التجنيد الإلزامي يعود إلى الواجهة في العراق وسط انقسام شعبي وسياسي

07 يونيو 2022
يعاني الجيش العراقي من مشكلة التوازن في بنائه منذ الاحتلال الأميركي في 2003 (Getty)
+ الخط -

يعود الحديث مرة أخرى عن مشروع قانون "التجنيد الإلزامي"، في العراق، أو ما يُعرف بـ"خدمة العلم"، وذلك بعد تراجع في طرح مسوَّدة القانون المعروض على البرلمان منذ نحو عامين دون إقرار.

ورغم التباين الشعبي والسياسي حيال القانون، إلا أن قوى سياسية مختلفة تراه حلاً لتحقيق التوازن داخل الجيش العراقي وعدم اقتصاره على مكون اجتماعي أو هوياتي واحد، فيما يقول آخرون إنه حل آخر لمواجهة البطالة، لكنه لا يحظى بقبول من الفصائل المسلحة وبعض القوى الأخرى التي تُسرَد أسباب مختلفة عن سبب تحفظها عليه.

ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، يعاني الجيش العراقي من مشكلة التوازن في بنائه ليكون شاملاً لمختلف المكونات العراقية، وتوجه اتهامات إلى بعض القوى في اعتماد آلية قبول طائفية، وهو ما دعا لاحقاً إلى طرح قانون آخر لضمان التوازن الوظيفي في كل مؤسسات الدولة دون أن يُفعّل هو الآخر.

وقال الناطق العسكري باسم الحكومة العراقية، اللواء يحيى رسول، الأحد الماضي، إن "العراق بحاجة إلى الخدمة الإلزامية، فعندما يتعرض الوطن لخطر خارجي، يجب أن تكون هناك قوات احتياط لدرء هذا الخطر، إضافة إلى بناء الروح الوطنية وصناعة الرجال، ناهيك عن المردود المالي لهم، حيث ممكن أن يصل راتب المجند إلى 700 ألف دينار"، وفقاً لقوله. 

وأوضح، في تصريحات صحافية، أن "مدة الخدمة الإلزامية تختلف حسب الشهادة الدراسية، بفترات جيدة ومجزية، وتصبّ في مصلحة المواطن، وأن وزارة الدفاع أعدت كل الخطط اللازمة لهذا الموضوع من بنى تحتية ومراكز تدريب، فضلاً عن وجود نية جادة من لجنة الأمن والدفاع النيابية لتقديم قانون الخدمة الإلزامية". 

وقال مسؤول في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد" إن "مشروع القانون يهدف إلى تجنيد عشرات آلاف الشباب ممن هم أكبر من 18 عاماً، وتكون فترة خدمته حسب شهادته الدراسية بين 9 أشهر ولغاية عامين، وهناك نظام الإعفاء للابن الوحيد في العائلة، وكذلك المعيل والمسافر بعذر وغيرها، وإن مسوَّدة القانون التي قدمتها الوزارة إلى مجلس شورى الدولة أكدت اعتماد العمر والدراسة فقط".  

وأكد أن "خدمة العلم الإلزامية ستعمل بما جاء من فقرات التطوع بالجيش العراقي، إذ إن التجنيد الإلزامي لن يعتمد على المعايير الفرعية، ومنها "الانتماءات المذهبية والدينية، بل سيكون مشروعاً خالياً من أهواء طائفية، في سبيل إعادة المؤسسة العسكرية إلى وضعها الطبيعي، وإلى أن تكون متوازنة، وهناك تأييد سياسي واسع للقانون في الوقت الحالي". 

ولفت إلى أن "المشروع مرتبط أيضاً بمجلس الخدمة الاتحادي، المتخصص بنشر وتوزيع الخريجين على الدوائر الحكومية، لذلك فهو أولى محطات تعيين الشباب في مؤسسات الدولة"، مضيفاً أن "خطة وزارة الدفاع تتلخص بتأهيل الشباب للمجالات كافة، وليس فقط الأساليب القتالية والتقوية الجسمانية، حيث إن مصانع مصغرة ستتوافر في معسكرات التدريب، وقد خصصت ميزانيات مالية لذلك، لكن الأمر متوقف على موافقة البرلمان". 

من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر إسكندر وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قناعة سياسية من جميع الأطراف السياسية في البلاد من أجل تمرير القانون، لكن على صعيد اللجنة البرلمانية، فهي تهدف إلى استضافة وزير الدفاع من أجل تثبيت بعض التفاصيل والإجابة عن بعض أسئلة أعضاء اللجنة". 

وأوضح أن "مشروع القانون تأجل لأكثر من مرة لأسباب عدة، منها عدم توافر الغطاء المالي، إضافة إلى الخلافات السياسية وسنوات الحرب ضد تنظيم "داعش"، لكن في الوقت الحالي، هناك توافق سياسي بشأن القانون ووجود فائض مالي يساعد على المضي بالمشروع". 

وأضاف أن "للقانون حسنات كثيرة، من بينها إنقاذ السلك العسكري من المحسوبيات والتدخلات السياسية والتأثيرات الحزبية والطائفية، لأنه سيساعد على تأسيس مؤسسة عسكرية قادرة على حماية العراق بروحٍ وطنية عالية، كذلك فإنه سيخلق جيلاً جديداً من العسكريين الشباب، من أطياف الشعب العراقي كافة، ناهيك عن كونه سيوفر مصدراً مادياً للشباب الخريجين والعاطلين من العمل، مع عدم الاستغناء بكل تأكيد عن التطوع في الجيش عبر وزارة الدفاع". 

ناشطون يتخوفون من القانون

في المقابل، أعرب ناشطون عن مخاوف من القانون، لكون البلاد ما زالت غير مهيّأة له، وفقاً لقولهم، فيما يطرح آخرون أسباباً أخرى تقف وراء رفضهم القانون.  

ويقول عضو التيار المدني أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، إن التجنيد الالزامي في ظل استشراء الفساد، قد يكون باب تربح آخر لمسؤولين ورؤساء وحدات، يدفع فيها الجندي الرشوة من أجل التخلص من التكليف".

ويضيف أن "الوضع في العراق لا يحتمل الزج بجندي غير متدرب. أغلب القوات العراقية الحالية متدربة، وخاضت تجارب كبيرة، وفي حال إقرار القانون، يجب إبعاد المكلفين خدمة العلم عن مناطق المواجهات مع داعش". 

لكن زميله الناشط السياسي في بغداد، علي حبيب، يرى أن "المشروع سيؤدي إلى عسكرة المجتمع، والدفع بالشباب الخريجين إلى ما لا يرغبون فيه، لكنهم سيوافقون عليه، لحاجتهم إلى العمل والتعيين الحكومي والمرتبات، وهذا الاستغلال قد يؤدي إلى تبعات اجتماعية غير سارة". 

وتابع، في حديث لـ"العربي الجديد": "القانون سيؤدي إلى سحب النشطاء والشباب العراقي الرافض للفشل السياسي الحالي إلى الدولة، وتحويلهم إلى جزء من النظام، رغم أن الشباب رافضين لشكل النظام الحالي وتسلط الأحزاب وتحويل العراق إلى محمية للمسؤولين المتهمين بالفساد والسلاح المنفلت"، وفقاً لقوله. 

لكن الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، يختلف مع علي حبيب في الجزء المتعلق بتأييد القانون من قبل قوى الإسلام السياسي، وتحديداً الأحزاب الموالية لإيران. 

وقال الركابي لـ"العربي الجديد"، إن "القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة تدعي حالياً تأييد مشروع قانون الخدمة الإلزامية، لكنها في الحقيقة من أكثر الأطراف التي ستعرقل إقراره، لأن إقراره سيؤدي بكل تأكيد إلى تقوية الجيش، ويُضعف الفصائل المسلحة. لذلك، إن تطبيقه صعب جداً، ناهيك عن أن المشروع يحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة، ورغم أنّ الغطاء المالي موجود لها، إلا أن الحكومة الحالية أو الجديدة ستفكر في استغلال هذه المبالغ لإنقاذ مشاريع الطاقة، وليس تمويل قانون خدمة العلم". 

وبحسب بيانات سابقة لوزارة الدفاع العراقية، فإن قانون "التجنيد الإلزامي" في حال تمريره عبر البرلمان، سيشمل الفئات العمرية من سن 19 إلى 45 عاماً، وسيعتمد على التحصيل الدراسي في مدة الخدمة، إذ إن خريجي الدراسة الابتدائية سيخدمون لمدة عام و4 أشهر، فيما سيخدم خريجو المرحلة الإعدادية لمدة عام واحد، وخريجو درجة البكالوريوس 9 أشهر فقط، بينما خريجو درجة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) سيعفون من الخدمة نهائياً. 

وتأسس الجيش العراقي عام 1921، وأنشئت أولى وحداته خلال الانتداب البريطاني للعراق، فشُكّل فوج "موسى الكاظم"، واتخذت قيادة القوة المسلحة مقرها العام في بغداد، وتبع ذلك تشكيل القوة الجوية العراقية عام 1931 ثم القوة البحرية عام 1937، ووصل تعداد الجيش إلى ذروته في بداية حقبة التسعينيات، ليبلغ عدد أفراده مليون فرد.

المساهمون