الانسحاب الأميركي من العراق: تأثيرات سياسية وأمنية

23 يونيو 2021
لدى واشنطن حالياً قرابة 2500 جندي في العراق (جون مور/Getty)
+ الخط -

فتح التمدد الأخير لمسلحي حركة "طالبان" وسيطرتهم على عدد من المديريات والمناطق الأفغانية على وقع الانسحاب الأميركي وتراجع الدعم الجوي الأميركي للقوات الأفغانية في تلك المناطق، جدلاً سياسياً وأمنياً جديداً في العراق، بشأن إمكانية تأثر الوضع الأمني في البلاد، إذا ما قررت الولايات المتحدة سحب ما تبقى من قواتها بشكل نهائي ووقف الدعم الجوي للقوات العراقية، كما تطالب منذ ما يقرب من عامين قوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لطهران.
وتمتلك واشنطن حالياً قرابة 2500 جندي وعسكري في العراق، وهو أقل تمثيل عسكري لها منذ العام 2015، بعد انسحاب قرابة ثلاثة آلاف عسكري منذ مطلع مارس/آذار من العام الماضي ولغاية الآن، وإنهاء التواجد في قواعد ومواقع عسكرية عدة أبرزها "التاجي" بمحافظة صلاح الدين، و"كي وان" في محافظة كركوك، و"التقدم" بمحافظة الأنبار، و"البعاج" بمحافظة نينوى، وترك معدات عسكرية مختلفة تقدر بنحو 80 مليون دولار للقوات العراقية، وُصف بعضها بأنه هدية في إطار الدعم الأميركي لبغداد بمواجهة تنظيم "داعش".

الدعم الأوسع الذي تقدمه القوات الأميركية متأت من الغطاء الجوي

وتتوزّع القوات الأميركية في العراق حالياً على ثلاث قواعد رئيسة هي "عين الأسد"، و"حرير"، في الأنبار وأربيل غربي وشمال البلاد، إضافة إلى معسكر "فيكتوريا" قرب مطار بغداد الدولي، لكن الدعم الأوسع الذي تقدمه القوات الأميركية متأت من الغطاء الجوي الذي يؤمن مساحات واسعة في صحراء الأنبار والحدود العراقية السورية ومناطق شمال العراق، وأبرزها سلاسل جبال حمرين، وقره جوخ، والحضر والجزيرة، ضمن نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى. وتنفذ الطائرات الأميركية بشكل شبه يومي وضمن مهام التحالف الدولي، عمليات ضد تنظيم "داعش"، انطلاقاً من قواعد في الخليج العربي وقاعدة إنجرليك التركية. كما تتولى القوات الأميركية بشكل مباشر عمليات دعم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي ووحدات خاصة في الجيش في مهام تستهدف كبار قيادات تنظيم "داعش" وخلاياه في العراق، إضافة إلى تقديم برامج تدريب ودعم عسكري لضباط سلاح الجو ووحدات الدروع والدبابات.

وتضغط قوى سياسية عدة في بغداد أبرزها تحالفا "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بشأن ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، بينما تواصل فصائل مسلحة شن هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة على مصالح أميركية وقواعد عسكرية تضم قوات أميركية وأخرى تتبع التحالف الدولي، ضمن سياسة الضغط الأقصى على الحكومة. يأتي ذلك وسط ترقّب لعقد جولة رابعة للحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، بموعد مبدئي كشفت عنه خلية الإعلام الأمني في وقت سابق، وقالت إنه سيكون بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين في واشنطن، خلال زيارة مرتقبة للكاظمي للعاصمة الأميركية، سيكون على رأس جدول أعمالها بحث وضع القوات الأميركية وجاهزية القوات العراقية، مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض.

وما زالت حكومة الكاظمي تتحدث في هذا الإطار عن سحب القوات القتالية الأجنبية، في إشارة إلى عدم موافقتها على انسحاب القوات الأميركية ككل، أو إنهاء التفويض الممنوح للتحالف الدولي منذ نحو 7 سنوات، وهو ما ترفضه أطراف حليفة لطهران وتعتبره تحايلاً من قبل الحكومة.

وفي هذا السياق، كشف مسؤول عسكري في قيادة العمليات المشتركة بالعاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "العراق سيشهد خلال الفترة المقبلة الإعلان عن انسحاب دفعة جديدة من الجنود الأميركيين ليتراجع العدد الكلي للقوات الأميركية في البلاد إلى قرابة ألفي عسكري؛ أكثرهم سيكون تحت عنوان مدربين ومستشارين ولن تكون لديهم أي مهام قتالية، على غرار القوات التي كانت موجودة طوال سنوات الحرب المباشرة ضد تنظيم داعش، بمعنى أنهم غير قادرين على مغادرة القواعد التي يتواجدون فيها من دون مرافقة القوات العراقية". وأضاف أنّ "الخطوة تأتي ضمن نتائج الجولات السابقة للحوار الاستراتيجي واللجنة الفنية المشتركة التي بدأت أعمالها في إبريل/نيسان الماضي بين العراق والولايات المتحدة"، ومن المرجح، وفقاً للمسؤول ذاته، أن يتم الإعلان عن الخطوة قبل حلول الانتخابات المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

العراق سيشهد خلال الفترة المقبلة الإعلان عن انسحاب دفعة جديدة من الجنود الأميركيين

واستبعد المسؤول العسكري أن يحصل انسحاب كامل للقوات الأجنبية ضمن التحالف الدولي في العراق، هذا العام على الأقل، قائلاً إن "التقييم الذي قدمه قادة الجيش والمسؤولون الأمنيون للحكومة، يبيّن استمرار الحاجة للدعم الجوي الذي تقدمه القوات الأميركية للعراق في تتبع بقايا تنظيم داعش وجيوبه المسلحة، وتحديداً في صحراء غرب العراق والمحور الشمالي الممتد على طول يصل إلى 300 كيلومتر من سلسلة جبال حمرين ولغاية الحدود مع سورية من جهة نينوى، فضلاً عن الحاجة لبرامج التدريب والدعم والتسليح الذي تقدمه دول التحالف للعراق". واعتبر المسؤول ذاته أنّ "وقف الدعم العسكري الأميركي للعراق في الوقت الحالي ستكون له انعكاسات سلبية على المشهد الأمني عموماً".

والسبت الماضي، أكد المستشار السياسي للحكومة، مشرق عباس، وجود مساع لـ"إنهاء وجود القوات القتالية الأميركية الموجودة ضمن التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، نهاية العام الحالي"، معتبراً أن بلاده "لا تحتاج لقوات قتالية على أرضها؛ سواء أميركية أو غيرها، والجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي (عقدت في إبريل الماضي) بين بغداد وواشنطن، أقرّت فقرات الانسحاب وتشكيل لجان عسكرية مشتركة".

وكانت آخر دفعة من العسكريين الأميركيين أعلنت بغداد عن انسحابها رسمياً، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بواقع 500 جندي أميركي كانوا يتولون مهام قتالية في البلاد. وقالت السلطات في بغداد حينها إنّ الانسحاب يأتي على ضوء الحوار الاستراتيجي بين البلدين.

في السياق ذاته، حذّر عضو التحالف الكردستاني، والنائب السابق في البرلمان، ماجد شنكالي، من أن الانسحاب الأميركي "سينعش جيوب وخلايا التنظيمات الإرهابية، خصوصاً في مناطق نينوى وصلاح الدين وكركوك"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من كون الوضع مختلف بين الحالة العراقية والأفغانية، لكن انسحاب القوات الأميركية سيؤدي لحالة عدم توازن وتزايد نفوذ عصابات داعش في المناطق الرخوة". واعتبر شنكالي أنّ "القوات العراقية ما زالت غير قادرة على مسك ملف الأمن في البلاد، وقوات الدفاع الجوي وسلاح الجو غير مكتملين للسيطرة على الأوضاع، ولاحظنا الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة والصواريخ التي تعد خير مثال على ذلك". وتابع "الانسحاب فيه خطر كبير على استقرار العراق والمنطقة، إذا لم تكن هناك جهوزية عراقية"، معتبراً أنّ "الانسحاب سيصب في صالح النفوذ الإيراني، وتمدد الفصائل والأذرع المسلحة التابعة لطهران".

شنكالي: الانسحاب الأميركي سينعش جيوب وخلايا التنظيمات الإرهابية

لكن عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح"، وليد السهلاني، كشف لـ"العربي الجديد"، عن "تقرير جديد صدر عن رئاسة أركان الجيش العراقي، أكد قدرة العراق على إدارة الملف الأمني بالكامل من دون الحاجة للقوات الأجنبية". وأضاف السهلاني أنّ "التقرير كان واضحاً، وجرت مناقشته خلال الاجتماع الأخير للجنة الفنية المشتركة بين العراق والتحالف الدولي، وهناك قناعة بعدم حاجة العراق لقوات برية".

واعتبر أنّ "هناك فرقا كبيرا بيننا وبين أفغانستان؛ ميدانياً وعسكرياً وسياسياً وفنياً. لكن نعم، لا بدّ من أن يكون هناك حراك سياسي نطمئن من خلاله دول الجوار والعالم بأن العراق مقتدر، ويمكنه إدارة ملفه الأمني من دون الحاجة للقوات الأجنبية، ولن يتكرر سيناريو 2014 (اجتياح داعش لمناطق واسعة بالعراق) مرة أخرى".

من جهته، قال النائب عن التحالف نفسه (الفتح)، محمود الربيعي، إن حكومة مصطفى الكاظمي "غير جادة في مسألة الانسحاب الأميركي من العراق"، مضيفاً أن ما وصفها بـ"المقاومة"، باتت "تمثل ورقة ضغط كبيرة على واشنطن لإخراج قواتها من العراق، وهناك تكليف شرعي وقانوني يفرض إخراج القوات الأميركية"، بحسب تصريحات نقلتها وكالة أخبار محلية عراقية، أول من أمس الإثنين.

ونهاية إبريل الماضي، استعمل زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، أبرز الجماعات المسلحة الحليفة لإيران، قيس الخزعلي، مصطلح "الطريقة الأفغانية"، في حديثه عن إخراج القوات الأجنبية من العراق، قائلاً إن "لغة الحوار والمنطق لا تنفع معهم (الولايات المتحدة)، والطريقة الأفغانية هي الطريقة الوحيدة لإخراجهم".

الدليمي: نتائج أي انسحاب أميركي سريع من العراق ستكون سياسية أكثر من كونها أمنية

من جانبه، اعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، إياد الدليمي، أنّ "نتائج أي انسحاب أميركي سريع من العراق ستكون سياسية أكثر من كونها أمنية"، مؤكداً على "عدم وجود أوجه للمقارنة بين الحالتين الأفغانية والعراقية". وأضاف الدليمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش اليوم ليس كما كان عام 2014، ووجود التنظيم حالياً بات محصوراً في مناطق متباعدة جغرافياً داخل العراق، ناهيك عن قلة عدد المسلحين وفقر البنى التحتية العسكرية والتسليحية له، وغياب الكثير من عوامل قوته التي كان يتمتع بها إبان مرحلة صعوده. لكن هذا لا يعني أن الانسحاب الأميركي من العراق قد لا يتسبب بزيادة الهجمات، ويمكن اعتبار أنّ داعش يترقّب هذه اللحظة وما زالت لديه الرغبة في القتال وإعادة ترتيب صفوفه، لكن كما أسلفت لن يكون بذات تأثيره السابق".

واعتبر الدليمي أنّ "السؤال الأهم الآن هو هل يمكن أن يكون الانسحاب الأميركي من العراق شاملاً؟ بمعنى سحب جنود الأرض وطائرات السماء؟ لا أعتقد أنّ واشنطن معنية بإنهاء وجودها العسكري في العراق على الطريقة الأفغانية، وإذا ما حصل خروج واسع للقوات الأميركية، فبالتأكيد سيبقى هناك تواجد عسكري في مناطق إقليم كردستان الذي لا يخضع فعلياً لسلطة بغداد". ورأى أن "القوى السياسية الموالية لإيران وأذرعها المسلحة تدفع باتجاه الانسحاب الأميركي، وقد يجد ذلك هوى في واشنطن خاصة إذا ما تمّ التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران يرضي أميركا، لكن بالتأكيد سيبقى ملف الوجود العسكري الأميركي سياسياً أكثر منه أمنياً".

(شارك في التغطية من بغداد: سلام الجاف)

المساهمون