أصدرت الصين قواعد جديدة للتجنيد في جيشها الشعبي، ومن المقرر أن يدخل التعديل حيّز التنفيذ في الأول من مايو/ أيار المقبل. وجاء في اللوائح التي تمّ الإعلان عنها يوم الأربعاء الماضي، بأن معايير التجنيد يجب أن تُركز على الاستعداد للحرب وزيادة الكفاءة من خلال استدعاء مجندين من العيار الثقيل.
وكان لافتاً في الإعلان إدراج فصل كامل بعنوان التجنيد في زمن الحرب، نصّ على منح الأولوية للمحاربين القدامى بسبب مهاراتهم وخبراتهم في تشغيل أسلحة عالية التقنية، وكذلك طلاب الجامعات والخريجين، خصوصاً أولئك الذين لديهم خلفيات علمية وهندسية، لتحقيق هدف رئيس البلاد شي جين بينغ، المتمثل في بناء جيش بقدرات عالمية بحلول عام 2050.
وكان مشرعون صينيون قد وافقوا في شهر فبراير/شباط الماضي على قرار يمنح اللجنة العسكرية المركزية سلطة تغيير وتطبيق قانون الإجراءات الجنائية في زمن الحرب، لحماية المهام العسكرية وتحسين قدرة جيش التحرير الشعبي على الفوز في أي حرب. وخلال جلسات البرلمان السنوية في مارس/آذار الماضي، دعا أعضاء في اللجنة العسكرية إلى إدخال قوانين مثل تعبئة قوات الاحتياط، كجزء من الحاجة إلى دراسة وتسريع تطبيق التشريعات في زمن الحرب.
وشهد قانون الخدمة العسكرية الصيني عام 2021 تعديلات تتعلق بقوات الاحتياط من حيث التدريب والاستعداد، وأشار القانون إلى أن الأفراد الذين تتوفر فيهم المعايير والشروط وهم خارج الخدمة العسكرية، سيصبحون مكونات مهمة لجيش التحرير الشعبي أثناء خوض الحرب. وتأتي التعديلات الجديدة في وقت تواجه فيه بكين توترات جيوسياسية على عدة جبهات، بما في ذلك في بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان، والحدود المتنازع عليها مع الهند.
للمرة الأولى، يخصَّص فصل كامل في التشريعات العسكرية لمسألة التجنيد في زمن الحرب
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد شدد خلال زيارة لقيادة المسرح الجنوبي في جيش التحرير الشعبي، الأربعاء الماضي، على أهمية تسريع التحول إلى قوة قتالية حديثة من خلال التدريبات القتالية الحقيقية ومفاهيم الحرب المبتكرة. كما أجرى الجيش الصيني خلال الأسبوع الماضي مناورات عسكرية مكثفة في محيط تايوان استمرت ثلاثة أيام، وقد هدفت إلى تطويق الجزيرة من جميع الاتجاهات، وجاءت في أعقاب اجتماع رئيسة تايوان تساي إنغ ون، مع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
سدّ ثغرات في التشريعات القديمة
في تعليقه على التعديلات الجديدة الخاصة بقواعد التجنيد في زمن الحرب، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "كانتون" المحلية، لياو ليانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التعديلات جزء من جهود متتالية من قبل بكين لتعديل وتحسين نظامها القانوني الخاص بالشؤون العسكرية لدعم ترتيبات الحرب بشكل أفضل في مواجهة الضغوط والتحديات الأمنية المتزايدة، خصوصاً في مضيق تايوان.
ولفت ليانغ إلى أن التعديل أُقرّ في وقت سابق من الشهر الحالي، من قبل مجلس الدولة واللجنة العسكرية المركزية، أعلى هيئة قيادية في الصين، برئاسة شي جين بينغ. واعتبر أن إدراج قدامى المحاربين كأولوية، يأتي في إطار تعزيز الجاهزية القتالية لجيش التحرير الشعبي استعداداً لأي حرب مقبلة.
وأوضح الخبير العسكري الصيني، أن هناك قانوناً في العسكرية الصينية مناهض للانفصال (انفصال جزيرة تايوان عن البر الرئيسي) يتيح للجيش استعادة تايوان بالوسائل غير السلمية، لذلك كان لا بد من تحسين اللوائح العسكرية ذات الصلة باعتبارها أحد المكونات المهمة للاستعدادات العسكرية الحالية.
وقال إن لوائح التجنيد الجديدة توفر قواعد تشغيلية وتفصيلية أكثر للتعبئة في فترة الحروب، كما تسد ثغرات في تشريعات الصين القديمة. واستدرك أنه بغض النظر عن كل ما سبق، فالتعديلات الجديدة كانت مدفوعة بالحاجة إلى الاستعدادات العسكرية في ظل التطورات الأخيرة وبالتحديد في مضيق تايوان.
إصلاحات ضرورية
من جهته، قلّل الباحث في مركز نان جينغ للدراسات السياسية، جوان شيه، في حديث مع "العربي الجديد"، من أهمية تداعيات تغيير اللوائح على أي عمل عسكري صيني محتمل ضد جزيرة تايوان. وقال إن الأمر مرتبط برغبة القيادة الصينية في تحديث القوانين العسكرية، خصوصاً التي تتعلق بخوض الحروب، نظراً لأن الجيش الصيني لم يخض أي حرب حقيقية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
التعديلات الجديدة كانت مدفوعة بالحاجة إلى الاستعدادات العسكرية في ظل التطورات الأخيرة وبالتحديد في مضيق تايوان
ولفت جوان شيه إلى أنه خلال هذه المدة الطويلة التي تمتد إلى نحو نصف قرن، لم تطرأ تعديلات جوهرية على القوانين العسكرية، وقد اعتُبر ذلك إحدى نقاط ضعف الجيش الشعبي، لذلك يمكن القول إن الهدف من التعديلات الأخيرة هو تعزيز تقنين أعمال التجنيد كجزء من الإصلاحات العسكرية الشاملة.
وتابع الباحث أنه على الرغم من أن التشريعات القديمة تجيز لمجلس الدولة واللجنة العسكرية المركزية تعديل شروط وأساليب التجنيد ضمن النطاق المنصوص عليه في القانون، فإنه لم يتم إجراء أي تعديلات خلال السنوات الماضية، وكان البند الخاص بالتجنيد يقتصر على فقرة إنشائية، بحسب قوله، تنص على أنه يجب على المواطنين الذين يتلقون إشعار تجنيد أثناء الحرب الذهاب إلى المكان المحدد في الوقت المحدد للتجنيد أو مواجهة العقوبة.
وأضاف أنه للمرة الأولى، يتم اليوم تخصيص فصل كامل لمسألة التجنيد في زمن الحرب. وقال إن ذلك يضمن الاستبدال الطبيعي للقوات وتأمين الاحتياجات اللوجستية للجنود أثناء خوض الحروب، خصوصاً أن التعديلات الجديدة تعطي الأولوية للمحاربين القدامى أصحاب الخبرات الطويلة في إدارة وتشغيل المعدات العسكرية.
يشار إلى أن "جيش التحرير الشعبي" الصيني، يعتبر من أكبر جيوش العالم، ويبلغ تعداده حوالي مليونين و300 ألف جندي، يتوزعون بين 5 وحدات: البرية والبحرية والجوية والقوة الصاروخية ووحدة الدعم الاستراتيجي، وقد أنشئ في عام 1927، وخاض عدة حروب لعل أبرزها: الحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي، بينما كانت آخر حرب خاضها ضد فيتنام عام 1979.