوقُف آخرين عن العمل، مضيفًا: "نحن لم نر شيئاً حتى الآن يقدم لمواطني ولاية الخرطوم ولم نتابع منظمة أو مؤسسة تقدم إغاثة للصامدين من السكان الذين لم تسعفهم ظروفهم المادية للمغادرة".
ويضيف دكين، أنّ العاصمة الخرطوم تعاني من شح الغذاء والدواء وارتفاع تكاليفهما دون أن تبادر أي جهة بإيصال المساعدات لسكان ولاية الخرطوم، متسائلاً "أين الهلال الأحمر والصليب الأحمر، وبرنامج الغذاء العالمي، والمؤسسات الخيرية والإنسانية وأصدقاء السودان؟".