قد لا يخطر في البال أنّ السؤال الأبرز والأكثر إلحاحاً الذي يتداوله ملايين البريطانيين هذا الصباح هو حالة الطقس، إذ تجمّع المئات منذ مساء الجمعة بالقرب من الشوارع المحيطة بقصر باكنغهام بانتظار اليوم "التاريخي" الذي سيشهد تتويج الملك تشارلز الثالث، وهو التتويج الأول في حياة الغالبية العظمى من البريطانيين.
وتشير التوقعات إلى أنّ الطقس سيكون غائماً ومعتماً وماطراً طوال اليوم، على أن تهدأ الأمطار في وقت متأخر من المساء، أي بعد انتهاء مراسم التتويج والاحتفالات المرافقة لها.
ويبدو أنّ طقس المملكة المتحدة، المتقلّب عادة والضائع بين الصيف والشتاء، لن يوفّر الفرصة للاستعارات اللغوية ثقيلة الظل من قبيل: "حتى سماء بريطانيا مناهضة للملكية"، أو غيرها من العبارات المرافقة لمناسبات كهذه، لكن هذا لن يلغي حقيقة أنّ مئات أو آلاف البريطانيين سيعكّرهم طقس اليوم وسيعيق الفرجة وسيتسبّب بالمزيد من الازدحام.
وحتى صباح أمس الجمعة، كان التتويج هو الحدث الأبرز الذي يحتل كل المساحات العامة وصفحات الجرائد ونشرات الأخبار وخطط نهاية الأسبوع التي يتبادلها الأصدقاء، إذ كانت معظم النقاشات العامة تدور حول التتويج بين مؤيد للملكية ومناهض لها، بين جيلين أو ثلاثة، بين الجيران الذين لم تمنعهم انقساماتهم الحزبية والملكية من إقامة حفلات الشوارع والاحتفال.
بيد أنّ نتائج الانتخابات المحلية التي جرت يوم الخميس، وبدأت نتائجها بالظهور صباح الجمعة، استبدلت الكثير من نقاشات البريطانيين حول التتويج والملكية، بالخسارة الموجعة التي مني بها حزب المحافظين الحاكم.
وخسر حزب المحافظين أكثر من ألف مقعد و50 مجلساً، في حين فاز حزب العمّال المعارض بأكثر من 500 مقعد و23 مجلساً، ما دفعه، بحسب زعيمه كير ستارمر، للبدء بتحضيرات "الانتقال إلى الزعامة" وإلى "داونينغ ستريت".
ولا يزال زعيم حزب المحافظين ريشي سوناك في "داونينغ ستريت"، وربما ستنسيه مراسم التتويج خيبة أمله لبعض الوقت، حيث سيكون يومه مزدحماً بالتحضير لاستقبال بعض الضيوف، وعقد اجتماعات ثنائية، على هامش التتويج، مع بعض الزعماء والمسؤولين.
وكان سوناك قد التقى بالفعل، مساء الجمعة، بالرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وبنظيريه الأسترالي أنطوني ألبانيز والنيوزيلاندي كريس هيبكنز.
جدل حول مأدبة غداء
كما سيستضيف اليوم في مقرّ إقامته مأدبة غداء على شرف "أبطال المجتمع المدني وبعض الأوكرانيين الذين أجبروا على الهروب من منازلهم"، ضمن مبادرة "ذا بيغ لانش" الوطنية التي ترمي إلى جمع الجيران والمجتمعات المختلفة للاحتفال بتتويج الملك، على أن تضمّ قائمة الطعام أصنافاً من كل أنحاء المملكة المتحدة، بما فيها اسكتلندا وويلز.
وشاءت الأقدار والأوضاع السياسية والاقتصادية أن تكتسب هذه المبادرة، وغيرها من المبادرات والنشاطات التي سيقوم بها سوناك، أبعاداً رمزية لا تعدّ ولا تحصى، من بينها أنّ مبادرة "ذا بيغ لانش" ستملأ العديد من شوارع بريطانيا وأحيائها في الوقت الذي يعجز فيه الملايين عن تأمين الغذاء لأطفالهم وسط أزمة الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الطاقة والفواتير والضرائب.
كما أنّ المبادرة تدعو إلى الاختلاف؛ لا بل تشجع على الاختلاف وعلى الدمج بين المجتمعات كافة، في الوقت الذي لم تيأس فيه الحكومة الحالية بعد من ابتداع الأساليب لـ"محاربة" الآخر والمختلف والمهاجر واللاجئ والهارب من الظلم والحروب والسجن، بالضبط كمجموعة الأوكرانيين الذين يستضيفهم سوناك اليوم في بيته "تكريماً" لمعاناتهم.
يضاف إلى ذلك، أنّ التتويج، بشكل أو بآخر، أتاح للمملكة المتحدة فرصة للخروج ولو للساعات من أزماتها الداخلية ومآسيها والانطواء الذي تتسبّب به سياسات حكومة المحافظين والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويجمع التاج، بغض النظر عن تأييده أو مناهضته، في العاصمة البريطانية، عدداً كبيراً من الزعماء العالميين (90 زعيماً) والشركاء الدوليين والأطراف المعنية بالصراعات الدائرة في العالم حالياً.
وسيكون من بين الحاضرين: رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وزوجة الرئيس الأميركي جيل بايدن، وزوجة الرئيس الأوكراني أولينا زيلينسكا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك الأردني عبد الله الثاني وغيرهم ممن أتوا إلى المملكة المتحدة لحضور مراسم التتويج وليس للاجتماع برئيس حكومة أو بزعيم حزب.
إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الحكومة البريطانية مغيّبة أو أنّ دورها هامشي. بالعكس تماماً، الحكومة البريطانية هي المكلّفة بكل التفاصيل وبأدق الأمور، وهي وحدها التي تقرّر قائمة المدعوين وقائمة المحظورين. وإن كان التنبّؤ بقائمة المحظورين سهلاً، حيث يصعب تخيّل أن تدعى دول كسورية مثلاً أو روسيا أو إيران أو فنزويلا أو ميانمار أو أفغانستان، إلا أنّ المفاجئ، على سبيل المثال، كان دعوة الصين التي تعدّ ملامح علاقة حكومة سوناك معها إشكالية ومثار انتقادات.
وإذ اعتذر الرئيس الصيني شي جين بينغ عن المجيء، فقد اختار أن يرسل نائبه هان تشنغ المتهم بقمع التظاهرات السلمية وملاحقة النشطاء، ما أثار غضب العديد من الجمعيات الحقوقية والمؤسسات المدنية، ومنها مؤسسة هونغ كونغ التي اعتبرت أنّ الدعوة "مخزية للغاية" متسائلة عن سبب "تملّق" الحكومة البريطانية لبكين.
يبقى أنّ حكومة سوناك، التي خسرت الانتخابات المحلية الجمعة، تأمل أن تفوز اليوم بفرصة استعراض "القوة الناعمة" لبريطانيا عبر تدفّق الزعماء والشركاء والحلفاء و"الأعداء" وأيضاً المشاهير.
الأمير هاري لن يحظى بفرصة الجلوس في الصف الأول
ويبقى أيضاً أنّ الأمير هاري لن يحظى بفرصة الجلوس في الصف الأول المخصّص لكبار أفراد العائلة المالكة، بل في الصف الثالث بعيداً عن والده، بحسب ما أوردت "سكاي نيوز"، ما يجعل التتويج مرة أخرى انعكاساً منمّقاً لما تعيشه بريطانيا من أزمات دبلوماسية وسياسية وحزبية واقتصادية.