استمع إلى الملخص
- وزير الداخلية الإيراني أشاد بمستوى المشاركة وأعرب عن أمله في زيادة الإقبال في الجولة الثانية، مؤكدًا على بدء الدعاية الانتخابية للمرشحين فورًا.
- تراجع نسبة المشاركة أثار جدلاً واسعًا، مع تباين التفسيرات بين نجاح حملة المقاطعة وانحسار الرصيد الاجتماعي للحكومة، مما يدل على ضرورة إعادة بناء الثقة بين الشارع والسلطات لضمان مشاركة أوسع في المستقبل.
لم تُحسم نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ14 في جولتها الأولى، وفق إعلان الداخلية الإيرانية، وستكون هناك جولة إعادة يوم الجمعة المقبل بين المرشحين، الإصلاحي مسعود بزشكيان، والمحافظ سعيد جليلي، الحاصلين على أعلى نسبة من الأصوات. وتصدّر المرشح الإصلاحي النتائج بحصوله على نحو 10 ملايين و415 ألف صوت، يليه في الموقع الثاني المرشح المحافظ سعيد جليلي بـ9 ملايين و 473 ألف صوت. كذلك بلغت نسبة الأصوات الباطلة في هذه الدورة نحو مليون صوت.
ولم تكن المفاجأة في هذه الانتخابات بتصدّر بزشكيان النتائج، حيث كان ذلك متوقعاً، بل بتسجيل هبوط قياسي آخر في المشاركة بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، إذ بلغت نحو 40 في المئة، رغم مشاركة الإصلاحيين فيها على عكس الانتخابات خلال السنوات الأربع الأخيرة.
وتراجعت نسبة المشاركة في 29 محافظة إيرانية من أصل 31، بنسب تراوح بين 0.2% (محافظة يزد) إلى 32.8% (محافظة سيستان وبلوشستان). كذلك سجلت محافظتا طهران وقم ارتفاعاً في نسبة المشاركة من 10.6% إلى 3.8% على التوالي، لكن سجلت مدينة طهران نفسها ومحافظة كردستان أدنى نسبة مشاركة، بلغت 23%. وهذه رابع انتخابات منذ عام 2020 تتراجع فيها نسبة المشاركة بشكل لافت، ليُسجَّل هبوط قياسي في كل منها على التوالي، حيث كانت المشاركة 42% في الانتخابات التشريعية عام 2020، ثم كانت في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021، 48.8% لتصبح حينها أدنى نسبة منذ عام 1979، وكذلك تراجعت النسبة في الانتخابات البرلمانية خلال مارس/ آذار الماضي إلى 41%.
من جهته، قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، بعيد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، إن رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي ورفاقه "لم يحدث أي خلل في مسار الانتخابات"، مقدماً الشكر إلى جميع المرشحين وأنصارهم. وأضاف أن الشعب الإيراني "سجل مشاركة جيدة" في هذه الانتخابات، بالنظر إلى إجراء 3 انتخابات خلال الشهور الماضية. وأعرب وحيدي في مؤتمره الصحافي عن أمله في أن تشهد الجولة الثانية من الانتخابات إقبالاً واسعاً، مندداً بمنع كندا فتح مراكز اقتراع على أراضيها لاستقبال أصوات الإيرانيين. وأشار إلى أن الدعاية الانتخابية للمرشحين الاثنين ستبدأ اعتباراً من غد الأحد إلى نهاية يوم الأربعاء المقبل.
هبوط نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. روايات متضاربة
رغم ذلك، تحوّل هبوط المشاركة إلى مستوى جديد، إلى حديث الساعة خلال الساعات الأخيرة في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام إيرانية، وسط استعراض روايات مختلفة عن أسبابه، تتعارض أحياناً، منها روايات المعارضة والمنتقدين بنجاح حملة المقاطعة، وحديثهم عن انحسار الرصيد الاجتماعي للحكومة، وحديث آخرين عن أن تراجع أصوات المحافظين إلى النصف، أي إلى 20% تقريباً، مقارنةً بالانتخابات الماضية، يدل على رفض معظم الناخبين استمرار حكومة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ونهجه، لكن ناشطين محافظين ردوا السبب إلى غياب مرشح مثل رئيسي في هذه الانتخابات، ليكتسح الأصوات على غرار 2021، حيث حصل حينها على 18 مليون صوت، فضلاً عن آخرين تحدثوا عن أن هذه النسبة كانت نتيجة طريقة التعامل مع احتجاجات 2022 ومطالب المحتجين.
في الأثناء، لم يُخفِ ناشطون محافظون بارزون غضبهم من تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى 40 في المائة، حيث حمّل رئيس مركز التقييم والرقابة الاستراتيجية في الأمانة العامة بمجمع تشخيص مصلحة النظام الناشط المحافظ البارز ياسر جبرائيلي، في منشور على منصة إكس، الفريق الاقتصادي للحكومة الإيرانية الحالية، مسؤولية ذلك، قائلاً إن "مشاركة 40% ليست إلا نتيجة الهجوم المغولي على معيشة الشعب من خلال قرارات الليبراليين الجدد ذوي اللحية".
قصة الفصل بين الاستحقاقين
وعما إذا كان مستوى المشاركة هذه في ظل مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات يشير إلى تجاوز معظم الشارع الإيراني العناوين السياسية الرائجة، إصلاحياً أو محافظاً، يقول الخبير السياسي الإيراني، أحمد زيد أبادي لـ"العربي الجديد" إن "سقف المشاركة في الانتخابات حسب الأعراف العالمية هو نحو 70%، ولذلك لا يمكن بعد الحديث عن تخطي غالبية المجتمع عن الاصطفافات الموجودة"، عازياً هذه المشاركة إلى "استياء عميق وواسع من الوضع الراهن". ويضيف زيد أبادي أن الأصوات التي حصل عليها الإصلاحيون كانت لقاعدتهم الاجتماعية الثابتة، وجزء منها كان أصواتاً قومية بالنظر إلى انتماء بزشكيان إلى القومية الأذرية التركية.
وفيما توقع زياد أبادي زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الجولة الثانية "بشكل جاد بسبب المخاوف من فريق المرشح جليلي، وهي مخاوف حقيقية"، عزا تراجع المشاركة إلى عدم إجراء انتخابات المجالس البلدية في المدن والقرى تزامناً مع الانتخابات الرئاسية عكس الدورات السابقة، قائلاً إنه في الانتخابات البلدية "معظم المواطنين يحضرون إلى صناديق الاقتراع بدافع أسري وقبلي، وكل منهم أيضاً يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية"، وعليه، قلّل زيد أبادي من أهمية تراجع نسبة المشاركة، بالقول إن ذلك "ليس حدثاً محيراً للعقول".
أسباب تراجع حظوظ المحافظين
ویرى القائم بأعمال مسؤول صحيفة فرهيختغان الإيرانية المحافظة، مسعود فروغي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أهم أسباب تراجع المشاركة في هذه الانتخابات إلى مستوى جديد "يتمثل في عدم تحول الانتخابات إلى قضية عامة واجتماعية" في البلاد، مشيراً إلى أن الانتخابات "لم تصبح الشغل الشاغل لـ20 إلى 30% من الناخبين الآخرين الذين عادة يحسبون ضمن المصوتين"، لافتاً إلى إخفاق المناظرات الانتخابية في إحداث أي موجة انتخابية اجتماعية، فضلاً عن تبكير الانتخابات الرئاسية بعد رحيل رئيسي وفصلها عن انتخابات المجالس البلدية التي تزيد عادة من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية أيضاً. ويضيف فروغي أن التيارات السياسية، المحافظة أو الإصلاحية "أخفقت في طرح أفكار جذابة وحديثة لإحداث موجة عامة للمشاركة في الانتخابات"، مشيراً إلى أن هذه التيارات "بحاجة إلى إعادة بناء نفسها سياسياً والواقعية وكسر المأزق".
وعن سبب تساقط أصوات المحافظين إلى مستوى جديد، يقول فروغي إنه "ربما وراء ذلك الشعور بالتمييز والضعف لدى الناخبين في تحقيق انفراجات عبر صناديق الاقتراع"، مؤكداً أن هذه الصناديق "هي السبيل الوحيد للإصلاحات السياسية في إيران، وأي فعل سياسي آخر خلال حياة الثورة الإسلامية لم يُفضِ إلى نتيجة إيجابية"، مشيراً إلى إحباط الشرائح الضعيفة اقتصادياً المطالبة بالعدالة ورفع التمييز من تحقيق مطالبهم على يد المرشحين المحافظين.
علماً بأن المرشحين المحافظين، قاليباف وجليلي، حصلا معاً على نحو 13 مليون صوت، ما يكشف عن تساقط أصوات المحافظين نحو النصف، مقارنةً بانتخابات 2021، حيث اقتصر فيها التنافس بين المحافظين، وحصل المرشحون المحافظون الثلاثة آنذاك، بمن فيهم رئيسي معاً على 22 مليون صوت. وأكد فروغي لـ"العربي الجديد" أن التيار المحافظ لا خيار أمامه إلا إعادة بناء علاقاته مع مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على رفع فاعليته لحل مشكلة عدم الثقة به.
اتساع الفجوة
بدوره، يؤكد الخبير الإصلاحي الإيراني داود حشمتي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "الرسالة المهمة والواضحة لهبوط المشاركة في الانتخابات، اتساع الفجوة بين الشارع والسلطات"، مشيراً إلى أن هذا ما كان يحذر منه الخبراء منذ عام 2020، مضيفاً أن "هذا هو خطر الإسقاط الذاتي كما حذر منه الرئيس الأسبق محمد خاتمي عام 2022 ودعا إلى الحؤول دونه". ويلفت حشمتي إلى أن هذا الواقع كان واضحاً من قبل، "لكن لا أحد مستعد للاعتراف به إلا إذا تجسد في أعداد نتائج الانتخابات وأرقامها"، مشيراً إلى أنه لولا مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات، لكانت نسبة المشاركة أدنى من 40%، وقال إن الإصلاحيين "لم يكن أمامهم فرصة كافية للتواصل مع المجتمع وإقناع المقاطعين بالمشاركة، وحتى قبل إجراء الانتخابات بثلاثة أسابيع لم يكن أحد يعلم بهوية المرشحين النهائيين" الذين سيعلن عنهم مجلس صيانة الدستور. ويضيف أيضاً أن بزشكيان نفسه "لم يتخذ خطوة للحصول على دعم المقاطعين، بل عمل على ردم الفجوات مع السلطة، وهذا الخطاب بطبيعة الحال لم يكن مرضياً لهؤلاء".