يهدد الاتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند، والذي أعلن أمس الاثنين، وتحصل عبره الأولى على منفذ بحري مقابل اعترافها بصوماليلاند دولة مستقلة، بتفجير أزمة بين إثيوبيا والصومال، خصوصاً مع تأكيد الأخيرة عزمها على الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الاثنين، عبر منصة "إكس"، أن الاتفاق بين بلاده وصوماليلاند، "سيفتح الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا بضمان وصولها إلى البحر وتنويع منافذها إلى الموانئ البحرية"، وهو يمنح إثيوبيا حصّة لم يحدد حجمها من ميناء بربرة على البحر الأحمر. بدورها، أعلنت وزارة خارجية صوماليلاند، في بيان، أن "هذا الاتفاق التاريخي يضمن وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر لقواتها البحرية مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية صوماليلاند، ما يشكل محطة دبلوماسية مهمة لبلدنا".
ويقع مرفأ بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس. وأوضح مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، رضوان حسين، أمس، أن الاتفاق يمكّن إثيوبيا أيضاً من استخدام قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.
رداً على ذلك، استدعت الصومال سفيرها في إثيوبيا عبد الله محمد ورفا، للتشاور، مهددة بخطوات أكبر.
الصومال تردّ على اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند
واعتبر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، هذه الخطوة، دوراناً في الحلقة المفرغة ولا تغير شيئاً من الواقع، داعياً الحكومة الإثيوبية إلى اللجوء إلى المسارات الدبلوماسية لتحقيق مصالح شعبها. وحذّر من أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى صعود "التيار الإرهابي"، في إشارته لحركة "الشباب"، حيث إنها قد تتسبب في وقف الجهود المشتركة ضد "الشباب"، ما يعطيها فرصة لاستعادة نفوذها واستقطاب مقاتلين جدد. كما أكد الرئيس الصومالي خلال كلمته أمام البرلمان، تعليقاً على هذه الاتفاقية، أن هذه الاتفاقية لن تجد طريقها للتنفيذ، داعياً إثيوبيا للتخلي عن هذه الخطوة، والحرص على التعايش السلمي بين البلدين.
حذّر الرئيس الصومالي من أن تؤدي الاتفاقية إلى صعود "التيار الإرهابي" في إشارته لحركة "الشباب"
من جهته، قال رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، في كلمة مسجلة له، نشرت على صفحة مكتب الحكومة بموقع "فيسبوك"، إن "الحكومة الصومالية "عازمة على الدفاع عن الوطن ولا أحد يستطيع أن ينتهك شبراً واحداً من أراضينا". وأضاف: "سندافع عن أرضنا من خلال جميع المسارات بالتعاون مع الشعب الصومالي، كما دافعنا سابقاً"، داعياً الشعب "للوحدة والوقوف على مسافة واحدة ضد كل من يطمع بسيادتنا".
وصوّت البرلمان الصومالي بمجلسيه الشعب والشيوخ، بالإجماع، على إلغاء الاتفاقية التي أبرمتها إثيوبيا مع صوماليلاند، معتبراً إياها بحكم غير القانونية.
كما أعلنت الحكومة الصومالية أن مذكرة التفاهم "انتهاك سافر لسيادة الصومال". وقالت في بيان بعد اجتماع لها إن ما أطلقه الطرفان (إثيوبيا وصوماليلاند) بمذكرة التفاهم مخالف لقواعد القانون الدولي، واصفة الخطوة بـ"التعدي السافر على السيادة الصومالية". وأضاف البيان، أن صوماليلاند "مجرد إقليم من الصومال لا يحظى بشرعية قانونية تسمح له بتوقيع مثل هذ الاتفاقيات"، داعية إثيوبيا إلى احترام حسن الجوار والتعاون المشترك. وأشار البيان إلى أن الصومال "معتمدة على قوة شعبها ومسؤولة بالدفاع عن سيادتها شعباً وأرضاً، وستتخذ كل الإجراءات التي تمكّنها من تحقيق ذلك".
ويرى محللون أن مذكرة التفاهم التي توصلت إليها إثيوبيا وصوماليلاند، في أديس أبابا، تعني اختيار إثيوبيا المواجهة للحصول على منفذ بحري لها على حساب الصومال، ما قد ينذر بتداعيات أمنية خطيرة تهدد أمن واستقرار المنطقة. ووفق متابعين، فإن ارتدادات هذه الاتفاقية لا تقتصر على جغرافية الصومال، وإنما ستخلق توجساً أمنياً لدول الجوار والمنطقة، خصوصاً إريتريا وجيبوتي والصومال المجاورة لإثيوبيا، ما يؤثر سلباً في استقرار المنطقة والجهود الأمنية المشتركة لدحر الإرهاب الذي يهدد أمن المنطقة برمتها.
أهمية الاتفاق لكلا الطرفين
ويشكل الاتفاق الذي أبرم بين إثيوبيا وصوماليلاند أهمية كبيرة للطرفين، حيث يخدم مصالحهما الجيوسياسية والاستراتيجية، بناء على مساعيهما المختلفة، رغم وجود مطبات كثيرة لتنفيذه.
وقال المحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات، أويس معلم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه الاتفاقية لم تأت بمحض الصدفة وإنما نتاج تلاقي مصالح الطرفين في هذا التوقيت، وتتويجاً لتصريحات أبي أحمد الذي اعتبر مسألة الحصول على موقع بحري ضرورة وجودية لإثيوبيا. وأضاف أن ضمان إثيوبيا الحصول على منفذ بحري في البحر الأحمر سيحقق لها مصالح كبيرة في النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في ظل التنافس الدولي على ممرات بحر الأحمر، وتحسباً لأي تحولات محتملة في المنطقة.
أويس معلم: إثيوبيا تحاول من خلال المذكرة إعادة دورها الحيوي في المنطقة، وإيجاد منفذ بحري لها
وأضاف معلم أن إثيوبيا تحاول من خلال هذه المذكرة إعادة دورها الحيوي في المنطقة، فهي تمكّن من إيجاد منفذ بحري لها، وإعادة اعتبارها أمام الدول العظمى للمشاركة في التحالفات التي تتشكل في المنطقة، خصوصاً تحالفات البحر الأحمر، كما تساهم هذه الخطوة في إخماد الصراعات المحلية، ولو قليلاً، والتوجه إلى سبل الخروج من قائمة الدولة الحبيسة عالمياً.
أما عسكرياً، فوفق معلم، "تتيح هذه الاتفاقية لإثيوبيا تأسيس قاعدة عسكرية بحرية في ميناء بربرة لحفظ أمنها القومي، ولتوسيع مساهماتها الأمنية والتحول إلى دولة غير حبيسة تتهيأ لكل ما من شأنه إعادة تشكّل التحالفات في المنطقة والبحر الأحمر".
وفي الشق الاقتصادي، قال معلم إنه بموجب هذه الاتفاقية تسعى إثيوبيا لتنوع الموانئ التي تستخدمها في استيراد البضائع وتقليل المسافة لنقل البضائع، عبر الاستفادة من ميناء بربرة في صوماليلاند، ما يخفف رسوم ميناء جيبوتي، إلى جانب قدرتها على ربط اقتصادها بالاقتصاد العالمي بشكل مباشر.
وبالنسبة لصوماليلاند، قال معلم إن القضية الجوهرية بالنسبة لها هي الحصول على الاعتراف، وترى أن هذه الاتفاقية بوابة لتحقيق ما تسعى إليه منذ عقود، إلى جانب تدويل قضية الانفصال وإعادتها إلى الواجهة من جديد وكسب الشارع، في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية للولاية. أما في الجانب الاقتصادي، ستتمكن صوماليلاند من الحصول على رسوم على جزء من البضائع التي سيجري استيرادها عبر موانئها، ما قد ينعش اقتصادها الهش، إلى جانب حصولها أيضاً على أسهم من شركات التطوير الإثيوبية بما فيها الخطوط الإثيوبية.
وأضاف المحلل السياسي أن صوماليلاند تسعى لتحقيق تفوق عسكري يمكّنها من تأمين حدودها الجغرافية من خلال التعاون الأمني المشترك مع إثيوبيا، وخصوصاً بعد اندلاع صراعات محلية في بعض أقاليمها كإقليم سول.
تحديات وعوائق أمام تنفيذ الاتفاقية
ورغم وصف إثيوبيا وصوماليلاند الاتفاق بالتاريخي وأنه يفتح آفاقاً جديدة لشعبيهما، فإن كثيرين يشككون بمدى فاعليته على أرض الواقع، بسبب غياب أرضية قانونية، إلى جانب وجود مطبات كثيرة قد تحول دون تنفيذه.
وفي هذا الصدد، قال النائب السابق بالبرلمان الصومالي وعضو برلمان الجامعة العربية، محمد عمر طلحة، لـ"العربي الجديد"، إن توقيع المذكرة قد يعتبر خطوة متهورة من قبل الجانب الإثيوبي، خصوصاً في هذا التوقيت الذي تشتعل فيه الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، متحدثاً عن احتمالات ثلاثة قد تحول دون تنفيذ هذه الاتفاقية.
وبحسب طلحة، فإن الاحتمال الأول غياب الأرضية القانونية للموقعين على المذكرة، إذ لا تحظى صوماليلاند بشرعية قانونية تمكنها من دخول مثل هذه الاتفاقيات، كونها جزءاً من الصومال، بحسب القانون الدولي، كما أن تجاهل إثيوبيا الطرق الدبلوماسية في هذه الاتفاقية يجعلها، وفق القانون الدولي، دولة معتدية على سيادة دولة أخرى.
تغيب الأرضية القانونية للموقعين على المذكرة وترفضها الحكومة الصومالية
وأضاف طلحة أن الاحتمال الثاني هو رفض الحكومة الصومالية، كونها الجهة المسؤولة عن سيادة البلاد، وهذا يؤثر سلباً على هذه الاتفاقية، وسبق أن نجحت الصومال في إبطال اتفاقيات مشبوهة أبرمتها صوماليلاند مع دول أخرى وشركات أجنبية، عبر لجوئها إلى المؤسسات الدولية المعنية، إلى جانب وجود رفض للشارع في صوماليلاند لهذه الخطوة، إذ أبدت الأحزاب السياسية في صوماليلاند رفضها القاطع هذه الخطوة، بسبب انتهاء شرعية رئيس الولاية موسي بيحي عبدي الدستورية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
أما الاحتمال الثالث، وفق طلحة، فهو امتناع دولي عن الاعتراف بالاتفاق خوفاً من تفجر صراع، فهذه الاتفاقية ستخلق توجساً أمنياً كبيراً بين دول المنطقة، خصوصاً الدول المجاورة لإثيوبيا، لا سيما جيبوتي وإريتريا اللتين تعارضان بشدة فكرة حصول إثيوبيا على منفذ بحري، الأمر الذي قد يؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى فخ الصراعات، فيما دول العالم، ولا سيما الولايات المتحدة، لا ترغب في فتح جبهات صراع جديدة، وفق رأيه.
العلاقات بين الصومال وإثيوبيا
اتسمت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا بالتحسن والتعاون منذ وصول أبي أحمد إلى رئاسة الوزراء في أديس أبابا عام 2018 بعد سنوات كانت تتميز بالفتور، نتيجة اتهامات لإثيوبيا بالتدخل في الشؤون الصومالية منذ انهيار الحكومة المركزية في عام 1991.
ارتقاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ساهم بتوسيع رقعة التعاون المشترك بين البلدين، لدرجة أنهما شكّلا تحالفات أمنية وسياسية واقتصادية، كان آخرها تجديد الاتفاق العسكري بين الجانبين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لكن المحلل في مركز آفاق للإعلام، محمد عثمان، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن توقيع إثيوبيا على هذه المذكرة من أجل الحصول على بوابة بحرية ينذر بأزمة وفتور في العلاقات، خصوصاً بعد استدعاء الصومال سفيرها في إثيوبيا للتشاور.
وأضاف عثمان أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مهددة بالتوتر، إذا تمسكت إثيوبيا بموقفها من الاتفاقية، الأمر الذي قد يدفع الصومال إلى اتخاذ قرار أكثر صرامة خلال الأيام المقبلة، كطرد السفير الإثيوبي في بلادها. وأشار إلى أن تدهور العلاقات بين البلدين قد تطاول تداعياته جميع مجالات التعاون، مثل الخطوط الجوية الإثيوبية التي تسيّر رحلات من وإلى الصومال، وقد تشمل أيضاً الجانب الأمني، حيث من الممكن مطالبة الصومال بإعادة النظر بدور القوات الإثيوبية في مظلة "أتميس" (بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال – حفظ سلام) ما قد يخفف دور الأخيرة في الملف الأمني الصومالي.