استمع إلى الملخص
- **تدني نسبة التصويت**: نسبة التصويت المنخفضة (24%) شكلت صدمة للسلطة ولتبون، مما يعكس عزوفاً كبيراً عن التصويت رغم الجهود المبذولة لإقناع الناخبين.
- **دوافع العزوف**: العزوف يعكس عدم رضا الشعب، خاصة الشباب، عن الخيارات السياسية. العوامل الاجتماعية والاقتصادية والإحباط من فشل الحراك الشعبي عام 2019 ساهمت في هذه النتيجة.
انتهت الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي أجريت أول من أمس السبت، على غير ما كان متوقعاً ومنتظراً، إذ طبعتها مفارقتان لدى السلطة والأحزاب والمجتمع السياسي، تتعلق الأولى بمستوى عزوف كبير للناخبين عن التصويت، إذ جاء التصويت أقل من الانتخابات السابقة عام 2019 (سجل حينها 38%) رغم فارق الظروف، وتتعلق الثانية بحصول المرشحين المنافسين للرئيس عبد المجيد تبون، عبد العالي حساني ويوسف أوشيش على قدر ضئيل من الأصوات، بخلاف التوقعات بعد حملة انتخابية لافتة.
نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية
على صعيد النتائج، أظهرت عمليات الفرز الأولية تقدماً كبيراً للرئيس عبد المجيد تبون، بحصوله على 94% من الأصوات، أمام منافسيه رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني الذي حل ثانياً بحصوله على 3,17% من الأصوات، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش بحصوله على 2,16% من الأصوات. وإذا كان تبون قد حصل على نسبة أصوات أكبر من تلك التي حصل عليها في انتخابات عام 2019 (58%)، فإن النتائج تشكل صدمة لدى منافسَيه حساني وأوشيش، خصوصاً أنهما كانا يتطلعان إلى نتائج جيدة، مقارنة بالأداء السياسي الذي بذلاه خلال الحملة الانتخابية والتحشيد الشعبي الذي قاما به. واستبقت مديرية حملة حساني الإعلان عن النتائج، ووجّهت انتقادات حادة للسلطة المستقلة للانتخابات بشأن إدارتها للعملية الانتخابية، وتحدثت عن وجود عمليات ضغط تستهدف "تضخيم النتائج" في بعض مكاتب الانتخاب. وقالت في بيان "سجلنا بكل أسف عودة ممارسات قديمة كان من الممكن تجاوزها من بينها، الضغط على بعض مؤطري مكاتب التصويت لتضخيم النتائج، وعدم تسليم محاضر الفرز لممثلي المرشحين، والتصويت الجماعي بالوكالات"، فضلاً عن "عدم ضبط وتحكم في التغطية الإعلامية للمرشحين".
تحدثت حملة حساني عن وجود عمليات ضغط تستهدف "تضخيم النتائج" في بعض مكاتب الانتخاب
وحملت الانتخابات الرئاسية الجزائرية مفاجأة غير سارة بالنسبة للسلطة ولتبون خصوصاً، تتعلق بتدني نسبة التصويت التي لم تتجاوز الـ24%. وحتى منتصف نهار أمس الأحد، كانت السلطة المستقلة للانتخابات قد أحجمت عن إعطاء نتائج التصويت، ونسبة المشاركة تحديداً، ليبدو أن السلطة تبحث عن سياق للإعلان عن نسبة تبدو مقبولة إذا ما قورنت مع سباق الاستحقاقات.
يفسر هذا الارتباك حجم الصدمة التي تلقتها السلطة بسبب حجم العزوف عن التصويت، خصوصاً أن الرهان الأساسي للسلطة وتبون في هذه الانتخابات، كان مبنياً على تحقيق نسبة تصويت مرتفعة، تعزز الشرعية الشعبية لتبون ولمؤسسة الرئاسة، وهو ما يبدو أن السلطة فشلت فيه، على الرغم من كثافة الخطاب الرسمي الذي بشّر بنجاح الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحسن المؤشرات الاجتماعية، والخيارات التي انتهجها تبون لصالح الشباب، والجهود السياسية التي بذلتها السلطة وأحزاب الأغلبية وقوى المجتمع المدني الموالية، والمؤسسات الرسمية والهيئات الدينية خلال الحملة الانتخابية، لإقناع الناخبين بالتصويت، وعلى الرغم من الثقل السياسي للحزبين المشاركين بمنافسين للرئيس تبون (جبهة القوى الاشتراكية ومجتمع السلم).
دوافع الرفض الشعبي للتصويت
وتستدعي صدمة العزوف في الانتخابات الرئاسية الجزائرية البحث عن دوافع هذا الرفض الشعبي للتصويت مجدداً، خصوصاً أن الانتخابات جرت في أوضاع مستقرة وشارع هادئ ومتحكم فيه، بما فيها في منطقة القبائل، (غالبية السكان من الأمازيغ) شرقي الجزائر. ورأى النائب في البرلمان عز الدين زحوف أن هذا العزوف له معنى سياسي واضح. زحوف الذي كان أحد الوجوه البارزة في فترة الحراك الشعبي في العاصمة الجزائرية، أضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذا يعني عدم اقتناع قطاع واسع من الشباب خصوصاً، بالخيارات التي انتهجها الرئيس تبون في ولايته الرئاسية الأولى، وأن مستوى الإحباط ما زال قائماً لدى غالبية الجزائريين بعد فشل الحراك الشعبي، ويعني أن هناك مسافة متباعدة بين الخطاب السياسي والواقع، لاسيما بالنسبة للشباب"، مشيراً إلى أن "العزوف الانتخابي هو نتيجة طبيعية لإغلاق منابر وفضاءات النقاش السياسي، هي رسالة تعني الجميع، السلطة والأحزاب، وتفرض مراجعة الخيارات والأساليب السياسية في التعاطي مع الشأن والرأي العام".
زحوف: العزوف الانتخابي هو نتيجة طبيعية لإغلاق منابر وفضاءات النقاش السياسي، وهي رسالة تعني الجميع، السلطة والأحزاب
وبرأي محللين فإن مؤشرات هذا العزوف الانتخابي كانت بارزة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية وأن هناك عدة عوامل مختلفة لعبت دوراً في هذه النتائج المخيبة، بينها الظروف الاجتماعية وغلاء الأسعار التموينية، والمصاعب الاقتصادية التي واجهها الجزائريون، إضافة إلى تفسيرات سياسية تبرز عدم اقتناع الناخبين بالمسارات المنتهجة منذ عام 2019، خصوصاً على الصعيد السياسي، وعودة ممارسات ووجوه محسوبة على مرحلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الواجهة. ورأى الباحث في علم الاجتماع السياسي نوري إدريس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن دوافع مقاطعة الانتخابات، خصوصاً بالنسبة للكتلة التي رفعت سقف التطلعات السياسية والديمقراطية في الحراك الشعبي، ما زالت قائمة، وربما تفاقمت أكثر بالنظر إلى حالة الإغلاق السياسي والإعلامي المسجل في الخمس سنوات الأخيرة. وقال إن "كتلة المقاطعين تتألف من فئات كثيرة، لكل منها دوافعها، فهناك مقاطعون دائمون ممن لا يصوتون مهما كان الوضع، وهؤلاء أقرب إلى العزوف منه إلى الموقف السياسي، وفئة أخرى لن تصوّت في هذه الانتخابات، ممن أصيبوا بالإحباط وخاب ظنهم بعد الحراك الشعبي عام 2019، ولا يزالون في حالة غضب من المآلات السياسية، فيما توجد فئة ثالثة تعتبر أن الانتخابات لا تشكل حلاً، ولا ترى أن مشاركتها في الانتخابات ستغير شيئاً، وهذه الكتلة كبيرة ومؤثرة في محيطها لجهة عدم التصويت، فضلاً عن ضعف الحملة الانتخابية التي أخطأت العناوين السياسية التي تطرح عمق المشكلة السياسية في الجزائر".