التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا: النفط وما هو أبعد

13 اغسطس 2024
قوات مؤيدة لحفتر، بنغازي، 18 يونيو2020 (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الوضع في ليبيا يشهد غموضاً على خلفية التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا الذي أحدثه إعلان قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تحريك أرتال من قواتها باتجاه الجنوب الغربي، وتلاه إعلان قوات حكومة الوحدة الوطنية النفير، ورفع حالة التأهب القصوى لصد أي هجوم محتمل.

وتركّز التوتر في مدينة غدامس على الحدود مع الجزائر. فمنذ مطلع الأسبوع الماضي، تناقلت وسائل إعلام ليبية أنباء عن تحضيرات عسكرية تجريها قيادة حفتر للسيطرة على مدينة غدامس الحدودية مع الجزائر، قبل أن تعلن رئاسة أركان القوات البرية بقيادة حفتر، الأربعاء الماضي، "انتقال عدد من وحداتها إلى مختلف مدن ومناطق الجنوب الغربي لليبيا"، وذلك "لتأمين المناطق الحدودية". وأعقب ذلك في اليوم نفسه، إعلان الكتيبة 17 حرس الحدود، التي تسيطر على غدامس والتابعة لحكومة الوحدة الوطنية، "الجاهزية التامة للتعامل مع أي قوات أو أي تحركات في نطاق مهام عمل الكتيبة، وأنها هدف مشروع لقواتنا".

التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا

وزادت حدة التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا بعد أيام قليلة، بإعلان رئاسة الأركان العامة التابعة للحكومة في طرابلس النفير العام في أوساط وحداتها، واستعدادها للتصدي لأي تهديدات تستهدف زعزعة "أمن أي مدينة ليبية". إلا أن رئاسة أركان القوات البرية التابعة لحفتر عقّبت ببيان، الجمعة الماضي، أوضحت فيه أن تحرك قواتها "لا يستهدف أحداً"، وأن انتقالها جاء باتجاه مناطق أقصى جنوب غربي ليبيا لتأمينها، في إشارة إلى عدم استهدافها مدينة غدامس.

وجاء بيان حفتر، الذي نفى فيه أن حراك قواته يستهدف أحداً، وسط بيانات متتالية يومي الخميس والجمعة الماضيين، صدرت عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبيان مشترك لخمس دول، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وطالبت تلك البيانات بوقف التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا فوراً لتجنب عودة حالة الحرب الأهلية في البلاد، محذرة من مغبة انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع عام 2020.

وبالتزامن مع البيانات بشأن التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا وجّه المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، مساء الجمعة الماضي، أوامره "بعودة كافة القوات إلى ثكناتها بشكل فوري، ومنع أي تحرك من دون إذن من القائد الأعلى". واعتبر أن مظاهر التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا قد تُدخل البلاد في حالة من الفوضى، وأن أي حراك عسكري "يعتبر خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار".

وفيما أكد المجلس الرئاسي أن "رفع درجة الاستعداد وحشد القوات والإذن بتحركها هي اختصاص أصيل للقائد الأعلى للجيش الليبي من دون غيره (محمد المنفي بصفته رئيس المجلس الرئاسي الليبي)"، أشار إلى اعتزامه "اتخاذ تدابير تضمن الاستقرار وتخفف الاحتقان والاستقطاب". ومن هذه التدابير، وفق المجلس، "إدارة مشتركة للإنفاق العام وعوائد النفط بشكل شفاف، لمعالجة الاختناقات والتخفيف من معاناة شعبنا".

وتتعدد قراءات المراقبين لأسباب تحرك حفتر العسكري والمفاجئ، بعد سنوات من انكسار آخر حملاته العسكرية التي استهدف فيها العاصمة طرابلس خلال عامي 2019 و2020. لكن الأكاديمي الليبي والمهتم بالشأن السياسي، فاضل الطويل، يؤكد أن الأهمية الاستراتيجية لمدينة غدامس تجعلها منطقة تنافس بين الفرقاء والخصوم الليبيين.

منطقة استراتيجية

يشرح الطويل، لـ"العربي الجديد"، أهمية غدامس الاستراتيجية، قائلاً إنها "منطقة حيوية بها منفذان دوليان، أحدهما مطار المدينة، والثاني منفذ الدبداب مع الجزائر". ويلفت إلى أن موقع المدينة "يمكّن من يسيطر عليه من تحقيق أمرين: الأول أن يفرض نفسه كأمر واقع على دول الجوار، مثل الجزائر المرتبطة بليبيا بمنفذ الدبداب في غدامس، وتونس التي ترتبط أيضاً بليبيا بمنفذ وازن القريب من غدامس. والأمر الثاني الهيمنة على منطقة اقتصادية ثرية بالغاز والنفط".

فاضل الطويل: هدف حفتر من السيطرة على غدامس هو كسب مصالح سياسية

وفيما يتحكم حفتر في حقل الشرارة، تتحكم فصائل الزنتان في حقل الفيل، وهما أكبر حقلين نفطيين في البلاد. لكن الطويل يرى أن "حقل الغاز بمنطقة الحمادة المتاخمة لغدامس، والذي تسيطر عليه قوات الحكومة في طرابلس، هدف لحفتر". ويوضح أنه "منذ أشهر يدور جدل واسع حول منح حكومة الوحدة الوطنية حصصاً إضافية لشركات أجنبية في حقل الحمادة من أجل إعادة تأهيله وتشغيله، إذ أصدر مجلس النواب والحكومة التابعة له عدداً من البيانات الرافضة لخطوة الحكومة في طرابلس".

ويعتبر الطويل أن "هدف حفتر من السيطرة على غدامس، هو كسب مصالح سياسية، فمناجم الطاقة تفتح له شراكات قوية مع دول يشكل النفط والغاز أهمية كبيرة في سياساتها". ويضيف أنه "لهذه الأسباب مجتمعة استنفرت الحكومة في طرابلس قواها للتصعيد، فهي تدرك جيداً أن حفتر لن يجازف مرة أخرى لمباغتة طرابلس عسكرياً، خصوصاً في ظل الوجود العسكري التركي إلى جانبها".

الصيد عبد الحفيظ: قوات الحكومة اكتفت برفع الجاهزية وتركت إثناء حفتر عن خطوته لعواصم الغرب

ويوافق الخبير الليبي في الشأن الأمني، الصيد عبد الحفيظ، على أن إعلان الحكومة نفير قواتها كان لمنع حفتر من اقتحام غدامس، "لكن من زاوية تنبيه الرأي الدولي حيال الخطر الذي قد يشكله حفتر". ويلفت عبد الحفيظ، لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات الحكومة "لم تتحرك واكتفت برفع الجاهزية وتركت إثناء حفتر عن خطوته لعواصم الغرب، والتي من الواضح أنها وجهت إنذاراً سريعاً لحفتر ومنعته من التحرك باتجاه غدامس، لاستشعارها بإمكانية أن تكون روسيا وراء هذه الخطوة"، في إشارة إلى بيان الدول الخمس التي طالبت في بيان مشترك بوقف التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا فوراً، وتلاه بيان حفتر بنفي عزمه التوجه إلى غربي البلاد.

وفي الوقت الذي يذكّر فيه عبد الحفيظ بأهمية الطاقة الليبية بالنسبة لموسكو لمواجهة الحصار النفطي المضروب عليها من قبل واشنطن وحلفائها الأوروبيين، يلفت إلى إمكانية ارتباط التصعيد جنوب غربي ليبيا بالإقدام على إغلاق حقل الشرارة، الذي تديره شركات أوروبية، قبل حراك حفتر العسكري بأيام معدودة. ويعتبر أن ملامح صراع دولي "بدأت تظهر في أفق سماء ليبيا المتخمة بالسلاح وأسباب الحرب، فأحداث غدامس قد تكون الخطوة الأولى نحو اندلاع حرب دولية بوكالة الفصائل الليبية".

ويلفت عبد الحفيظ إلى أن الأحداث في الآونة الأخيرة وسط التصعيد جنوب غربي ليبيا "تحمل العديد من المعطيات التي تتجه بمناطق غرب البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة". ويقول إنه "منذ أن ازداد الحديث عن بدء شركات أمنية في تنفيذ خطط لدعم الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس في برامج حماية الحدود، تركزت أنشطة الحكومة الأمنية على ضبط حدودها الغربية، وسيطرت على منفذ رأس جدير مع تونس، كما صرح مسؤولوها بأن الدبداب سيكون الخطوة الأخرى"، معتبراً أنه "ليس من قبيل الصدفة أن يتحرك حفتر في غدامس ليستبق إجراءات الحكومة". ويشير إلى أن المنطقة "لا تتوفر فقط على أهمية اقتصادية كالنفط والغاز، وحيوية بالمنافذ، بل يتصل بها أهم القواعد العسكرية في المنطقة، وتحديداً قاعدة الوطية الجوية غرب البلاد، والجفرة وسط جنوب البلاد".

ويتابع عبد الحفيظ شرحه لواقع المنطقة قائلاً إن "عديد التقارير تتحدث عن وجود أميركي في الوطية، أما الوجود الروسي في الجفرة فيكاد يكون معلناً، وكل هذه المعطيات قد تؤشر إلى دفع واشنطن وموسكو الأوضاع إلى مواجهة مسلحة بالوكالة". ويوضح أنه "حتى وإن تراجعت مظاهر التصعيد جنوب غربي ليبيا وأعلن حفتر ضمنياً تراجعه، إلا أن التحفز والترقب لا يزال قائماً، ما يجعل المنطقة على صفيح ساخن".يأتي ذلك في وقت زودت القوات التركية في ليبيا قاعدة الوطية الجوية بنظام الدفاع الجوي المتقدم "HİSAR-O100"، ليحل محل نظام "MIM-23 Hawk"، وفق موقع مليتري أفريكا. ويُعرف ذلك النظام بحسب الموقع بأنه يضم صواريخ أرض - جو منخفضة إلى متوسطة الارتفاع، تعمل في جميع الأحوال الجوية، وطورته وصممته شركة "Raytheon"، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، وقد سلمته أنقرة إلى حكومة الوحدة الوطنية كجزء من حزمة مساعدات عسكرية. وأشار الموقع إلى نشر نظام الرادار "AN/MPQ-64" الذي يسهم في اكتشاف وتتبع وتحديد وتصنيف التهديدات الجوية والإبلاغ عنها، بما في ذلك المروحيات وطائرات الهجوم عالية السرعة، والصواريخ المجنحة والطائرات دون طيار.

وبينما كانت الأنظار متجهة إلى جنوب غربي ليبيا وترقب نتائج حالة التصعيد، عاشت تاجوراء، الضاحية الشرقية للعاصمة طرابلس، الجمعة الماضي، توتراً أمنياً عالياً، على خلفية اشتباكات عنيفة اندلعت بين فصيلين تابعين للحكومة، بسبب خلافات نشبت بين عناصرهما، وأسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 16 آخرين.

وعلى الرغم من نجاح وساطات اجتماعية في احتواء التوتر في تاجوراء، وإنهاء حالة الاحتقان فيها، صباح السبت الماضي، إلا أن عبد الحفيظ يرى أن "مواجهات تاجوراء قد تنذر بعودة الاقتتال بين المناطق والمدن، خصوصاً أن مجموعات مسلحة قدمت من مصراتة لدعم أحد الطرفين". ويضيف عبد الحفيظ أن "الاشتباك المسلح مشهد متكرر في طرابلس، لكن المختلف هذه المرة هو قدوم مليشيات من مصراتة للمشاركة"، موضحاً أنه منذ سنوات تراجع نفوذ مسلحي المدن والمناطق كمصراتة والزنتان داخل طرابلس". ويشير إلى أن عودة تلك الاشتباكات "تعني تفكير مسلحي هذه المناطق في بناء نفوذ لهم في العاصمة من خلال التحالفات مع مراكز القوى، ما يفسد حالة الاستقرار الأمني النسبي في العاصمة"، مضيفاً أن "كل هذه المظاهر تنذر بإمكانية الرجوع إلى ساحات الحرب المفتوحة".

المساهمون