التحديات أمام الحكومة الإسرائيلية بعد عبور أزمة الموازنة

31 مايو 2023
عادت التظاهرات ضد التعديلات القضائية السبت الماضي (ألكسي روزنفيلد/Getty)
+ الخط -

صادق الكنيست الإسرائيلي نهاية الأسبوع الماضي على الموازنة العامة لعامي 2023 و2024 وقانون التسويات. الأمر الذي يمنح حكومة بنيامين نتنياهو استقراراً معيناً، خصوصاً داخل التحالف الحكومي، بعد أن حصلت أحزاب التحالف على غالبية مطالبها المالية من الميزانية. إلا أن إقرار الميزانية لا يعني انتهاء الصعوبات والتحديات التي قد تواجه حكومة نتنياهو، وقد يكون هذا الاستقرار مؤقتاً لغاية حدوث أزمات مقبلة.

وينتظر الحكومة والتحالف الحاكم تحديات عديدة في الأشهر القريبة، أبرزها عودة ملف التعديلات على الجهاز القضائي وتقييد السلطة القضائية إلى الواجهة، ومعه عودة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، وتحديات أمنية-عسكرية مستجدة، والقضايا الاقتصادية ومخاطر الركود.

بعد انتهاء التصويت على قانون الميزانية، صباح الخميس الماضي، وفي لحظة من لحظات ثمالة النصر، قال نتنياهو في رده على سؤال لمراسل قناة 14 اليمينية، إن التعديلات القانونية قائمة ومستمرة. على الرغم من محاولة نتنياهو وطاقمه تلطيف وتخفيف حدة التصريح، بالإعلان أنه يرغب باستمرار المحادثات في منزل الرئيس إسحاق هرتسوغ، ويسعى إلى أوسع تفاهم مع المعارضة، فقد اعتبرت قيادة الاحتجاجات والمعارضة البرلمانية تصريح نتنياهو إعلانا عن النوايا الحقيقية وإثباتا لاستمرار نتنياهو في التضليل والكذب، وأن الحكومة ستعود لمحاولة إقرار القوانين الخلافية.

قال نتنياهو إن التعديلات القضائية قائمة وهو ما اعتبرته المعارضة إثباتاً لاستمراره بالتضليل

بذلك زوّد نتنياهو حركات الاحتجاج بقوة دفع بعدما خبت بعض الشيء في الأسابيع الأخيرة بسبب المحادثات التي يستضيفها الرئيس الإسرائيلي، والأعياد اليهودية والمناسبات القومية، والعدوان على غزة. وفعلاً عادت يوم السبت الماضي التظاهرات الحاشدة في تل أبيب وبعض المدن الإسرائيلية الأخيرة ضد خطة تقييد القضاء. ومن المتوقع أن تتصاعد التظاهرات في الأسابيع المقبلة.

تحدي عودة أزمة خطة تقييد القضاء

عودة الاحتجاجات تلقي بظلالها على المحادثات المتعثرة لدى الرئيس الإسرائيلي، إذ علت بعض الأصوات من المعارضة ومن حركات الاحتجاج، تطالب بوقف المحادثات فوراً، خصوصاً مع اقتراب موعد انتخاب الكنيست لمندوبيه في لجنة تعيين القضاة حتى 15 يونيو/ حزيران المقبل. انتخاب مندوبي الكنيست في لجنة تعيين القضاة يشكل عنصراً مركزياً في خطة "إصلاح القضاء" لتقييد جهاز القضاء، إذ يسعى وزير القضاء ياريف ليفين لكسر المتّبع واختيار مندوبين اثنين من أحزاب التحالف الحكومي، بدل مندوب عن التحالف ومندوب عن المعارضة.

قضية التعديلات القضائية قد تؤدي لخلافات داخل حزب الليكود نفسه ومع أحزاب التحالف الحاكم

قضية تعديلات تقييد القضاء لا تعني الاصطدام مع المعارضة وحركات الاحتجاج فقط، إنما تعني أيضاً احتمال عودة الخلافات والمشاكل داخل حزب الليكود نفسه، وبينه وبين بقية أحزاب التحالف.

فليفين لن يتنازل بسهولة عن خطته لتقييد القضاء، وهذا قد يكون مدخلاً لعودة الأزمة داخل "الليكود" بين داعمي الخطة وبين من يرون أنها جاءت بطريقة خاطئة وتهدد حكم "الليكود"، وكذلك إصرار أحزاب اليمين المتطرف على تنفيذ الخطة، مثل "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش وحزب "القوة اليهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، اللذين يدعمان التعديلات القضائية بشدة، وكذلك الأحزاب المتدينة- المتزمتة (الحريدية) التي تطالب بسن قانون فقرة التغلب وقانون إعفاء طلاب المعاهد اليمينية من الخدمة العسكرية.

عودة أزمة خطة تقييد القضاء تعني استمرار الشرخ القائم في المجتمع الإسرائيلي، وربما توسعه، بسبب نيّة التحالف الحكومي طرح عدد من القوانين الإشكالية، التي تهدف إلى تقليص مساحة الليبرالية وحقوق الفرد.

مؤشر على ذلك شاهدناه يوم الأحد الماضي، بإعادة المتطرف آفي معوز إلى منصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة مسؤولاً عن البرامج التعليمية غير المنهجية، ومطالبة بن غفير بسنّ قانون تطبيق "قانون القومية" العنصري بواسطة تغليب "قيم الصهيونية" على قيم أخرى، واقتراح "قانون الجمعيات" الذي يهدف إلى تقييد عمل مؤسسات المجتمع المدني غير اليمينية عن طريق حسم 65 في المائة كضريبة دخل من دعم الدول الأجنبية لمؤسسات مجتمع مدني، وهذا الاقتراح تعرّض لانتقادات شديدة من الإدارة الأميركية وحكومات أوروبية.

وبالإضافة إلى خطة الإصلاحات القضائية، نمت في الأشهر الأخيرة تحديات جدية جديدة، بصيغة تحولات سلبية في البيئة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وتعميق الأزمة الاقتصادية، اللذين تأثرا أصلاً بخطة تقييد القضاء. وشكّلت الخطة الحكومية لتقييد القضاء، قبل تجميدها منذ بضعة أشهر، ثقلاً كبيراً على المحور الأمني العسكري وعلى الحالة الاقتصادية، كانت ذروتهما بإقالة وزير الأمن يوآف غالانت (قبل إعادته) والإضراب الشامل في الاقتصاد الإسرائيلي.

التحدي الأمني

باتت التحولات في البيئة الأمنية والعسكرية لإسرائيل تشكل تحدياً جدياً إضافياً لحكومة نتنياهو. وحذرت المؤسسة الأمنية والعسكرية من تحوّل سلبي على أكثر من جبهة. لعل أبرز تلك التهديدات هو تحذير شعبة الاستخبارات في مخابرات الجيش، من إمكانية نشوب ظروف قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة على أكثر من جبهة في العام المقبل. كما نشرت صحيفة "هآرتس" في 23 إبريل/نيسان الماضي.

ولفت تقدير شعبة الاستخبارات إلى أن إيران و"حزب الله" و"حماس" باتوا مستعدين بشكل واضح للمخاطرة والمغامرة بشنّ "عمليات هجومية أكثر جرأة، لأنهم يفترضون أن إسرائيل ضعفت في أعقاب الأزمة الداخلية المتعاظمة وتقلص هامش المناورة الاستراتيجية أمامها". ويأتي هذا التحذير بهذه الصيغة لأول مرة منذ سنوات عديدة.

بعد أسابيع من نشر تقدير شعبة الاستخبارات، بادرت المؤسسة الأمنية في إسرائيل إلى شن حملة تحذيرات شديدة لإيران و"حزب الله"، على لسان كبار قيادات الجيش، خصوصاً رئيس الأركان وقائد شعبة الاستخبارات، تلاهما رئيس الوزراء بنفسه ووزير الأمن، من عدم ارتكاب خطأ بتقييم الحالة في إسرائيل والدخول في مغامرة عسكرية قد تؤدي إلى حرب شاملة، ومن نتائج كارثية على كل من يحاول امتحان إسرائيل وتماسكها. يعد هذا التحذير فريداً من نوعه، إذ خرجت كافة القيادات العسكرية والأمنية وكبار صنّاع القرار بالموقف نفسه خلال أيام، وبشكل منسق.

وكان مركز أبحاث الأمن القومي قد نشر تقدير موقف منتصف مارس/آذار الماضي بعنوان "تحذير استراتيجي: الشرخ الداخلي بسبب خطة الإصلاح القضائي يهدد الأمن القومي"، تناول فيه إهمال المؤسسة الإسرائيلية للتهديدات الخارجية المتزايدة، خصوصاً من قبل إيران، وتحولها إلى دولة عتبة نووية، والإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع الإدارة الأميركية، بسبب خطة الإصلاح القضائي التي ترمي إلى تقييد السلطة القضائية.

مؤشرات على أن الحالة الأمنية ستعود لتشكل تحدياً جدياً لحكومة نتنياهو خلال العام المقبل

ووفقاً للتقدير، "بغض النظر عن خطة الإصلاح، فقد اشتدت التهديدات الأمنية لإسرائيل أخيراً: أولاً، كان هناك ارتفاع في التهديد الذي تشكله إيران، التي أصبحت في الواقع دولة عتبة نووية، وهي تكتسب خبرة عسكرية كبيرة في الحرب في أوكرانيا، ومن المقرر أن تتلقى أنظمة أسلحة متطورة من روسيا. ثانياً، نشهد منذ فترة طويلة تصعيداً مقلقاً على الجبهة الفلسطينية وتنامي الجماعات المسلحة من نوع "عرين الأسد". ثالثاً، يُظهر حزب الله سلوكاً أكثر عدوانية، مما يشير إلى احتمال تآكل الردع تجاهه".

تزامن هذه التحولات يشي بأن الحالة الأمنية ستعود لتشكل تحدياً جدياً لحكومة نتنياهو خلال العام المقبل، بعد أن تراجعت التهديدات الأمنية لإسرائيل في العقد الأخير. إلا أن هذا التحول يأتي في ظل توسع الشرخ السياسي داخل إسرائيل، وتراجع في شرعية الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية على كافة الأصعدة، وفي ظل توتر حقيقي مع الإدارة الأميركية. وهي حالة خاصة لم تشهدها إسرائيل من قبل.

التحدي الاقتصادي

تقدير موقف مركز أبحاث الأمن القومي تطرق أيضاً إلى تراجع الحالة الاقتصادية، التي تعتبر في إسرائيل كمركب أساسي من مركبات الأمن القومي، ومن مناعة المجتمع الإسرائيلي.

وقال التقدير: "هز فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، والصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، وتسبّب في ارتفاع معدلات التضخم المالي وزيادة أسعار الفائدة وتراجع العولمة. ووصلت بطبيعة الحال موجات الصدمة إلى إسرائيل، مما أدى إلى زيادة التضخم هنا، الأمر الذي تسبّب في تسريح العمال في مجال التقنيات الحديثة والتكنولوجيا وإلحاق الضرر بالنمو".

وتابع: "الوضع خطير بما فيه الكفاية، وبدلاً من تسخير كل العوامل للتعامل مع الأزمة الناشئة، توجّه خطة الإصلاح القضائي ضربة أخرى للاقتصاد وتثير مخاوف جدية بين الدوائر الاقتصادية في إسرائيل وخارجها، الذين يحذرون من العواقب الوخيمة التي قد يجلبها ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي".

يضاف إلى ذلك أن ميزانية الدولة قبل أسبوع لم تحمل أي تعامل جدي مع المخاطر الاقتصادية المحتملة.

لم تشهد الحالة الإسرائيلية تحديات جدية متزامنة بهذا الحجم منذ عقود، منها الشرخ الداخلي، وتهديدات أمنية خارجية وبوادر أزمة اقتصادية، وهي جميعاً مرشحة للتفاقم في الأشهر القريبة بسبب تركيبة الحكومة الإسرائيلية، والذهنية الأمنية الإسرائيلية التقليدية المشبعة باستعمال الأدوات الأمنية، وطبيعة المشروع الاستعماري الإسرائيلي.

بإمكان هذه التحديات أن تشكل عبئاً كبيراً على حكومة نتنياهو أو أن تؤدي إلى تحوّل سياسي جدي بصيغة تغيير في تركيبة الحكومة وانضمام قسم من أحزاب المعارضة للحكومة، مثل حزب "المعسكر الرسمي" برئاسة وزير الأمن السابق بني غانتس، على حساب أحزاب اليمين المتطرف، للتعامل مع تلك الأزمات. المشهد السياسي في اسرائيل ومستقبل حكومة نتنياهو، سائل بدرجة كبيرة، ومرهون بأي مسار يختاره نتنياهو.

المساهمون