خرجت إلى العلن، أول من أمس الخميس، الأسماء التي شملها التعديل الوزاري "الطفيف" في فرنسا، لحكومة إليزابيث بورن، في مرحلة ترتيب الرئاسة الفرنسية لأوراقها ما بعد الاحتجاجات النقابية ضد إصلاح قانون نظام التقاعد، الذي مرّرته الحكومة في إبريل/نيسان الماضي من دون تصويت البرلمان، ثم احتجاجات الضواحي بعد مقتل الشاب نائل المرزوقي برصاص شرطي لمخالفة مرور أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي.
ولم يشمل التعديل الوزاري الذي خرج أولاً بتسريبات وإعلانات إعلامية، ما اعتبرته المعارضة "غير مهني وغير لائق"، الحقائب الوازنة مثل الدفاع والخارجية والمالية والداخلية، لكنه حمل رسالة واضحة بمغادرة وزراء في حكومة بورن الأولى التي أبصرت النور في مايو/أيار العام الماضي، كانوا قدموا من عالم المجتمع المدني، لتحل مكانهم أسماء "سياسية"، مقربة في معظمها من الرئيس إيمانويل ماكرون في حكومة بورن الثالثة.
لم تتضمن الأسماء الجديدة شخصيات من حزب الجمهوريين
ويفترض أن ينهي التعديل الوزاري في فرنسا، أسابيع من التوتر بين ماكرون ورئيسة حكومته، التي قالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أمس، إنها كانت تفضل تعديلاً وزارياً موسعاً، بينما ظلّ ماكرون مصمماً على بعض "التعديلات".
ماكرون يتخلى عن باب ندياي
وبموجب التعديل الوزاري، يغادر الأكاديمي والمؤرخ والخبير في التاريخ الاستعماري والعلاقات العرقية، باب ندياي، وزارة التربية، ليخلفه غابريال أتال، المتحدث السابق باسم الحكومة الفرنسية، ثم الوزير المنتدب لشؤون الحسابات العامة. وأتال نائب عن حزب "النهضة" (حزب ماكرون)، منذ عام 2017، وكان من الأوائل الذين ساندوا ماكرون في حملته الرئاسية الأولى، وشغل منصب المتحدث باسم حكومة جان كاستكس، وتصدر شاشات التلفزة كمدافع عن الحكومة في عز أزمة كوفيد، كما واجه عاصفة الاحتجاجات النقابية ضد إصلاح نظام التقاعد، لا سيما خلال عمله كوزير منتدب لشؤون الحسابات العامة، أي أنه عمل مباشرة مع وزير المالية برونو لومير.
في المقابل، ورغم تحمسه لتسميته العام الماضي، يتخلّى ماكرون عن باب ندياي، الشخصية المثقفة، والقادمة من اليسار، في ظلّ رغبته بحسب متابعين ببقاء إدارته لملف التربية، ما جعل ولاية ندياي القصيرة تمنى بالفشل الذريع ويتعرض هو شخصياً لانتقادات لاذعة ومتواصلة من اليمين واليمين المتطرف الفرنسي. وسيكون على أتال، استخدام فنّ التفاوض جيداً لاستعادة ثقة نقابات قطاع التعليم والتي تضرّرت مع السلطة بعد الإعلان عن "ميثاق المعلّم" الذي قاده ندياي والذي يتضمن خصوصاً زيادة رواتب المعلمين مقابل القيام بـ"مهام إضافية".
وأعرب جيروم فورنييه، السكرتير العام لـ"نقابة المعلمين – أونسا"، وهي ثاني أهم نقابة للمدرسين في القطاع العام في فرنسا، في حديث لموقع إذاعة "فرانس إنفو"، أمس، عن أمله في أن يتمكن أتال من التأثير على ماكرون و"إخباره بأن بعض الخيارات ليست صائبة"، نظراً لأن "الرئيس يدير أذنه له".
في المقابل، يخشى آخرون أن يكون وصول أتال إلى الوزارة، رسالة تشدد من ماكرون، نظراً لأن أتال كان عمل كوزير دولة بين العامين 2018 و2020، إلى جانب وزير التربية الأسبق اليميني، جان ميشال بلانكيه، الذي يعتبر عرّاب الإصلاحات التربوية المثيرة للجدل والتي يتبناها ماكرون. وسيخلف أتال كوزير منتدب للموازنة، توماس كازنوف، النائب والمساعد السابق لماكرون حين كان وزيراً للمالية في عهد فرانسوا هولاند.
نجوم صاعدة في حزب ماكرون
تبديل ندياي وتنصيب أتال، النجم الصاعد للماكرونية، بحسب تعبير صحيفة "لوموند" أمس الجمعة، على رأس وزارة التربية، شكّل أبرز التعديلات في حكومة بورن، وعنواناً أساسياً لطغيان الأسماء "السياسية" على الحكومة، من دون أن يسعى ماكرون إلى توسيع جبهته بضمّ أسماء من حزب اليمين التقليدي (الجمهوريين) إلى الوزارة، بل مستعيناً بـ5 نواب من حزب "النهضة"، ومبقياً على الوزراء الذين يوفرون التوازن لدى الأغلبية الحاكمة في ائتلاف "النهضة" – "موديم" - "أوريزون" (آفاق).
إلى ذلك، كلّف ماكرون، المدير السابق لحكومة بورن، أوريليان روسو، بقيادة وزارة الصحة. ويخلف روسو، وهو مقرّب من ماكرون والسكرتير العام للإليزيه ألكسيس كوهلر، وزير الصحة المغادر فرانسوا برون، الرئيس السابق لنقابة "سامو – أورجانس". وأكد برون أمس، خلال حفل التسلّم والتسليم، أنه "عضو في المجتمع المدني، وهو ليس مرضاً مخجلاً، بل أمر يفتخر به وبصوت عال".
وكلّف ماكرون أورور برجيه، رئيسة مجموعة "النهضة" في الجمعية الوطنية (البرلمان) بقيادة وزارة شؤون التضامن، خلفاً للمدير العام السابق للصليب الأحمر جان كريستوف كومب الذي كان يصف نفسه بأكثر غير المعروفين في حكومة الأسماء غير المعروفة، في إشارة إلى حكومة بورن السابقة.
كريستوف بوتان: وزراء المجتمع المدني تعرضوا تحت سلطة ماكرون للضغط من قبل مستشاري الإليزيه
ومن أبرز الأسماء أيضاً التي طاولها التعديل الوزاري، مارلين شيابا، كاتبة الدولة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والحياة الجمعوية التابعة لرئاسة الوزراء، والتي شغلت سابقاً منصب الوزيرة المنتدبة السابقة المكلفة بالمواطنة. وتعرضت شيابا لانتقادات قوية في فرنسا إثر ظهورها على غلاف مجلة "بلاي بوي"، أثناء فترة الاحتجاجات. كما غادرت وزيرة المساواة إيزابيل روم.
واعتبر الباحث السياسي كريستوف بوتان، في حديث لموقع "أويست فرانس"، أمس، أن الوزراء المغادرين من المجتمع المدني خصوصاً، "لم يتمكنوا من فك شيفرة عالم معقد، والإمساك بزمام مناصبهم، والوجود في عالم يسيطر عليه الإعلام، ومتطلب للسرعة".
ورأى بوتان أن الأسباب كثيرة لفشل هؤلاء الوزراء المبتدئين في عالم السياسة، منها أن الوزارات والإدارات التي كانوا يقودونها "كان بإمكانها أن تسيطر عليهم بدل أن يسيطروا عليها، كما أنهم تعرضوا تحت سلطة ماكرون، للضغط من قبل مستشاري الإليزيه". وبرأيه، فقد "كانت لديهم صعوبة في الوجود". لكن بوتان اعتبر أن هذه "اللعبة"، أي تبديل الأسماء بأخرى جاهزة، وفق "لعبة إعلامية"، ليس أمراً "يروق للفرنسيين الذين يريدون رجال سياسة يحسنون اتخاذ القرارات".
(العربي الجديد)