الانسحاب من أفغانستان: الحكومة تحرك القبائل ضد "طالبان"

29 مايو 2021
شكّلت القبائل حاضنة طبيعية للأحزاب و"طالبان" بالذات (فرانس برس)
+ الخط -

على وقع استمرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، يشدّد الرئيس الأفغاني أشرف غني على أن حكومته ستفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي بعد إتمام الانسحاب بالكامل بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل. كما يؤكد حاجة بلاده إلى اتخاذ سلسلة من القرارات المصيرية الصعبة في الفترة المقبلة. لكن حسابات غني لا تتوافق مع رأي المحلل الأمني سنكر وزير، الذي يعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن أفغانستان تمرّ بمنعطف خطير وحساس للغاية، محذّراً من اندلاع حرب أهلية على غرار ما حصل في تسعينات القرن الماضي بعد خروج القوات السوفييتية (اجتاحت أفغانستان بين عامي 1979 و1989)، وسقوط حكومة محمد نجيب الله بيد الأحزاب الجهادية، في حال لم تصل جهود السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" إلى نتيجة.

ولا شك أن للقبائل الأفغانية دوراً مهماً للغاية في الفترة المقبلة، سواء في فترة حربية كما هو الحال الآن، أم في حالة السلام، في حال نجحت المفاوضات بين الحكومة و"طالبان". وهو دور مشابه لأدوار سابقة في العقود الأربعة الماضية، خصوصاً في مرحلة ما بعد اجتياح القوات الأميركية والدولية أفغانستان في عام 2001، بحجة محاربة تنظيم "القاعدة" المتورط في أحداث 11 سبتمبر من العام عينه. ووفرت القبائل الحاضنة الأساسية لحركة "طالبان"، تحديداً قبائل البشتون التي تقطن في شرق وجنوب وبعض مناطق الشمال الأفغاني.

تحذيرات متجددة من احتمال اندلاع حربٍ أهلية بعد انسحاب القوات الأجنبية

ويبدو أن الحكومة الأفغانية كانت مهتمة بدور القبائل في مستقبل البلاد، فباشرت العمل منذ أكثر من عام لاستيلاد صيغة للتنسيق معها واستدراجها للدفاع عن مصالحها، عبر قنوات مختلفة تديرها الرئاسة الأفغانية ومكتب حمد الله محب، المستشار الأمني لغني. وكان آخر ما فعلته الحكومة بهذا الخصوص هو إعلان تشكيل هيئة قبلية يوم الإثنين الماضي، تضمّ أكثر من 500 عضو من الزعامات القبلية. وفي العنوان العريض لهذه الخطوة، كشفت الحكومة أنه سيكون للهيئة دور في تقديم المشورة إلى الرئيس الأفغاني وإلى الوزراء بشأن عملية السلام، علاوة على تصفية المشاكل القبلية الموجودة في المنطقة، وهو أمر يرحًب به الأفغان عموماً. لكن بالنظر إلى الحالة الحساسة السائدة في البلاد، الناجمة عن قرار خروج القوات الأجنبية، يخشى الكثيرون أن يكون هدف الخطوة تحريك القبائل من أجل الوقوف في وجه "طالبان"، لا سيما أنه سبق للحكومة أن شكّلت ثلاثة كيانات عسكرية، لتكون خط النار الأول في وجه الحركة.

وحول هذه التطورات، يعتبر الزعيم القبلي في الشرق الأفغاني سميع الله خان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الأفغانية، وكل من له علم بالساحة والتاريخ الأفغانيين، يعرف جيداً مدى أهمية هذه القبائل في تغيّر الأوضاع. كما أنها باتت "الصندوق الأحمر" لكل من غزا هذه البلاد، وكانت الحاضنة الأساسية للقوى المحلية، مثل الأحزاب الجهادية التي استطاعت أن تقصم ظهر القوات السوفييتية، بسبب دعم القبائل. وحضرت القبائل أيضاً في دعم "طالبان" في مواجهة القوات الأجنبية، لذلك سعت الحكومة لمحاولة الفصل بين "طالبان" والقبائل في المرحلة الأولى، كي تضعهما في مواجهة بعضهما بعضاً في المرحلة الثانية.

لكن رئيس إدارة مراقبة الحكومات المحلية في الحكومة الأفغانية شميم كتوازي، قال في أول جلسة لأعضاء الهيئة في القصر الرئاسي الأفغاني، يوم الإثنين الماضي، إن خلف تشكيل الهيئة ثلاثة أهداف رئيسية هي: تقديم المشورة للحكومة في مجال السلام، والعمل داخل القبائل من أجل الصلح، وإقرار الأمن. وكشف عن سعي الحكومة لحلّ المشاكل والصراعات الموجودة بين القبائل. أما وزير الشؤون القبلية محب الله صميم، فذكر في كلمة له في الاجتماع نفسه، أن البلاد تمرّ بمرحلة حرجة وحساسة، وأن التنسيق بين القبائل والإصغاء لآرائهم يقودنا نحو السلام الدائم والنجاح، لذا قررت الحكومة تشكيل هذا الكيان الجديد وهو مهم للغاية لمستقبل البلاد.

ثمة دوافع أساسية تساعد الحكومة الأفغانية في الفترة الراهنة على تحريك القبائل ضد "طالبان"، أهمها خروج القوات الأجنبية، وهي خطوة مهمة إذا استطاعت الحكومة أن تستخدمها بشكل صحيح، كي تتخلى القبائل عن "طالبان" ولو جزئياً، خصوصاً أن الدافع الأساسي الذي كان وراء هذا الدعم سينتهي بخروج القوات الأجنبية من أفغانستان. وتتصوّر الحكومة أنه بعد خروج هذه القوات، ستنتهي الحرب بين الأطراف الأفغانية نفسها، وستتخلى عن "طالبان"، حتى لو لم تقف في صف الحكومة.

وسمح تعامل الحركة مع القبائل ومع المباني الحكومية أخيراً، بعد سيطرتها على مناطق مختلفة، تحديداً في قندهار جنوباً ولغمان شرقاً، للحكومة في تحريك القبائل ضد الحركة. وعلى سبيل المثال سيطرت "طالبان" على مديرية أرغنداب في قندهار لأسابيع، غير أنه بعدما استعادتها الحكومة قبل أيام، كانت المديرية شبه متهالكة، إذ كانت كل الطرقات مزروعة بالألغام، وكل المباني السكنية تحولت إلى ثكنات عسكرية استفادت منها الحركة. ودفعت هذه التطورات قبائل أرغنداب للوقوف في وجه "طالبان" قبل الحكومة، خشية على منازلهم وقراهم. ولم يقتصر الأمر على أرغنداب، بل طاول أيضاً لغمان وهلمند، حين سيطرت "طالبان" على المباني الحكومية ونهبت محتوياتها ودمّرتها بشكل كامل.

شكّلت الحكومة ثلاثة كيانات من رحم القبائل لمواجهة "طالبان"

وتحاول الحكومة الأفغانية توجيه الأنظار إلى باكستان، على اعتبارها الداعمة الأساسية لـ"طالبان"، خصوصاً أن التصريحات الأخيرة للمستشار حمد الله محب ومسؤولين عسكريين تؤكد ذلك. وبطبيعة الحال، إن للجيل الشاب لدى القبائل حساسية كبيرة تجاه هذا الموضوع.

ومع أن ولاءات القبائل موزعة بين الحكومة و"طالبان" ومحايدين، إلا أن الحكومة استغلتها في السنوات الماضية، وشكّلت منها ثلاثة كيانات لمحاربة طالبان. الكيان الأول عبارة عن شرطة محلية تحت اسم "أربكي" (الجيش القبلي)، تمّ تأسيسها في عهد الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، التي قررت حكومة أشرف غني القضاء عليها، لكنها فشلت. ويعود السبب إما إلى انتماء معظم القادة الميدانيين في الشرطة إلى الأحزاب التي قاتلت ضد السوفييت، أو لكونهم أمراء حربٍ، كعبد الرشيد دوستم في فارياب وجوزجان وسربل، والأمين العام لـ"الجمعية الإسلامية" عطاء محمد نور، الذي يواليه معظم أفراد الشرطة المحلية في إقليم بلخ.

الكيان الثاني هو الجيش المحلي، الذي باشرت وزارة الدفاع الأفغانية تشكيله قبل سنتين، عبر تدريب شباب القبائل في كل منطقة لستة أشهر، قبل إرسالهم إلى مناطقهم لمواجهة "طالبان"، مع منحهم أسلحة ثقيلة وخفيفة ومدرعات ودبابات، بصورة مشابهة للجيش الأفغاني. مع العلم أن قادة هذا الكيان لا ينتمون للقبائل، بل هم ضباط يُفرزون من الجيش الأفغاني. وقد بدأ نشر فصائل من هذا الكيان شرقي البلاد وجنوبها، ونجحت في استعادة بعض المناطق من سيطرة "طالبان".

أما الكيان الثالث، فتمحور حول تشكيل ما سُمي "انتفاضة القبائل" في وجه "طالبان"، في الظاهر، غير أنه في الأساس مشروع استخباراتي لتشكيل مليشيات قبلية، تحت إدارة الاستخبارات الأفغانية بغطاء قبلي. ومعروف أن تضامن القبائل الأفغانية فيما بينها كبير، وهو ما تسعى الاستخبارات الأفغانية لاستثماره عبر تفعيل هذه العادة وتوجيهها ضد "طالبان".

المساهمون