بدأ المشهد الانتخابي الضبابي في ليبيا، المتشابك مع خلافات الأطراف المحلية وتأثيرات الخارج، ينجلي عن ملامح تأجيل للانتخابات، الأمر الذي بات يحظى بالتأييد، خصوصاً وأن الوقت المتبقي لم يعد كافياً لإجرائها يوم 24 ديسمبر/كانون الأول، فمن يعلن تأجيل الانتخابات وإلى متى؟
أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، أمس السبت، عن تأجيلها إعلان القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، إلى ما بعد انتهاء تواصلها مع المجلس الأعلى للقضاء ومجلس النواب، في الوقت الذي لا تزال فيه اللجنة البرلمانية تواصل اجتماعاتها في طرابلس مع المفوضية، للاطلاع على العراقيل التي تواجه عمل المفوضية.
وأكد رئيس اللجنة البرلمانية عبد الهادي الصغير لـ"العربي الجديد" أن اللقاءات لا تزال مستمرة، مضيفاً: "حتى الآن، اتضح وقوع الجهات المشرفة على العملية الانتخابية والمساعدة لها في أخطاء في تطبيق التشريعات الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب".
وفيما لفت الصغير إلى وجود مزيج من العراقيل القانونية والسياسية أمام العملية الانتخابية؛ أكّد أن المفوضية تقدمت بجملة من الإجراءات لمجلس النواب، وقال: "سنحيل كل ذلك في تقريرنا للمجلس بعد الاطلاع على آراء الهيئات القضائية التي ساعدت في مسار العملية الانتخابية".
وكان مجلس النواب، قد شكّل، الثلاثاء الماضي، لجنة برلمانية من خمسة أعضاء، للتواصل مع المفوضية والهيئات القضائية، للوقوف على العراقيل التي تواجه العملية الانتخابية، على أن تقدم اللجنة تقريرها لمجلس النواب خلال جلسة من المفترض أن تعقد غداً الإثنين. لكن الصغير سبق وأن رجّح تأجيل الجلسة، وعقدها الأربعاء المقبل؛ بسبب طول عمل لجنته مع المفوضية والهيئات القضائية.
وقالت المفوضية، في بيانها أمس، إنها "تعكف حالياً على مراجعة الأحكام الصادرة عن لجان الطعون والاستئناف"، بالإضافة إلى تواصلها "مع اللجنة المشكلة من مجلس النواب" بشأن متابعة العملية الانتخابية والصعوبات التي تواجهها.
وفي وقت أكدت فيه المفوضية أنها قررت استنفاد "جميع طرق التقاضي للتأكد من تطابق قراراتها من الأحكام الصادرة، بما يعزز مبدأ المصداقية"، قالت: "سنتبنى بعض الإجراءات القضائية من خلال التواصل مع المجلس الأعلى للقضاء، وأخرى قانونية من خلال التواصل مع اللجنة المشكلة من قبل مجلس النواب، قبل إعلان القائمة النهائية، وبدء مرحلة الدعاية الانتخابية للمرشحين وفق اللائحة التنظيمية".
ووفقاً للجدول الزمني للمراحل الانتخابية، المعلن من جانب المفوضية؛ يتم الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية يوم السابع من ديسمبر/كانون الأول، الموافق الثلاثاء الماضي، كحدٍ أقصى، بعد استيفاء المترشحين والطاعنين ضدهم مرحلتي الطعن والاستئناف اللتين انتهتا الخميس ما قبل الماضي.
وفي السياق، كشفت مصادر مقربة من المجلس الأعلى للقضاء لـ"العربي الجديد" عن ملخص رد المجلس على تساؤلات اللجنة البرلمانية بشأن عملها خلال مرحلتي الطعون والاستئناف الخاصة بالمترشحين للانتخابات الرئاسية، وأوضحت أن مجلس القضاء أكد للجنة البرلمانية أنه انتهى من إجراء مرحلتي الطعن والاستئناف، وفقاً للقوانين الانتخابية المحالة إليه من مفوضية الانتخابات، وأن الأحكام الصادرة عن دوائر الاستئناف "نهائية وغير قابلة للطعن أو المراجعة".
وفيما لم يسمِ الصغير طلبات المفوضية، أكد أن لجنته ستحيل تقريرها إلى مجلس النواب، وأن قرار التأجيل أو الاستمرار لا تملك لجنته البتّ فيه. لكن مصادر مقربة من المفوضية أكدت أن مطالب المفوضية تتلخص في تبني مجلس النواب قرار تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية إلى أسابيع تالية عن الموعد المحدد بيوم 24 ديسمبر/كانون الأول.
وفي التفاصيل، توافقت معلومات المصادر حول شكوى المفوضية من عدم قدرتها على مواجهة الضغوط الداخلية بشأن اختلاف مطالب الأطراف حول استبعاد شخصيات بعينها من السباق الانتخابي، مثل الدبيبة وسيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر، مقابل إصرار حلفائهم على بقائهم، بالإضافة إلى عدم قدرتها على السيطرة على المراكز الانتخابية في المناطق النائية، خصوصاً جنوبي البلاد، أثناء عملية الاقتراع.
وبحسب المستجدات، يرى أستاذ القانون الدستوري في الجامعات الليبية، سليمان الرطيل، أن جميع الأطراف باتت متيقنة من حتمية تأجيل الانتخابات، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية الإعلان عنها، وكل جهة ترمي بالكرة في ملعب الأخرى.
وتساءل الرطيل، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، عن إعلان المفوضية مراجعتها لأحكام القضاء في الطعون والاستئناف، وقال: "أحكام الاستئناف لا تقبل المراجعة، خصوصاً وأن المفوضية نفسها من بين المستأنفين على أحكامها، والمفوضية طرف، فكيف لها أن تراجع من جانب ومن جانب آخر تتواصل مع مجلس النواب؟ علماً أنها لا تزال تهمل وجود المجلس الأعلى للدولة، والجميع أدرك أنهما طرفان سياسيان في حالة التأزيم الحالية"، معتبراً إعلانها هذا محاولة للتهرب من مسؤولية الإعلان عن تأجيل الانتخابات.
وأكد الرطيل أن الخلافات التي أوقفت العملية الانتخابية عند عتبة التأجيل "ليست قانونية وليست حول أحكام القضاء، بقدر ما هي سياسية بحتة، وجميع الأطراف ارتهنت للخارج، وتنتظر نضوج الموقف الدولي الذي بات يراجع نفسه بشكل كبير".
وفي الوقت الذي لا تزال فيه المستشارة الأممية الجديدة، ستيفاني وليامز، تلتزم الصمت ولم تعلن عن أي خطوة في وظيفتها الجديدة، يرجح الرطيل أن يكون الإعلان عن التأجيل بـ"صيغة التأخير لأيام، وفقاً لمبادرة قد يعلن عنها أي من الأطراف الليبية، وتكون وليامز وراءها".
ولفت الرطيل إلى أن كل الأطراف الليبية باتت متورطة في حالة الصراع التي تدور في كواليس الانتخابات، و"لذا فالأقرب أن يتولى المجلس الرئاسي بالتنسيق مع وليامز قيادة مرحلة التأجيل، وبدء مرحلة قصيرة لتصميم مخرج من المنزلق القانوني الذي صنعه مجلس النواب، وتسييس قرارات مفوضية الانتخابات"، لكنه يرى في الوقت ذاته أن الانتخابات دخلت مرحلة من التأزيم، قد لا يمكن معها الاتفاق على موعد جديد للانتخابات، مرجعاً ذلك إلى أنها تأسست على قوانين انتخابية جدلية، ومراجعتها لضبطها مجدداً هو أساس الحل، ما يقتضي أوقاتاً أطول من المتوقع لإجراء الانتخابات.