لم تغيّر النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية الرابعة، بعد فرز أكثر من أربعمائة ألف مغلف مزدوج، من النتائج الجزئية التي كان قد تم فرزها يومي الثلاثاء والأربعاء، باستثناء تثبيت حصول حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس على 8 مقاعد، وتراجع القائمة العربية الموحدة إلى أربعة مقاعد، وتثبيت قوة "الليكود" بقيادة بنيامين نتنياهو عند 30 مقعداً. ولم تغيّر النتائج في موازين القوى التي توقعتها استطلاعات الرأي عشية الانتخابات، والتي تحدثت عن تثبيت حالة التعادل بين المعسكرين، أو عجز نتنياهو عن تشكيل حكومة جديدة، والطعن بقدرة المعسكر المناهض له على تشكيل حكومة بديلة بفعل عدم تجانسه حتى في حال حصوله على 61 مقعداً.
وحصل المعسكر المناصر لنتنياهو والمكوّن من حزب "الليكود" وحزب "يهدوت هتوراة" وحركة "شاس" وحزب "هتسيونوت هدتيت" على 52 مقعداً فقط. في المقابل، حصل المعسكر المناهض لنتنياهو من الأحزاب الصهيونية على اختلاف تنوعها بين يمين ويسار على 51 مقعداً فقط، وفي حال إضافة المقاعد العشرة التي حصلت عليها القائمتان العربيتان: القائمة المشتركة والقائمة العربية الموحدة، يحصل هذا المعسكر على 61 مقعداً، والتي يفترض أن تكفي نظرياً لتشكيل ائتلاف حكومي جديد.
لكن واقع العنصرية في إسرائيل الذي لا يعترف بشرعية مشاركة الأحزاب العربية في تشكيل الحكومات، أو الاعتماد على دعمها من خارج الائتلاف الحكومي، يعزز الأزمة السياسية في إسرائيل وإشكالية تشكيل حكومة جديدة، ويقرّب إسرائيل من انتخابات خامسة، خصوصاً بعد أن خرج حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت من الانتخابات بسبعة مقاعد فقط لا تؤهله لأن يلعب دور "المرجح" لكفة أي من المعسكرين. وحتى لو انضم حزب "يمينا" إلى معسكر نتنياهو، سيبقى هذا المعسكر بحاجة لمقعدين لتشكيل حكومة، بأغلبية 61 صوتاً. أما في حال انضمامه إلى المعسكر المناهض، فإن مجموع مقاعد هذا المعسكر لا يتجاوز 58 مقعداً ما لم يقبل بشراكة عربية.
رفض شركاء نتنياهو دعم حكومة تعتمد على أصوات عربية
ومع أن المعركة الانتخابية سارت تحت وهم أو الترويج لإمكانية أن تدعم القائمة العربية الموحدة بقيادة النائب منصور عباس (حصلت على 4 مقاعد بعد انشقاقها عن القائمة المشتركة للأحزاب العربية) حكومة بقيادة نتنياهو، إلا أنه في الوقت الذي كرر فيه النائب عباس تصريحات توحي بإمكانية دعم حكومة برئاسة نتنياهو من الخارج، أو حكومة بقيادة المعسكر المضاد مقابل تحقيق مطالب للمجتمع العربي، فقد سارع نواب في "الليكود"، وشركاء نتنياهو من حزب "هتسيونوت هدتيت"، إلى دفن هذا الخيار ووأده في مهده، بإعلانهم أنهم لن يشاركوا ولن يدعموا حكومة تعتمد على أصوات عربية (لا من الخارج ولا من الداخل ولا من اليمين ولا من اليسار) بحسب تصريح للفاشي إيتمار بن غفير من حزب "هتسيونوت هدتيت". في المقابل، فإن أصواتاً مماثلة صدرت عن نواب في المعسكر المناهض لنتنياهو، أعلنت رفضها تشكيل حكومة تعتمد على أصوات عربية، سواء من القائمة العربية الموحدة بقيادة عباس، أو من القائمة المشتركة بقيادة أيمن عودة، وفق تصريحات أدلت بها مساء الخميس، عضو الكنيست يفعات شاشا بيطون من حزب "تكفا حداشاه" بقيادة غدعون ساعر.
هذه السرعة في إشهار المواقف الصهيونية المثابرة في عدم الاعتراف بشرعية أو إمكانية التعاون مع الأحزاب العربية، ساهمت في إطلاق العنان لسيناريوهات مختلفة حول التشكيلات الحكومية، تبدأ بنجاح نتنياهو بعد ضم حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت لمعسكره، بوعود شتى وحقائب وزارية مهمة وحتى اقتراح تناوب معه، باستمالة وسحب نائبين إضافيين من الأحزاب المناهضة له، مروراً باستعادة واستمالة حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان وربما حزب "تكفا حداشاه" برمته تحت عنوان مصالحة في معسكر اليمين، وحتى إقناع الجنرال غانتس بالحصول على أصوات حزبه "كاحول لفان" الـ8 لتأييد حكومة مع نتنياهو مقابل التعهد بتطبيق اتفاقية التناوب. وانتهاء بسيناريو يتمكّن فيه خصوم نتنياهو من الاتفاق مع نفتالي بينت على ترشيحه أمام الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين لتكليفه بتشكيل الحكومة، وعندها، بعد الحصول على توصية من القائمة المشتركة والقائمة العربية الموحدة، الاتجاه إلى أحزاب الحريديم وخصوصاً حزب "يهدوت هتوراة" للانضمام إلى الائتلاف الجديد وتشكيل حكومة لا تكون الأحزاب العربية جزءاً منها أو داعمة لها حتى من الخارج.
وعلى الرغم من رواج هذه السيناريوهات، يبقى سيناريو الذهاب إلى انتخابات خامسة يلوح في فضاء السياسة الإسرائيلية، على الأقل حتى بداية المشاورات الرسمية التي سيطلقها ريفلين مع مختلف الكتل البرلمانية الأسبوع المقبل، بعد تسلمه يوم الأربعاء المقبل النتائج الرسمية للانتخابات. لكن الموعد الأكثر أهمية في هذا السياق الذي يمكن أن يحمل مؤشرات أكثر وضوحاً، هو السادس من إبريل/نيسان المقبل. ففي هذا التاريخ، سيؤدي الكنيست المنتخب اليمين الدستوري، وسيكون على نوابه انتخاب رئيس جديد للكنيست بدلاً عن الرئيس الحالي من "الليكود" يريف لفين. وفي حال تمكّن المعسكر المناهض لنتنياهو من الاتفاق على انتخاب عضو الكنيست مئير كوهن من حزب "ييش عتيد" خلفاً ليريف لفين، سينتقل مباشرة إلى محاولة سنّ قانون يمنع أي عضو كنيست توجد ضده لائحة اتهام رسمية (المقصود هو رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو) من الحصول على تكليف بتشكيل الحكومة، على أن يبدأ سريانه بعد الانتخابات المقبلة. وسيكون ذلك دليلاً على اتجاه الأحزاب المناهضة لنتنياهو إلى تضييع الوقت والمماطلة في محاولات تشكيل الحكومة الجديدة حتى أواخر سبتمبر/أيلول المقبل، كي يتسنى إجراء الانتخابات المقبلة في ديسمبر/كانون الأول بعد أن يكون بني غانتس قد تسلم منصب رئاسة الحكومة بموجب اتفاقية تشكيل الحكومة الحالية، على الرغم من كونها حالياً حكومة تصريف أعمال، مما سيضعف نتنياهو في حال جرت انتخابات جديدة في ديسمبر لا يكون فيها رئيساً.
في المقابل، سيحاول نتنياهو حتى موعد السادس من إبريل، تأمين عضوين إضافيين إضافة لأعضاء كتلة "يمينا"، لتكليفه بتشكيل حكومة، يتمكن بمجرد تشكيلها من التخلص من عبء وخطر اضطراره لتسليم مقاليد الحكم لغانتس وفق اتفاقية التناوب، لأن تشكيل حكومة جديدة سيلغي هذه الاتفاقية، وثانياً وهو الأهم والسبب الرئيسي للأزمة السياسية في إسرائيل، سنّ قانون بأثر رجعي يحول دون محاكمة رئيس حكومة يزاول منصبه، وبهذه الطريقة إلغاء محاكمته بتهم الفساد وتلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة، علماً أن هذه المحكمة ستبدأ جلسات الاستماع للشهود ضد نتنياهو الشهر المقبل.
سيحاول نتنياهو حتى موعد السادس من إبريل، تأمين عضوين إضافيين إضافة لأعضاء كتلة "يمينا"، لتكليفه بتشكيل حكومة
أخيراً تشكل نتائج الانتخابات في سياق الفلسطينيين في الداخل، وتراجع تمثيلهم في الكنيست من خلال القائمتين العربيتين بفعل تراجع وانخفاض نسبة التصويت إلى ما دون 50 في المائة، ضربة للأحزاب العربية المنضوية في القائمتين. وأظهرت النتائج عملياً تراجع ثقة الناخبين العرب بهذه الأحزاب بفعل الانشقاق والتناحر بين القائمتين خلال المعركة الانتخابية، من جهة، ومن جهة أخرى غضبهم من أداء النواب في الكنيست، وفشل خطاب ونهج التأثير الذي حملته القائمة المشتركة وتعللت به أيضاً في تبرير التوصية على غانتس بعد الانتخابات الأخيرة، لكن الأخير ضرب بتوصيتها عرض الحائط واتجه لتشكيل حكومة الطوارئ مع نتنياهو. ويعزز هذا الأمر حقيقة أن الاستطلاعات التي جرت في إسرائيل بعد حل الكنيست في ديسمبر/كانون الأول الماضي وقبل وقوع الانشقاق رسمياً في فبراير/شباط الماضي، توقعت تراجع قوة القائمة المشتركة إلى 10-11 مقعداً.