لم يرافق رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، في زيارته إلى الولايات المتحدة أيّ من وزرائه، في إشارة قوية منه إلى أن التعديل الوزاري المرتقب قد يشمل أي حقيبة من الحقائب الوزارية.
وعلى الرغم من أن الملفات التي حملها الشاهد معه إلى واشنطن هي ملفات مهمة تتضمن الأمن والاقتصاد والعلاقة مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه فضّل الاستعانة بمستشاريه وليس الوزراء، مؤكداً أنه كرئيس فريق يسيطر على كل هذه الملفات، حتى لا يمنح أي وزير أحقية البقاء في التشكيل المقبل قبل إجرائه، إذا اختاره عن غيره لهذه الزيارة.
وتسيطر أجواء التعديل على المشهد التونسي هذه الأيام، فيما بدأت تبرز بعض المواقف السياسية إلى العلن، بعد تداولها سرّاً لفترة طويلة، ما يعني بلوغ المنعطف الأخير قبل تشكيل مشهد جديد. ويُنتظر أن يحدّد التشكيل الحكومي المقبل ملامح الائتلاف الحكومي الجديد وصورة المعارضة لغاية الانتخابات المقبلة في 2019. كما أن التعديل سيحدد مستقبل رئيس الحكومة نفسه في ما تبقى من ولايته وما بعدها.
ويبدو أن الشاهد قد أطلق مشاوراته مع بعض الأطراف السياسية والاجتماعية منذ فترة، خصوصاً مع الحليف القوي، الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويسيطر التفاهم بين الطرفين بشكل واضح، بدل الأزمات التي طبعت علاقة النقابة بالحكومات السابقة. وأعاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، التأكيد أخيراً، على "ضرورة إجراء تحوير (تعديل) وزاري في حكومة يوسف الشاهد". ورأى الطبوبي، في حوار مع إذاعة شمس، أن الحكومة في أمسّ الحاجة إلى تغيير في بعض المواقع الهامة، مشيراً إلى أن الوزارات المعنية بالتحوير هي "الوزارات الحساسة التي لها علاقة بالمسائل الخدماتية اليومية وفي علاقة باستشراف مستقبل البلاد".
ويعكس حديث الطبوبي إشارة واضحة إلى أن الوزارات الخدماتية، الصحة والنقل والتعليم وغيرها، ستكون على رأس هذه التعديلات الوزارية، بالإضافة إلى المالية التي يسيّرها إلى حد الآن وزير بالنيابة.
غير أن السؤال الأهم في هذا التعديل ليس تقنياً، بمعنى البحث عن شخصية ذات كفاءة قادرة على إدارة وزارة ولديها خبرة في ذلك، وإنما هو بالأساس سياسي، أي يتعلق بطبيعة التحالفات التي سيبني عليها الشاهد خياراته، نظراً لاحتمال كونه الخيار الأخير قبل 2019 الذي قد يحمله إلى أبعد من منصبه الوزاري أو يشكّل عقبة أمامه. وينتظر الغاضبون من أداء الشاهد سقوطه، ويعتبرون أن ما تبقى لغاية ذلك الموعد يمثّل مدة زمنية كافية لإسقاطه.
ويعرِف الشاهد أنه لا يمكنه السير وحيداً في هذا الطريق، كما حاول سلفه الحبيب الصيد، وفشل، إذ عليه أولاً أن يرضي الرجل الذي أتى به قصر القصبة، أي الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي يملك كل خيوط لعبة التحالفات في يده، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة إرضاء شق من حزب نداء تونس، الذي يقوده نجل الرئيس، حافظ قائد السبسي.
لكن هذا الأمر صعب حالياً، إذ تعطلت لغة الكلام بين الرجلين، وأصبح السبسي الابن يبعث بالرسائل السياسية المهمة عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، وآخرها تأكيده، أن رأي حزبه "حول تصورات الأحزاب السياسية تجاه التحوير الوزاري الممكن... هو اقتراح كل ما من شأنه دعم الاستقرار السياسي المطلوب لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة في البلاد". وأضاف "بناءً على كل ما تقدم، لا نخفي في نداء تونس مواقفنا الصريحة والواضحة في المشاركة ضمن أي تشكيل حكومي قادم بجانب أي طرف أساء لنداء تونس ومارس في حقه التجني والاتهامات المسيئة لا لشيء سوى أن هذا الأمر يتناقض مع الوحدة والانسجام المطلوبين بين كل مكونات الحكومة"، معتبراً ذلك "قلة احترام وسقوطاً أخلاقياً لا نرتضيه لمجمل المشهد السياسي في بلادنا وليس فقط في علاقتنا مع هذا الطرف السياسي أو ذاك...".
وعلى الرغم من أن نجل السبسي لم يسمّ هذه الأطراف التي تتجنى على حزبه، إلا أن الجميع فهم أن المقصود في المقام الأول هو حزب آفاق تونس الذي يقوده ياسين إبراهيم، وربما يشمل أيضاً بعض الوزراء في الحكومة، الذين سبق لـ"النداء" أن عبّر عن رفضه لبقائهم.
وتضع هذه التحفظات مزيداً من الضغط على الشاهد في معادلاته التي سيبني عليها التعديل، بالإضافة إلى تجدد إمكانية عودة الاتحاد الوطني الحر إلى الائتلاف، بعدما ذاق مرارة المعارضة، ووُضع رئيسه سليم الرياحي تحت المجهر وصودرت أمواله الموجودة في تونس، فاجتمعت كتلته مع ممثلين عن "النداء" و"النهضة"، ما فهم منه أن الرياحي فهم الدرس جيداً.