طالبت 15 منظمة دولية، تنشط في مجال محاربة التجارب النووية ونزع الأسلحة النووية، اليوم الثلاثاء، الدولة الفرنسية بتحمل مسؤوليتها في معالجة "الكارثة المستمرة" الناجمة عن تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية قبل ستة عقود، والتي لا تزال آثارها الإشعاعية قائمة حتى اليوم، بما في ذلك كشف الوثائق السرية المتعلقة بتلك التجارب وتعويض المتضررين.
وطالبت تلك المنظمات، في وثيقة مشتركة صدرت بمناسبة الذكرى الـ 64 لأول تفجير نووي فرنسي في الجزائر، السلطات الفرنسية "برفع السرية المحيطة بالملفات المتعلقة بالتفجيرات والتجارب النووية في الجزائر، وتزويد الحكومة الجزائرية بقائمة شاملة لمواقع دفن النفايات النووية مع وصف تفصيلي للمواد المدفونة، ونشر البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة، والكف عن الاختباء خلف أسرار الدفاع والأمن الوطني، وتسهيل إجراءات التعويضات وتسريع عملية تعويض الضحايا الجزائريين".
وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على هذه التفجيرات، ما زالت الدولة الفرنسية تتعامل مع هذه القضية بسرية كبيرة، بمبرر أسرار الدفاع الوطني والأمن، إذ ترفض الكشف عن خرائط دقيقة تكشف مواقع النفايات النووية وتحديد مواقع دفن هذه النفايات بدقة، برغم مطالب رسمية قدمتها الجزائر.
وكان قائد أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة قد طلب خلال اجتماعه في الجزائر في إبريل 2021، مع رئيس أركان الجيوش الفرنسية الفريق أول فرانسوا لوكوانتر، "موافاة الجزائر بالخرائط الطبوغرافية، لتتمكن الجزائر من "تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة حتى اليوم".
ودعا البيان السلطات الجزائرية إلى تشجيع ضحايا التجارب النووية ومخلفاتها في الصحراء الجزائرية ومساعدتهم على التقاضي ضد فرنسا لاستعادة حقوقهم والحصول على تعويضات منصفة، و"استخدام الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لها لمساعدة ضحايا التجارب النووية على استعادة حقوقهم المعنوية والمادية، وأن تسمح لأي فرد يسعى للانتصاف له أو لأقاربه بالوصول إلى نسخة مصدقة من الأرشيف المتعلق بالتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية من 1960 إلى 1966".
ووقّعت على الوثيقة 15 منظمة دولية تُعنى في أغلبها بملف محاربة الأسلحة النووية، اقترحت تقديم مساعدة للحكومة الجزائرية لتسهيل نقل قضية بقايا النفايات والإشعاعات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية إلى الرأي العام الدولي، وكشف كارثة التفجير النووي الفرنسي في الجزائر.
التجارب النووية الفرنسية: معاناة مستمرة
ويصادف يوم 13 فبراير/شباط من كل عام، ذكرى إجراء أول تجربة نووية لفرنسا على الأراضي الجزائرية، وتحديداً في منطقة رقان جنوب غربي الجزائر، في العام 1960، والتي أطلق عليها اسم "الجربوع الأزرق"، وبلغت فيها شدة الانفجار النووي ما بين 60 إلى 70 كيلوطناً (حوالي أربعة أضعاف قوة قنبلة هيروشيما)، وتم تصوير الانفجار وتسجيله ونقله على الفور من رقان إلى باريس، ليبثّ مباشرة في النشرة الإخبارية المتلفزة في الساعة الثامنة مساء في اليوم نفسه، مصحوباً بخطاب للرئيس الفرنسي شارل ديغول.
وأعقب هذا التفجير النووي، إجراء 16 تجربة نووية أخرى في الصحراء الجزائرية حتى عام 1966، أي إنها استمرت لأربع سنوات بعد استقلال الجزائر، في مناطق من الصحراء الجزائرية، حيث لا تزال الآثار الكارثية لهذه التجارب النووية مستمرة حتى اليوم على السكان والبيئة في المنطقة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد السكان الجزائريين المتأثرين بهذه التجارب النووية، بلغ ما لا يقل عن 42 ألف نسمة، يعاني الكثير منهم أمراضاً مرتبطة بالتعرض للإشعاع، إذ يلاحظ ارتفاع أعداد حالات السرطان والولادات غير الطبيعية والتشوهات الخلقية، في المدن والبلدات القريبة من مناطق التجارب النووية.
وفي عام 2021، أنشأت الحكومة الجزائرية وكالة حكومية لإعادة تأهيل مواقع التجارب النووية الفرنسية السابقة والانفجارات في جنوبي الجزائر، لكنها لم تنشر منذ إنشائها أية تقارير أو بيانات حول المسألة، والنتائج التي توصلت إليها أو الخطط المنتهجة لذلك.
وفي أغسطس 2022، قرر الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء لجنة مشتركة، تضم خمسة مؤرخين من كل بلد، لمعالجة الملفات الخلافية حول الذاكرة، بما فيها ملف التجارب النووية.