الانتخابات المغربية: محاولة جديدة لزيادة المشاركة النسائية في القرار السياسي

14 فبراير 2021
فازت 81 امرأة في انتخابات 2016 (فرانس برس)
+ الخط -

"المرأة المغربية الفاعلة سياسياً تستحق المزيد من مساحات العمل داخل المؤسسات المنتخبة وعلى رأسها البرلمان". بهذه العبارات تلخّص النائبة البرلمانية عن حزب "الأصالة والمعاصرة"، أكبر أحزاب المعارضة، ابتسام عزاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، تجربة خمس سنوات من دخولها المؤسسة التشريعية من بوابة نظام التمييز الإيجابي أو المحاصصة، الذي بمقتضاه تم تخصيص 60 مقعداً لمرشحات اللوائح الوطنية للأحزاب من أصل 395 مقعداً برلمانياً. وفي ظل واقع انتخابي له قواعده التي يصعب معها أن تحظى المرأة أولاً بتزكية الحزب، ومن ثم بفرص متساوية وآليات عمل تماثل ما قد يتأمن لباقي المرشحين، ترى عزاوي أن محطة الانتخابات المنتظرة في الصيف المقبل، مناسبة للرفع من الحضور النسائي في البرلمان الجديد. وتعتمد النائبة على ما سُجل من مساهمة نوعية للنساء في مختلف نواحي العمل البرلماني، من تشريع ومراقبة الحكومة والسياسات العامة والدبلوماسية البرلمانية.

بدأت مشاركة النساء برلمانياً بنائبتين في عام 1993 وصولاً إلى 81 في عام 2016

ويعود كل ذلك إلى عام 2002، حين تم التوافق بين الأحزاب المغربية على تطبيق نظام التمييز الإيجابي أو المحاصصة، من أجل تحسين تمثيل النساء اقتراعاً وترشيحاً، وكسب رهان تحقيق مشاركة وازنة للمرأة في اتخاذ القرارات، وتسيير الشأن العام. لكن بعد 19 سنة على ذلك، يبدو المغرب متجهاً نحو خطوة أخرى لتعزيز ذلك التمثيل والمشاركة في المؤسسات المنتخبة. في السياق، كشفت التعديلات الخاصة بالقوانين الانتخابية، التي أقرها المجلس الوزاري يوم الخميس الماضي، برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن توجه نحو تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بالتمثيل النسائي. ويتعلق الأمر باستبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، في خلال الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية المنتظر إجراؤها صيف 2021.

وبحسب التعديلات التي أدخلت على القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، تحوّلت اللائحة الوطنية التي تضم 90 عضواً، إلى لائحة جهوية مقسمة على 12 جهة بحسب عدد سكانها. وتشمل كل لائحة ترشيح مقدمة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية أسماء مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مع "تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة حصرياً للنساء".

وفي الوقت الذي أعلن فيه مشروع القانون أن اللائحة الجهوية لا تحول دون حق النساء في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية، نصّ على أن مجلس النواب يتألف "من 395 عضواً، منهم 90 عضواً ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية الجهوية". وحُدد للدار البيضاء 12 مقعداً، و10 مقاعد لكل من فاس مكناس، والرباط سلا، ومراكش أسفي، و8 مقاعد لطنجة تطوان، و7 مقاعد لكل من الشرق، وبني ملال، وسوس، و6 مقاعد لدرعة، و5 مقاعد لكلميم والعيون، و3 مقاعد للداخلة. ويأتي تحويل اللائحة الوطنية إلى لوائح جهوية في وقت ترى فيه المنظمات المدنية والحقوقية والنسائية، أن معركة المرأة المغربية من أجل التمكين السياسي لم تتمكن من تجاوز النقص الحاصل في الدخول إلى مراكز القرار. مع العلم أن قفزة نوعية تحققت على مستوى النهوض بأوضاع النساء، لا سيما في المجال السياسي، باعتماد نظام "الكوتا" المحدد حالياً بنسبة 21 في المائة، كإجراء مؤقت يرمي إلى تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن في صنع القرار.

بلغة الأرقام، شهد حضور المرأة المغربية على مستوى مجلس النواب (البرلمان) ارتفاعاً مطرداً منذ عام 1993، إذ انتقل من تمثيل محدود بنائبتين فقط يومها، إلى 35 نائبة في انتخابات 2002، و34 نائبة في انتخابات 2007، ليرتفع عددهن إلى 67 نائبة في انتخابات 2011. وفي عام 2016 فازت 81 نائبة في الانتخابات من أصل 395 وبنسبة 20.5 في المائة، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة الوطنية وتسع عبر اللوائح المحلية، و12 عبر لائحة الشباب. كذلك، بلغ عدد النساء في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) 13 مستشارة من أصل 120 عضواً في التركيبة الحالية للمجلس.

في المقابل، ارتفع تمثيل النساء في البلديات من خلال الانتخابات البلدية والجهوية السابقة من 12 في المائة إلى 27 في المائة، ومن 2.9 في المائة إلى 37 في المائة على مستوى الجهات. فيما ظلت نسبة البلديات التي تترأسها نساء لا تتعدى 1 في المائة.

مع ذلك، فإنّ هذه الأرقام تبقى ضعيفة إذا ما قورنت بتمثيل النساء في البرلمان التونسي (34.56 في المائة)، وفي الجزائر (31.6 في المائة)، كما ترسم صورة عن واقع لا يلبي طموحات الحركة النسائية في مجال النهوض بحقوق المرأة وإقرار المناصفة وترسيخ أدوارها القيادية في المجتمع، لا سيما في ظل التأخر الحاصل في تطبيق النصوص القانونية المتقدمة المتعلقة بإنشاء هيئة المناصفة ومكافحة كلّ أشكال التمييز.

وبحسب عزاوي، فإن استبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية خطوة جديدة إلى الأمام لتعزيز دعم التواجد النسائي داخل الهيئات المنتخبة، مشيرة إلى أن ذلك التعويض فيه إرساء نوع من العدالة على المستوى المجالي وضمان لتمثيل نساء الجهات الـ12 للمملكة، بعد أن أظهرت التجربة، خصوصاً في انتخابات 2011، أن غالبية النساء اللواتي دخلن البرلمان كن من محور الرباط - الدار البيضاء.

وترى عزاوي أن المغرب حسم في اختياراته الدستورية، وأنه يسعى نحو تحقيق مجتمع المناصفة، وأن استبدال اللائحة الوطنية بلوائح جهوية خطوة مهمة في أفق تحقيق المناصفة الحقيقية، على أسس الكفاءة والاستحقاق والتراكم النضالي للنساء داخل الأحزاب. وتلفت إلى أن طموح المرأة المغربية الفاعلة سياسياً، هو أن يكون نظام "الكوتا" إجراء انتقالياً نحو مساواة حقيقية في الحظوظ والفرص في الترشح المباشر في الدوائر الانتخابية ونيل ثقة المواطنين، وهو ما يفرض تهيئة الظروف والمجتمع والناخبين لذلك. وإلى حين تحقيق ذلك، تشير عزاوي إلى أنه من الضروري المرور عبر "الكوتا"، باعتبارها آلية ديمقراطية، في اتجاه تحقيق المزيد من المكتسبات إلى حين بلوغ مطمح المناصفة.

من جهتها، ترى النائبة عن حزب "الحركة الشعبية"، المشارك في الحكومة، حكيمة بلقساوي، أنّ نظام "الكوتا" جاء "لتصحيح خلل يهم التمثيل النسبي النسائي داخل المؤسسة التشريعية، ولإبراز قيادات نسائية متمكنة وقادرة على خوض غمار المنافسة بالدوائر الانتخابية. لكنّ ذلك لم نلمسه إلى حدود اليوم، على الرغم من بروز كفاءات مهنية عالية حاضرة وملتزمة بعملها داخل قبة البرلمان، وتقوم بالمهام المنوطة بها داخل المؤسسة التشريعية على أحسن ما يرام من تشريع ومراقبة ودبلوماسية".

استبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية خطوة لتعزيز دعم الحضور النسائي

وتوضح بلقساوي في حديث لـ"العربي الجديد "، أنّ "الكوتا" إجراء مرحلي ضروري من أجل بلوغ الهدف المتمثل في التمثيل النسائي المتطلع إلى المناصفة في مرحلة مستقبلية قريبة انطلاقاً من الدوائر الانتخابية، مع ضرورة إرفاقه برغبة حقيقية، خصوصاً لدى الأحزاب، وانتهاج كلّ السياسات العامة التي من شأنها تغيير العقليات والثقافات التي تقزم دور المرأة في المجال السياسي على غرار مجالات أخرى.

أما الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، فترى أن تعويض اللائحة الوطنية بلوائح جهوية، وإن كانت خطوة مهمة في سياق تقوية تمثيلية المرأة في المؤسسات الانتخابية، إلا أن الحاجة باتت ملحّة اليوم لتقييم تجربة "الكوتا" التي تم اعتمادها في المغرب خلال أربع دورات انتخابية منذ 2002. وتلفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن التجربة لم تتح بروز قيادات نسائية تنافس الرجل خارج إطار "الكوتا"، وأن الاعتماد الكلي على تمثيل المرأة من خلال تلك الآلية لم يغير في الثقافة السياسية السائدة شيئاً.

ووفقاً لموير، فإن الثقافة السياسية الذكورية التي تسود في الفعل السياسي، وتعامل الأحزاب السياسية مع اللائحة الوطنية بالكثير من المحسوبية، حوّل "كوتا" النساء إلى ريع للاستفادة منه عوض تقوية مكانة المرأة في المؤسسات. وتعتبر أن "مع هذا الوضع أصبح بروز قيادات نسائية صعباً جداً في ظل تهميش حقيقي لأصوات نسائية، تهدف إلى تعزيز مكانة المرأة فعلياً عوض البحث عن ريع للاستفادة منه".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون