- المدنيون، بما في ذلك جامعو الكمأة، يواجهون مخاطر متزايدة من الاستهداف والألغام، مما يعكس سوء الأحوال المعيشية والتحديات الأمنية في البادية.
- الوضع في البادية يعكس تعقيد الصراع في سوريا، حيث تتقاطع مصالح تنظيم "داعش"، القوات النظامية، المليشيات الإيرانية، والمدنيين، مما يجعل المنطقة مسرحاً للعنف والمعاناة.
تشهد البادية السورية مترامية الأطراف نشاطاً متزايداً لخلايا تنظيم "داعش" التي تستهدف قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية، في وقت كُثرت فيه العمليات التي تستهدف جامعي الكمأة في هذه البادية ولا سيما في القسم التابع إدارياً لمحافظة دير الزور، من قبل مجموعات يُعتقد أنها تابعة لهذه المليشيات.
وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان أن أربعة عناصر من "الفرقة 25 مهام خاصة" التابعة لقوات النظام ومن "حزب الله" اللبناني من حملة الجنسية السورية قتلوا، أمس الأربعاء، إثر هجوم مباغت لخلايا تنظيم "داعش" شنته انطلاقاً من عمق البادية السورية، واستهدفت خلاله مواقع وتجمعات قوات النظام في بادية أثريا، جنوب غربي الرقة، شمال شرقي سورية.
وذكر المصدر ذاته أنّ حصيلة القتلى خلال العمليات العسكرية ضمن البادية السورية بلغت 215 قتيلاً منذ مطلع العام 2024، من بينهم 22 عنصراً من تنظيم "داعش"، و158 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، من ضمنهم 16 شخصاً من المليشيات الموالية لإيران ممن يحملون الجنسية السورية، قتلوا في 79 عملية لعناصر التنظيم ضمن مناطق متفرقة من البادية، تمت عبر كمائن وهجمات مسلحة وتفجيرات في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص.
وفي السياق، ذكرت شبكات إخبارية محلية أنّ 3 عناصر من قوات النظام قتلوا، أمس الأربعاء، قرب منطقة دويزين في ريف حماة الشرقي بهجوم من خلايا تنظيم "داعش" الذي زاد وتيرة عملياته في البادية السورية منذ بداية العام الجاري.
وشنّ التنظيم العديد من الهجمات الواسعة ضد قوات النظام في الآونة الأخيرة، لعل أبرزها الهجوم الذي نفذ في مطلع العام الجاري في بادية دير الزور، وأدى إلى مقتل نحو 9 من قوات النظام ومليشيات محلية تابعة لها. ويُعتقد أن خلايا التنظيم تتخذ من الهضاب والجبال في البادية أماكن تخفٍ وتمركز تنطلق منها لشنّ الهجمات بين وقت وآخر والتي تصل أحياناً إلى أطراف مدينة دير الزور الخاضعة للنظام والمليشيات الإيرانية.
وكان "داعش" قد لجأ إلى البادية مع اشتداد الهجمات عليه في سورية والعراق، والتي انتهت في مطلع عام 2019، مع السيطرة على جيب الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، آخر معقل للتنظيم، من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وباتت البادية منطقة نفوذ واسعة للتنظيم الذي يعد المتحكم الفعلي بها، وخاصة في الليل وفي الظروف الجوية الصعبة.
وتشكّل البادية نحو نصف مساحة سورية، وتمتد من ريف السويداء وريف دمشق وريفي حماة وحمص غرباً إلى الحدود السورية العراقية شرقاً، ومن الحدود السورية الأردنية جنوباً إلى أطراف محافظتي الرقة ودير الزور شمالاً. وتقع مساحة من البادية تُعرف باسم "منطقة الـ55" تحت سيطرة فصائل تابعة للمعارضة، تتلقى دعماً من التحالف الدولي الذي يتخذ من منطقة التنف على الحدود السورية العراقية قاعدة له. ويمنع التحالف الدولي أي قوات غير صديقة من الاقتراب من القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، من أجل حمايتها من أي هجمات يمكن أن تشنها مليشيات إيرانية أو خلايا "داعش".
ولا ينحصر القتل في البادية السورية بالعمليات التي ينفذها تنظيم "داعش"، بل كثُرت في الآونة الأخيرة حوادث استهداف جامعي الكمأة في البادية من مجموعات يُعتقد أنها تابعة للمليشيات الإيرانية التي نفذت ولا تزال عمليات قتل واسعة لأشخاص مدنيين أثناء بحثهم عن ثمار الكمأة في هذا الوقت من كل عام.
ولا يكاد يمر يوم منذ أواخر الشهر الفائت من دون حوادث تطاول جامعي الكمأة من المدنيين، لعل أكبرها ذاك الذي جرى في مطلع الشهر الجاري في بادية كباجب بريف دير الزور الجنوبي، حيث قُتل وفُقد العشرات في هجوم أكدت مصادر محلية أن مجموعات إيرانية تقف وراءه، فيما نسبته مصادر إعلامية إلى خلايا "داعش". كما لقي العديد من الأشخاص مصرعهم في البادية بالآونة الأخيرة نتيجة انفجار ألغام من مخلفات الحرب التي شهدتها المنطقة طيلة أعوام بين مختلف الفرقاء في الساحة السورية.
وبيّن الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المدنيين من جامعي الكمأة يتعرضون لاعتداءات منذ عدة سنوات"، مشيراً إلى مقتل واصابة المئات في العام الفائت، وأوضح أنّ البادية السورية "ممر إمداد للمليشيات الإيرانية في سورية، لذا تستهدف المليشيات هؤلاء المدنيين في حال مرورهم في هذا الممر الممتد من العراق شرقاً إلى العاصمة دمشق غرباً".
وأشار البوكمالي إلى أنّ الأرتال الإيرانية التي تتحرك في البادية السورية قادمة من العراق "لا تتعرض لأي هجوم واسع من قبل خلايا التنظيم"، مضيفاً "هذا يؤكد أنّ المليشيات هي التي تقوم بعمليات قتل المدنيين الذين يجمعون الكمأة لبيعها بالأسواق بسبب سوء الأحوال المعيشية".