تستفيد حركة "حماس" من الخلاف الداخلي عند غريمتها السياسية حركة "فتح"، مع مباشرتها اللعب في السر وفي العلن على التناقضات الداخلية في الحركة التي تقود منظمة التحرير والسلطة المعترف بها عربياً ودولياً. في العلن، باتت "حماس" تسهّل، وبشكل واضح، عودة قياديين من تيار القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان إلى قطاع غزة، في خضمّ ترتيب التيار لصفوفه قبيل الاستحقاق الانتخابي، الذي سيشارك فيه بقائمة. ويُفهم من تسهيل "حماس" عودة قياديين محسوبين على دحلان، كانوا موجودين في مصر منذ الانقسام والاقتتال الداخلي، أنها ترغب في تعزيز التيار كمنافس لـ"فتح" بقيادة محمود عباس، وهو ما يعني تشتيت الأصوات الفتحاوية بين تيارات الحركة المتنازعة. وهناك ثلاثة قوائم انتخابية على الأقل حتى الآن ستشارك باسم "فتح" في انتخابات المجلس التشريعي، المقرر انطلاقها في 22 مايو/ أيار المقبل، وهي قائمة "فتح" عباس، وقائمة عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة، الذي شكل "الملتقى الوطني الديمقراطي" لخوض الاستحقاق الانتخابي، وقائمة تيار دحلان.
القاهرة وعمّان طرحتا فكرة قائمة مشتركة بين "فتح" وتيار دحلان
وعلى الرغم من محاولة تيار دحلان الإيحاء بأنّ القيادي البارز في "فتح" مروان البرغوثي، المعتقل في السجون الإسرائيلية والطامح في المنافسة على كرسي الرئاسة، قد يدعم قائمة التيار، إلا أنّ مقربين من البرغوثي قالوا لـ"العربي الجديد"، إنّه "ليس في جيب دحلان ولن يكون معه". وفشلت جهود مصرية وأردنية مدعومة من السعودية والإمارات مرتين على الأقل قبل وبعد المرسوم الرئاسي الذي حدد موعد الانتخابات الفلسطينية العامة، في إقناع الرئيس محمود عباس بالتصالح مع دحلان في سبيل مواجهة "حماس" في الانتخابات التشريعية.
ويُراد من الانتخابات المقبلة، وفق المسعى العربي الذي دفع باتجاه إجرائها حتى قبل حل مشاكل الانقسام والخلاف المتراكمة بين حركتي "فتح" و"حماس"، أن تسحب "الشرعية" من "حماس" وأنّ تعيد "فتح" إلى سدة البرلمان الذي حله عباس. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ القاهرة وعمّان طرحتا فكرة قائمة مشتركة بين "فتح" وتيار دحلان، من دون مصالحة بين عباس ودحلان، لكن عباس رفض الأمر بشدة وطلب عدم إعادة هذا الطرح مرة ثانية.
غير أنّ خياراً جديداً بات يُطرح على طاولة الفلسطينيين في الأسبوع الأخير، يتعلق بالتنصل من المراسيم الرئاسية المتعلقة بالانتخابات وعدم الذهاب إلى خيار إجرائها. وتنطلق هذه الفكرة من أنّ حال حركة "فتح" ليس على ما يرام لخوض انتخابات أمام حركة "حماس" الموحدة، والقادرة على استمالة أصوات الناخبين الفلسطينيين بأساليب مختلفة، منها اللعب على التناقضات الداخلية في "فتح" وعلى أخطائها في الحكم، وما وصلت إليه من غياب الظهير العربي والدولي لها أخيراً.
وقد تدفع حالة التشظي هذه عباس إلى إلغاء الانتخابات باعتبارها مخاطرة قد لا تؤدي الغرض المطلوب منها، وإن كان خياراً صعباً بالنسبة لشخصية عباس العنيدة، الذي أصرّ على عقد انتخابات المجلس التشريعي في عام 2006 على الرغم من علمه المسبق بوضع "فتح" الداخلي الصعب في حينه، وترجيحات فوز "حماس" بالانتخابات. وهو ما تم فعلياً عندما حصلت على فوز مريح مستفيدة من أخطاء "فتح" وتجاوزات السلطة والمظلومية، التي رفعتها شعاراً في المواجهة الانتخابية.
تعطي بعض المواقف والتراشق الإعلامي مؤشرات متناقضة على إمكانية إجراء الانتخابات من عدمها
وعلى الرغم من شخصية عباس العنيدة، إلا أنّ الضغوط العربية عليه قد تصل إلى حد لا يطيقه ولا تطيقه حركة "فتح" والسلطة، ولذلك قد يكون خيار عدم الذهاب إلى الانتخابات أصلاً خياراً قائماً، ومن السهل إيجاد المبرر للذهاب إليه في ظل وجود إخفاقات كثيرة في طريق التوافق الوطني. ولا تبدو السلطة الفلسطينية في وضع مريح لجهة الدعم السياسي والمالي العربي، وقد تكون كل مؤسسات السلطة على المحك في ظل تراجع المنح والمساعدات التي تلقتها الموازنة العامة في العام الماضي بنسبة 85 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، والذي يعطي مؤشراً لا لبس فيه على حالة "عدم الرضا على القيادة الفلسطينية الراهنة".
وتعطي بعض المواقف والتراشق الإعلامي بين الحين والآخر مؤشرات متناقضة على إمكانية إجراء الانتخابات من عدمها. وذهب القيادي البارز في "حماس" محمود الزهار إلى التشكيك في إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، وهو الذي أشار إلى أنّ هناك محاذير عديدة تعرقل إجراء الانتخابات، أهمها ضمان احترام النتائج وعدم تدخل جهات إسرائيلية وفلسطينية ضد حركته.
وتعيب "حماس" على السلطة عدم اتخاذها أي مواقف واضحة تجاه الحملة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قياديي "حماس" ونوابها المنتخبين في الضفة الغربية والتي تهددهم في حال ترشحهم للانتخابات المقبلة، خصوصاً أنّ السلطة تعهدت في نقاشاتها مع "حماس" في الدوحة وإسطنبول بأنّ تتواصل مع الإسرائيليين مباشرة وعبر وسطاء للضغط عليها من أجل عدم عرقلة الاستحقاق الانتخابي.