الانتخابات الرئاسية التونسية: رهانات 6 أكتوبر

13 يوليو 2024
الانتخابات الرئاسية بتونس، أكتوبر 2019 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **اعتقال لطفي المرايحي وتوترات سياسية**: أعلن المرشح الرئاسي التونسي لطفي المرايحي عن اعتقاله في الثالث من يوليو، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر. حذر الرئيس قيس سعيّد من محاولات لتأجيج الأوضاع الاجتماعية.

- **أهمية الانتخابات الرئاسية**: الباحث زهير إسماعيل أكد أن الانتخابات حاسمة لكل مكونات المشهد السياسي في ظل أزمة مركبة تشمل الجوانب المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وستحدد مستقبل الديمقراطية في تونس.

- **موقف المعارضة والتحديات المستقبلية**: خالد شوكات أشار إلى أن الانتخابات ستكون اختباراً حقيقياً لما جرى منذ 25 يوليو 2021، مؤكداً أن المعارضة ناضجة وتتمسك بالوسائل السلمية.

في فيديو نشره على صفحته في منصة فيسبوك، يقول المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية لطفي المرايحي، رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري: "إذا كنتم تشاهدون هذا الفيديو فهذا يعني أنه تم اعتقالي". وقد تم اعتقاله بالفعل في الثالث من يوليو/ تموز الحالي، ووضعه بالسجن، ملتحقاً ببقية رؤساء الأحزاب الأهم والأكثر شعبية في تونس، مثل النهضة، الدستوري الحر، الجمهوري، التيار الديمقراطي، الاتحاد الشعبي الجمهوري، القطب، مع احتمال توسع القائمة مستقبلاً. في الجانب الآخر، حذر الرئيس قيس سعيّد، الأربعاء الماضي، في لقاء مع وزير الداخلية خالد النوري، من "محاولات مفضوحة لتأجيج الأوضاع الاجتماعية بشتى الطرق، فضلاً عن اللوبيات التي تشارك من وراء الستار في العملية الانتخابية خلال الأيام الأخيرة". ودفعت هذه التطورات مراقبين للتطرق إلى كيفية إجراء الانتخابات الرئاسية التونسية في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في ظل تساؤلات بشأن أي من الأحزاب بقي حيّاً ونشيطاً وجماهيرياً لتحريك الساحة وتغذية التنافس؟ وأيضاً ما هو دور السادس من أكتوبر المقبل في المسار التاريخي للديمقراطية التونسية، وهل هو قفزة إلى الأمام أم ارتداد جديد إلى الوراء؟

زهير إسماعيل: الفشل في هذا الاستحقاق الانتخابي لن يكون في صالح الدولة ومستقبل تونس 

أهمية الانتخابات الرئاسية التونسية

في السياق، أكد الباحث زهير إسماعيل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات الرئاسية التونسية في غاية الأهمية بالنسبة لكل مكونات المشهد، سلطة ومعارضة، لأنه لا يمكن فصلها عن أزمة البلاد المركبة. وهي أزمة من مستويين متفاعليْن، مالي اقتصادي، وسياسي اجتماعي. ويمثل التقدم في أي من المستويين محاولة لتجاوزها. غير أنّ أغلب التقديرات تذهب إلى أنّ مدخل الخروج من الأزمة سياسي رغم ثقل العامل المالي الاقتصادي".

واعتبر إسماعيل أنه "بعد ثلاث سنوات من إيقاف المسار الانتقالي ومحاولة إرساء مؤسسات تنفيذية وتشريعية بديلة، تكاد الأزمة تراوح مكانها، ولكن مع مزيد من التعقيد والتركيب والتعفن. فمن ناحية يتواصل تفاقم الأزمة المالية الاقتصادية، وتمثل انعكاساتها الاجتماعية على الوضع المعيشي اليومي تحدياً فعلياً للحكم الفردي المطلق الذي لا يعترف بعجزه ويلقي بالمسؤولية كاملة على المعارضة وقياداتها المتآمرة من سجنها". وأضاف: "من ناحية أخرى ما زال المشهد السياسي متوتراً بين نظام جديد غير مستقر وانتقال ديمقراطي لم يغلق قوسه نهائياً، رغم ما تعرفه المعارضة الديمقراطية من ضعف وتشتت. هو توازن ضعف بلا أفق".

وأكد إسماعيل أن "هذه الانتخابات مفصلية ستحدد حقيقة اليوم التالي وما سيكون بعدها. وأن النتيجة لن تخرج عن احتمالين، إما طي صفحة الانتقال الديمقراطي نهائياً وانفتاح مرحلة غامضة من تجربة الدولة قد تكون في قطيعة مع تجربتها منذ 1956 (استقلال تونس)، أو فتح باب لاستعادة الديمقراطية. ونرجح، في ظل الشروط الحالية، أنها ستكون ديمقراطية مسقوفة، قد تسعف النخبة بإعادة ترتيب أوراقها وتحقيق المراجعات المطلوبة، ولكنها في الوقت نفسه تبقى انتخابات المفاجآت". ويوضح إسماعيل أن "موعد الانتخابات يأتي في هذا السياق، وينبهنا للنظر إليها من زاوية تجربة الدولة ومستقبلها، وأنها تمثل منعرجاً حاداً في تاريخها".

ولفت إسماعيل إلى أن "الدولة في تونس عرفت إشكالات عدة في العهدين البورقيبي (عهد الرئيس الحبيب بورقيبة بين عامي 1957 و1987)، والنوفمبري (انقلاب الرئيس زين العابدين بن علي على بورقيبة في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1987)، بسبب غياب الديمقراطية وثقافة المواطنة، رغم ما تحقق من منجز اقتصادي اجتماعي. وبفضل الثورة وسقوف الحرية العالية وتوفر شروط الاختيار الحر أُنهي إشكال الشرعية بالانتقال من دولة الغلبة إلى دولة التعاقد، ومثّل دستور 2014 مسوّدة هذا العقد. وبذلك صار الاختلاف تحت سقف الدولة لا عليها".

واعتبر إسماعيل أنه "من هذه الزاوية السوسيو-سياسية يمثل الانقلاب عودة إلى دولة الغلبة وطرح إشكال الشرعية مجدداً. ولكن في وضع مختلف عما كان عليه الأمر قبل 2011، فقد كان للمجتمع المدني والأحزاب والمنظمات النقابية والاجتماعية دور في ظل ما تسمح به الدولة من مربعات للحرية. وهي مربعات لم تتسع لتفضي إلى انتخابات ديمقراطية، ولكنها كانت تمكّن الفاعلين السياسيين الاجتماعيين من مجال مشروط للمشاركة، ولكنه ينعكس إيجاباً على مؤسسات الدولة والمجتمع ويحفزها على الفعل".

وقال إسماعيل: "أما وضع الدولة الحالي، وتحت تأثير فكرة استبعاد كل الأجسام الوسيطة (البناء القاعدي)، فإن فعل الدولة صار معتمداً على القوة العارية للأجهزة، ما جعلها في مواجهة الجميع، بما في ذلك القوى التي ساندت 25 يوليو/ تموز 2021 (تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية)، التي ظنت أن المواجهة هذه المرة ستكون كما كانت عليه في التسعينيات بعنوان الدفاع عن الجمهورية ومكاسب الدولة المدنية". وأضاف: "تكشف ثلاث سنوات أن جرّ الدولة خارج الشرعية واعتمادها على القوة لا يمكن أن يضمن استرزاق الدولة ووحدتها مستقبلاً ولا تطور المجتمع الطبيعي".

وأشار إلى أنه "في سياق أداء الدولة ومستقبلها سيُنظر إلى الانتخابات الرئاسية. ورغم ما يُطاول الشخصيات السياسية من استهداف وملاحقة قضائية، بمجرد إعلان نية الترشح (ورغم ما يشوب جانباً من شروط الترشح)، فإن الالتزام بموعد الانتخابات الرئاسية التونسية في عام 2024 في غاية الأهمية، وفيه إشارة إلى أنه لا بد لعقل الدولة أن ينتبه إلى نسق التحولات الإقليمية والدولية (تداعيات طوفان الأقصى)، وأن الفشل في هذا الاستحقاق الانتخابي لن يكون في صالح الدولة ومستقبل تونس السياسي والاقتصادي ودورها المغاربي والعربي".

وبشأن موقف المعارضة، رأى إسماعيل أن "موقف المعارضة الديمقراطية كان في غاية الوضوح، فقد أعلنت مشاركتها المبدئية في الانتخابات لأن الموعد يعيد إلى مرجعية دستور الثورة، وربطت مشاركتها الفعلية بقدرتها على توفير شروط انتخابات حرة نزيهة وشفافة. وكان موقف جبهة الخلاص دقيقاً في هذا الموضوع، فقد كان آخر موقف لها هو أنها لن تشارك في هذا الاستحقاق، ولن تكون شاهد زور أمام انتفاء الشروط الدنيا للاقتراع الحر، فكأنها تضمر في الوقت نفسه أنّ إعلان بعض الشخصيات السياسية، وبعضها قريب من الجبهة، مطلوب وإيجابي".


خالد شوكات: الانتخابات الرئاسية التونسية ستحسم طبيعة النظام الذي يقيمه سعيّد منذ 2021

انتخابات مفصلية

من جهته، اعتبر رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات أن الانتخابات الرئاسية التونسية "موعد مهم لأنها ستكون إثباتاً لحقيقة ما جرى منذ 25 يوليو 2021. فهذه الانتخابات إذا اتسمت بالنزاهة والمصداقية ستدفع إلى القول إن ما جرى كان مساراً تصحيحياً فعلياً للانتقال الديمقراطي، بصرف النظر عن نتيجته العملية وما إذا كان المسار قد صحّح فعلاً أم ضلّ الطريق. أما إذا اتسمت بعدم المصداقية وظهرت عليها مظاهر الأحادية فستُثبت أن الأمر ليس سوى مشروع تسلطية فردية ناشئة، لأنه ليس من طبائع الأنظمة الهجينة أو الاستبدادية تنظيم انتخابات حقيقية".

وأكد شوكات أن الانتخابات الرئاسية التونسية "شديدة الأهمية في تاريخ تونس المعاصر، بالنظر إلى ما ستقود إليه لاحقاً من تداعيات وتأثيرات بالغة الأهمية على علاقة الدولة بالنخبة وعلاقة النظام بعموم المواطنين". وشدّد شوكات على أن الانتخابات الرئاسية التونسية "مفصلية بمعنى أنها ستحسم طبيعة النظام الذي يقيمه سعيّد منذ 2021، ولكنها من وجهة نظر تاريخية لن تكون كذلك، لأن المفصلي في رأيي كانت ثورة 2011، التي أنهت النظام البورقيبي، ودفعت تونس في رحلة انتقال ديمقراطي محفوف بالمخاطر والتحديات وإمكانيات الانحراف والانكسار".

وعما إذا كانت الانتخابات فرصة لاستعادة المسار الديمقراطي، توقع شوكات أنها "ستكون كذلك، إذا كانت نزيهة فعلاً ومكّنت التونسيين من التصويت بحرّية وتقييم ما جرى من ثلاث سنوات بشكل يكرّس سيادة الشعب فعلاً. وبالتالي إعادة البلاد إلى مناخ سياسي ديمقراطي يقوم على احترام الحريات وحقوق الإنسان ويعيد السياسات العمومية إلى منطق المؤسسات والعقلانية، وغير ذلك ستكون لبنة أخرى في تكريس حكم فردي شمولي لن تختلف نهايته الحزينة عن نهايات هذا النوع من الأنظمة في كل مكان".

وبشأن موقف المعارضة التونسية وما إذا كان يمثل إخفاقاً جديداً للنخبة أم نتيجة طبيعية للمشهد، قال شوكات: "أنا ما زلت أنظر إلى المعارضة التونسية بكثير من التقدير، وأرى أنها معارضة ناضجة ووطنية تحب بلادها كثيراً من خلال تصميمها على التمسك بالوسائل السلمية والمدنية والديمقراطية، مهما كان الخلاف مع هذا الحاكم الذي يضيق كل يوم برأي المخالفين. وأظن أن عدم ترشيح هذه المعارضة، أقصد هنا جبهة الخلاص، دليل على النضج وعلى أنها لا تريد منح أحد ذريعة استعمالها لتبرير أي تجاوز يمس طبيعة الاستحقاق الانتخابي. هناك من يعمل على تحويل المعارضة إلى بعبع حتى يمرر مشروع الحكم الفردي، وأظن أن قادة المعارضة يدركون هذا الأمر ويريدون تفويته على العقل السلطوي الذي يقف وراء مخطط الانتكاس الديمقراطي".