التجارب الصاروخية والمناورات ترفع احتمالات الصدام بين الكوريتين

06 نوفمبر 2022
مناورات أميركية ـ كورية جنوبية في غويانغ، أكتوبر الماضي (كيم جاي هوان/Getty)
+ الخط -

تتسارع التطورات الميدانية في شبه الجزيرة الكورية، بعد تتالي التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية من جهة، ورفع كوريا الجنوبية سقف الردّ بصورة غير معهودة من جهة أخرى، مع مواصلة المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة.

مرحلة ما بعد التجارب

في المقابل، جددت الصين وروسيا دعمهما لكوريا الشمالية، مع بدء الحديث عن مرحلة ما بعد التجارب، وما إذا كانت ستتطور إلى حرب ما، نووية أو تقليدية. وأمس السبت، أعلن الجيش الكوري الجنوبي أن كوريا الشمالية أطلقت أربعة صواريخ بالستية قصيرة المدى باتجاه البحر، في أحدث عملية إطلاق صواريخ ضمن عدد قياسي من عمليات الإطلاق نفّذتها بيونغ يانغ هذا الأسبوع.

وأفادت هيئة الأركان المشتركة في سيول في بيان بأن الجيش الكوري الجنوبي رصد إطلاق الصواريخ "من تونغريم، في مقاطعة بيونغان الشمالية (غرب)، باتجاه بحر الغرب"، مستخدمةً تسمية أخرى للبحر الأصفر. وذكرت أن الصواريخ بلغ مداها نحو 130 كيلومتراً على ارتفاع 20 كيلومتراً تقريباً.

وجاءت عملية الإطلاق في الوقت الذي اختتمت فيه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات "العاصفة اليقظة"، التي استمرت ستة أيام وبدأت في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتضمنت التدريبات العسكرية المشتركة نحو 240 طائرة عسكرية واثنتين من القاذفات الاستراتيجية الأميركية من طراز "بي-1 بي".

"فورين بوليسي": الشمال درس محاولة واشنطن اغتيال صدام حسين
 

وهي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام قاذفات من هذا الطراز في التدريبات المشتركة بين البلدين منذ عام 2017، والتي تظهر "القدرات الدفاعية المشتركة وتصميم جمهورية كوريا الجنوبية والولايات المتحدة على الرد بحزم على أي استفزازات من كوريا الشمالية، وإرادة الولايات المتحدة بالمضي في التزام قوي بالردع الموسع"، بحسب بيان هيئة الأركان المشتركة.

وثار غضب بيونغ يانغ بشكل خاص في الماضي إزاء نشر أسلحة استراتيجية أميركية مثل "بي-1 بي" وحاملات طائرات مع مجموعاتها الضاربة، والتي أرسلت إلى شبه الجزيرة الكورية وقربها في فترات شهدت توتراً متصاعداً.

وفيما لم تعد القاذفة تحمل أسلحة نووية، إلا أن سلاح الجو الأميركي يعتبرها "العمود الفقري لسلاح القاذفات بعيدة المدى الأميركي" القادرة على ضرب أي مكان في العالم. وطالبت بيونغ يانغ، أول من أمس الجمعة، واشنطن وسيول بوقف التدريبات الجوية "الاستفزازية".

ووسط هذه التطورات، اشتبكت الولايات المتحدة وحلفاؤها كلامياً مع الصين وروسيا، مساء الجمعة، بشأن إطلاق كوريا الشمالية المتزايد للصواريخ البالستية والتدريبات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية، مما منع مرة أخرى أي تحرك من قبل مجلس الأمن الدولي المنقسم بشدة.

وقالت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد إن "إطلاق كوريا الشمالية لعدد مذهل من الصواريخ البالستية هذا العام يؤكد سعيها إلى إثارة التوترات وإذكاء الخوف لدى جيرانها". وأشارت إلى أن "13 من أعضاء مجلس الأمن الـ15 دانوا تصرفات كوريا الشمالية منذ بداية العام، لكن روسيا والصين حمتاها، وفعلتا المستحيل لتبرير الانتهاكات المتكررة لعقوبات الأمم المتحدة من قبلها، واستهزأوا بهذا المجلس".

وردّ السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون بالقول إن "إطلاق كوريا الديمقراطية (الاسم الرسمي لكوريا الشمالية) للصواريخ يرتبط ارتباطاً مباشراً بإعادة إطلاق التدريبات العسكرية واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بعد انقطاع دام خمس سنوات، بمشاركة مئات الطائرات الحربية".

وأشار إلى "مراجعة الموقف النووي لعام 2022" الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والتي قالت فيها إنها "تتصور استخدام كوريا الديمقراطية للأسلحة النووية"، معتبراً أن "إنهاء نظام كوريا الديمقراطية هو أحد الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية".

كما ألقت نائبة السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، آنا إيفستينييفا، باللوم في الوضع المتدهور بشكل كبير في شبه الجزيرة الكورية على "رغبة واشنطن في إجبار بيونغ يانغ على نزع سلاحها من جانب واحد باستخدام العقوبات وممارسة الضغوط".

ووصفت التدريبات الأميركية - الكورية الجنوبية بأنها "غير مسبوقة في الحجم"، ورأت فيها "بروفة لشن ضربات ضخمة على أراضي كوريا الديمقراطية". وردت السفيرة الأميركية على كلمات الصين وروسيا بالقول: "هذا ليس سوى ترديد لدعاية كوريا الديمقراطية، والتدريبات العسكرية الدفاعية لا تشكل أي تهديد لأحد".

في غضون ذلك، تطرقت مجلة "فورين بوليسي" إلى الملف الكوري الشمالي، معتبرة أن "كوريا الشمالية سجلت رقماً قياسياً سنوياً جديداً لإطلاق الصواريخ". واعتبرت المجلة في تقرير نُشر أول من أمس الجمعة، أن "التطورات في العقيدة النووية الكورية الشمالية أكثر أهمية من إطلاق الصواريخ، وتزيد من خطر نشوب حرب نووية غير مقصودة، وهو ما يجب أن يدفع سيول وواشنطن إلى إعادة التفكير في سياساتهما الحالية".

وأعادت "فورين بوليسي" التذكير بتحديث بيونغ يانغ، في سبتمبر/أيلول الماضي، قانوناً سُنّ في عام 2013 حول استخدامات الأسلحة النووية، خصوصاً اعتناق نظام كيم جونغ ـ أون عقيدة "الضربة الاستباقية النووية". ورأت أنه في حين أن هذا التهديد قد يعتمد على تطوير قدرات جديدة، فإن احتمال وضع القوات النووية الكورية الشمالية على ما يمكن أن يرقى إلى مستوى التأهب في الأزمات أمر مقلق للغاية.

ليندا توماس غرينفيلد: إطلاق كوريا الشمالية لعدد مذهل من الصواريخ البالستية هذا العام يؤكد سعيها إلى إثارة التوترات وإذكاء الخوف لدى جيرانها

وأضافت "فورين بوليسي" أنه "قد لا يُمكّن هذا الموقف كوريا الشمالية من إطلاق أسلحتها النووية قبل تدميرها في ضربة استباقية فحسب، بل قد يخلق خطر بدء بيونغ يانغ حرباً نووية بناء على تحذير كاذب أو إساءة فهم الغرض من المناورات العسكرية الأميركية أو الكورية الجنوبية"، وهو ما يحصل في الفترة الحالية، لجهة تصاعد نمطية التجارب الكورية الشمالية في موازاة ارتفاع وتيرة المناورات العسكرية بين سيول وواشنطن.

كما تحدثت عن خطر آخر يتمثل في إمكانية تنفيذ هجوم غير نووي، سواء من قبل الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية يستهدف منشأة بالقرب من كيم، وبالتالي يبدو ذلك له كمحاولة اغتيال. وكشفت "فورين بوليسي" أن كوريا الشمالية درست طريقة الحرب الأميركية، خصوصاً محاولة واشنطن قتل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الأيام الأولى من غزو العراق في عام 2003.

وعلى الرغم من أن هذه الضربة لم تكن ناجحة، إلا أنه يبدو أنها تركت انطباعاً كبيراً لدى بيونغ يانغ. ووفق تقرير المجلة، فإنه عدا الأميركيين، فقد أعطت كوريا الجنوبية أسباباً للجارة الشمالية للقلق، إذ منذ نحو 10 سنوات، وضعت سيول استراتيجية لقتل الزعيم الشمالي إذا استخدم الأسلحة النووية.

استثمار سيول العسكري

واستثمرت سيول بشكل كبير في الصواريخ الدقيقة وتطوير قدرات الاستطلاع لتكون قادرة على القيام بذلك. وفي حين تم وضع الخطة للانتقام، أي كردّ على استخدام السلاح النووي، إلا أن سعي سيول للحصول على قدرات لضرب بيونغ يانغ بشكل استباقي، أعطى كيم على الأرجح انطباعاً بأنه سيتم استهدافه في اللحظات الأولى من الصراع.

ورأت "فورين بوليسي" أنه في حرب تقليدية، من المرجح أن تحاول الولايات المتحدة إضعاف قدرات كوريا الشمالية في سلاح الإشارة، بما في ذلك خطوط الاتصال التي تربط كيم بكبار القادة في الجيش الكوري الشمالي، وذلك من أجل تقويض فعالية القوات الشمالية.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون