التحالف الدولي ضد "داعش"... جردة حساب بعد عقد من العمل

10 يونيو 2023
جنود أميركيون شمال شرقي سورية، مايو 2021 (جون موري/Getty)
+ الخط -

ما تزال دول التحالف الدولي ضد "داعش" ترى أن التنظيم يشكّل تهديداً للأمن الدولي، وأن الحرب معه لمّ تنتهِ بعد، في خطوة تشير إلى أن نطاق استهداف هذا التنظيم سيتسع، ولن يبقى ضمن النطاق السوري والعراقي.

وعقدت هذه الدول، أول من أمس الخميس، اجتماعاً في مدينة الرياض السعودية لبحث الجهود الدولية لمكافحة التنظيم. ويسعى التحالف إلى جمع 601 مليون دولار، كجزء من حملة تعهدات لتحقيق الاستقرار في سورية والعراق. وتعهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في كلمة له في الاجتماع، بتخصيص 148.7 مليون دولار لهذه الحملة، مشيراً إلى أن الحرب ضد التنظيم "لم تنته".

رشيد حوراني: القضاء على التنظيم يجب ألا يقتصر على العمل العسكري

وتأسس التحالف الدولي ضد "داعش" في سبتمبر/ أيلول 2014، لمحاربة التنظيم في العراق وسورية، إذ شهد ذاك العام صعوداً كبيراً لعمليات التنظيم أدت إلى سيطرته على مساحات هائلة في الدولتين. ويضم التحالف الدولي 85 دولة ومنظمة شريكة، وشنّ يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2014 أولى غاراته ضد "داعش" في سورية، حين كان التنظيم على أبواب مدينة عين العرب (كوباني) على الحدود السورية التركية، والسيطرة عليها كانت خطوة باتجاه السيطرة على كامل الشمال السوري.

تمدّد "داعش" في سورية

واستطاع التحالف الدولي ردّ "داعش" عن المدينة التي شهدت دماراً واسعاً جراء القصف الجوي المركّز من طائرات هذا التحالف، الذي لم يستطع في ذلك العام إيقاف تمدّد التنظيم في الجغرافيا السورية، إذ سيطر على نصفها وهدّد مدناً كبرى، مثل حمص وسط البلاد.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وخلق التنظيم وجوداً فاعلاً له في أحياء داخل العاصمة دمشق، وفي منطقة حوض اليرموك في ريف درعا جنوب سورية، وسيطر على أغلب البادية السورية وجانب كبير من محافظتي الرقة ودير الزور، فضلاً عن ريف حلب الشرقي.

ولكن التحالف الدولي وجد أن القصف الجوي لم يجد نفعاً في محاربة التنظيم، فشكّل في عام 2015 "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وعمادها الرئيسي "وحدات حماية الشعب" الكردية، والتي أثبتت جدارة في القتال ضد التنظيم في معركة عين العرب.

بدأت هذه القوات، بدعم واسع من التحالف، حرباً طويلة الأمد ضد التنظيم، الذي بدأ في 2016 تراجعاً تحت وقع الضربات الجوية المركزة، فخسر العديد من معاقله في شمال سورية، منها مدينة منبج الاستراتيجية والتي انطلقت منها هذه القوات لاستعادة السيطرة على مدينة الرقة، والتي كان يُنظر إليها على أنها عاصمة للتنظيم في سورية. وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017 انتهت معركة الرقة بسيطرة "قسد" عليها، بثمن قاسٍ على المدينة وأهلها.

وبيّن تقرير أعدّته مؤسسة "راند" البحثية، صدر عام 2022، أن معركة الرقة، التي استمرت عملياً خمسة أشهر، أدت إلى جعل 60 إلى 80 في المائة من المدينة غير صالحة للسكن.

وأوضح أن الضربات "المُستهدَفة" والقصف المدفعي لقوات التحالف على الرقة تسببا، بين 6 و30 أكتوبر 2017، بمقتل ما بين 744 إلى 1600 مدني، حسب إحصائيات التحالف ومنظمة العفو الدولية وموقع "إيروورز" (Airwars) المتخصص.

ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، التي استشهدت بها "راند"، فقد تم تدمير أو إلحاق الضرر بنحو 11 ألف مبنى، بين فبراير/ شباط وأكتوبر/ تشرين الأول 2017، بما في ذلك 8 مستشفيات، و29 مسجداً، وأكثر من 40 مدرسة، و5 جامعات، بالإضافة إلى نظام الري في المدينة.

معارك ضد "داعش" شمال نهر الفرات

وشهد عام 2018 معارك ضد التنظيم شمال نهر الفرات، انتهت مطلع عام 2019 بالسيطرة على ريف دير الزور في المنطقة التي باتت تُعرف اصطلاحاً بـ"شرقي الفرات"، حيث كانت بلدة الباغوز القريبة من الحدود السورية العراقية آخر معقل للتنظيم.

ولكن هجمات "داعش" لم تنته في "شرقي الفرات" ضد "قسد"، التي وجدت عناصر التنظيم مطلع عام 2022 على أبواب سجن الحسكة المركزي والذي يضم قادة كباراً من التنظيم، ولولا تدخل التحالف الدولي لفرّ عدد كبير من قادة وعناصر التنظيم.

تراجع وتيرة هجمات "داعش"

وانخفضت وتيرة هجمات التنظيم وفق التحالف الدولي، الذي أفاد الشهر الماضي بتراجع في هجمات "داعش" في العراق وسورية خلال الأشهر الأولى من عام 2023، بنسبة 68 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق.

ورأى رشيد حوراني، وهو باحث سياسي في مركز "جسور" للدراسات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة "اتخذت التحالف الدولي ضد داعش أداة لتنفيذ أجنداتها في المنطقة"، مضيفاً أن "القضاء على التنظيم يجب ألا يقتصر على العمل العسكري".

فراس علاوي: التحالف قضى على القوة الضاربة لهذا التنظيم، ولكن لم ينهه بشكل كامل

وتابع: الأمر يحتاج إلى خطة متكاملة (اجتماعية وأمنية واقتصادية) وخلق بيئة سياسية تسهم في تمكين جميع المكونات في العمل السياسي والإدارة، وليس بدعم طرف واحد، وهو قسد، وتهميش العرب الذين يشكلون غالبية سكان منطقة شرقي نهر الفرات". وأشار إلى أن "انهيار تنظيم "داعش" كشف عن مرونة يتمتّع بها في أساليب العمل، وقدرة على التكيف مع الظروف الطارئة التي تساعده في الاستمرار".

التحالف حدّ من خطورة التنظيم

من جهته، بيّن مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، لـ"العربي الجديد"، أن التحالف الدولي "حدّ إلى بعيد من خطورة التنظيم شمال شرقي سورية" مضيفاً: "قضى على القوة الضاربة لهذا التنظيم، ولكن لم ينهه بشكل كامل بسبب بعض السياسات التي اعتمدها التحالف الدولي".

وأوضح أن "التنظيم حافظ على قدرته على العمل داخل حواضن اجتماعية معينة، خصوصاً أن سلطة الأمر الواقع التي فرضها التحالف الدولي (قسد) على المنطقة لم تسهم في القضاء على التنظيم". وتابع: هناك حالة عدم رضى من سكان المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم لا تدفع باتجاه استئصال وجوده بشكل كامل.

وأشار إلى أن التحالف الدولي "اعتمد على القوة العسكرية للقضاء على التنظيم"، مضيفاً: "لم يعمل التحالف على وضع رؤى وخطط فكرية تدفع باتجاه نهاية التنظيم".

وتابع: "يجب على دول التحالف الدولي تقديم الدعم والمساعدة على كل المستويات للسكان إذا أراد القضاء على التنظيم. يجب إشراك أهل المنطقة بوضع الحلول الاقتصادية والسياسية لمشكلاتهم، لكي يتم القضاء على التنظيم. المنطقة تحتاج إلى إجراءات اقتصادية وفكرية، فالقوة العسكرية وحدها لا تضع حداً لهذا التنظيم".

المساهمون