الانتخابات الرئاسية الإيرانية: استحقاق مرسوم على مقاس رئيسي

18 يونيو 2021
قسم كبير من الإيرانيين غير مهتم بالانتخابات (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

يتوجه الإيرانيون، اليوم الجمعة، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس ثامن لبلادهم، في انتخابات رئاسية هي الثالثة عشرة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، في ظل مجموعة عوامل تميز هذا الاستحقاق عن الجولات الانتخابية السابقة، لوجود جملة تحديات وأزمات متراكمة تشهدها إيران على الصعيدين الداخلي والخارجي في الوقت الراهن، وفي ظل تشابك وتداخل بين هذه التحديات، ما يمنح الانتخابات الراهنة، أهمية ودلالات قصوى، لمعرفة وجهة السياسات الإيرانية داخلياً وخارجياً.

وتأتي على رأس هذه التحديات، الأزمة الاقتصادية المرتبطة بدرجة كبيرة بما آل إليه الصراع الإيراني الغربي، والتي أدى استمرارها إلى جانب تحديات أخرى على مدى عقود، واستفحالها خلال السنوات الأخيرة، لتغيير قناعات شرائح إيرانية بالتدرج، ويُتوقع أن يظهر هذا التغيير في مستوى المشاركة في الانتخابات. كما أن إيران تُجري هذه الانتخابات في وقت تخوض فيه مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن في فيينا بغية إحياء الاتفاق النووي، وذلك بهدف رفع العقوبات عن البلاد. ومع تراجع التوقعات بالتوصل إلى اتفاق في هذه المباحثات خلال الفترة المتبقية لولاية الحكومة الحالية "المعتدلة" برئاسة حسن روحاني، حتى الثالث من أغسطس/آب المقبل، فعلى الأغلب سيُرحّل الملف إلى الحكومة المقبلة التي غالباً ما ستكون من نصيب المحافظين، لذلك يهمّ إيران أن يكون رئيسها المحافظ المقبل مسنوداً بأعلى أصوات شعبية، لكي يتفاوض من موقع القوة. لكن في ظل فتور المشهد الانتخابي راهناً، يبقى صعباً أن يحصل الرئيس الفائز، أياً كانت هويته السياسية، على أعلى مما حصل عليه الرؤساء السابقون.

لكن هذه الظروف لا تعني أن صورة النتائج المتوقعة ليست واضحة، مع ترجيحات بفوز المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي تبنّى ترشيحه التيار المحافظ، وهو ينافس ثلاثة مرشحين آخرين بينهم واحد فقط من الإصلاحيين، بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور عدداً كبيراً من المرشحين، وانسحاب آخرين. لكن يبقى رهان المحافظين على مشاركة شعبية كثيفة في الانتخابات لـ"تشكيل حكومة قوية"، في ظل التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة. في المقابل، بدا التيار الإصلاحي مرتبكاً ومنقسماً، بين من يدعو إلى المشاركة، ومن يصر على المقاطعة، ومن لا يبدي اهتماماً بالعملية الانتخابية، مع اعتبار بعض الإصلاحيين أن العملية جرت "هندستها" لصالح رئيسي، لتبرز مخاوف بعض الناشطين من تحوّل البلاد إلى مشهد مماثل لكوريا الشمالية أو سورية. لكن تطوراً لافتاً برز في اليومين الأخيرين، مع دعوات قيادات من الإصلاحيين للمشاركة، وهو ما يقرأه مراقبون محاولة لمنع رئيسي من الفوز في الجولة الأولى، ودفع الانتخابات لجولة ثانية.

يراهن المحافظون على مشاركة شعبية كثيفة في الانتخابات لـ"تشكيل حكومة قوية"

ويتنافس في هذه الانتخابات أربعة مرشحين، ثلاثة منهم محافظون، هم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، والبرلماني أمير حسين قاضي زادة هاشمي، أما المرشح الرابع فهو رئيس البنك المركزي السابق، الإصلاحي عبد الناصر همتي، الذي ترشح خارج الأطر الإصلاحية. واستقر عدد المرشحين على أربعة بعد انسحاب المرشح الإصلاحي محسن مهر علي زادة، والمرشحين المحافظين علي رضا زاكاني، وسعيد جليلي. جاء انسحاب مهر علي زادة لصالح همتي من دون الإعلان عن ذلك رسمياً، فيما انسحب جليلي وزاكاني لصالح رئيسي مع التصريح به علناً.

ويحق لـ59 مليونا و310 آلاف و307 إيرانيين التصويت في هذه الانتخابات، وتبدأ العملية الانتخابية في تمام الساعة السابعة صباحاً وتستمر حتى 12 ليلاً، ويمكن تمديدها ساعتين أيضاً. ويستقبل 70 ألف صندوق اقتراع تتوزع في المدن والقرى بـ31 محافظة إيرانية، أصوات الناخبين الإيرانيين. وتُعلن نتائج الانتخابات عادة في اليوم التالي لإجرائها، وإذا حصل أي مرشح على النصف زائد واحد من الأصوات، يفوز بمنصب الرئاسة، أو تتجه البلاد إلى جولة ثانية بين المرشحَين اللذين يتصدران الجولة الأولى. وإلى جانب الانتخابات الرئاسية، ستُجرى أيضاً اليوم انتخابات مجالس البلدية في المدن والقرى الإيرانية، إلى جانب انتخابات في دوائر انتخابية لاختيار ممثلين لستة مقاعد شاغرة في البرلمان وستة في مجلس خبراء القيادة.

ويرافق جدل واسع في إيران الاستحقاق الحالي، منذ الإعلان عن الترشيحات الرئاسية الرسمية في 26 مايو/أيار الماضي، واستبعاد مجلس صيانة الدستور معظم المرشحين من بينهم شخصيات بارزة، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ونائب الرئيس الإيراني، القيادي الإصلاحي إسحاق جهانغيري. تركيبة المرشحين الذين منحهم مجلس صيانة الدستور الأهلية، لا تمثّل جميع التيارات والقوى السياسية في البلاد، ما دفع التيار الإصلاحي إلى القول إن هذه السياسة جعلت الانتخابات الحالية "غير تنافسية"، متهماً المحافظين ومجلس صيانة الدستور بالسعي لإنهاء الجمهورية. بالتالي، يرى البعض أن نتائج الانتخابات باتت معروفة من قبل، لعدم وجود فرص متكافئة بين المرشحين، فإبراهيم رئيسي، الذي يقف التيار المحافظ خلفه بقوة لإيصاله إلى الرئاسة، بعد تغييب منافسه الإصلاحي، هو الأوفر حظاً، من دون وجود منافس يمتلك وزناً سياسياً.

وبدا التيار الإصلاحي في حالة ارتباك وانقسام شديدين، وهو ما ظهر في المواقف الصادرة، بين من يدعو إلى التصويت لصالح همتي، ومن يدعو إلى المشاركة بحذر من دون تسمية همتي، ومن يصر على المقاطعة، ومن لا يبدي اهتماماً بالعملية الانتخابية. ومارست تيارات إصلاحية خلال الأيام الأخيرة، في مقدمتها حزب "كوادر البناء"، الذي يُعتبر المرشح همتي عضواً في لجنته المركزية، ضغوطاً على "جبهة الإصلاحات" لدعم همتي، لكنه فشل. كما أن دعوة مهدي كروبي، القابع تحت الإقامة الجبرية منذ 2010، وحزبه "اعتماد ملي"، للتصويت لصالح همتي، لم تدفع "جبهة الإصلاحات" لتغيير موقفها.

لكن عدم إعلان الجسم الموحد للإصلاحيين (جبهة الإصلاحات) تبنّي ترشيح همتي، يعود بالأساس إلى قناعة الجبهة بعدم قدرتها على إقناع القاعدة الشعبية للإصلاحيين بالمشاركة في الانتخابات بكثافة، والتصويت لصالح همتي. وقالت مصادر قيادية في التيار الإصلاحي لـ"العربي الجديد" إن الجبهة ناقشت خلال الأيام الماضية نتائج استطلاعات الرأي لمعرفة مستوى المشاركة بالانتخابات وموقع همتي في الشارع إن دعمته، لكنها وصلت إلى قناعة أن النسبة متدنية و"بالتالي فضّلت عدم الدخول في هذه المغامرة". وأضافت أن التيار الإصلاحي "لو كان يعلم أن بإمكانه تحريك الشارع للمشاركة بكثافة، لأعلن تبني ترشيح همتي لإفشال حسابات المحافظين".

مصادر: لو كان التيار الإصلاحي يعلم أن بإمكانه تحريك الشارع للمشاركة بكثافة، لأعلن تبني ترشيح همتي

مع ذلك، تشير تطورات اليومين الأخيرين إلى أن الإصلاحيين باتوا يمارسون لعبة سياسية غير مضمونة النتائج، لإرباك حسابات المحافظين. واللعبة تنكشف تفاصيلها بتعالي أصوات شخصيات إصلاحية كبيرة خلال الأيام الأخيرة للمشاركة في الانتخابات، لكن من دون تسمية همتي وتبني ترشحه. ويبدو أن هذا التصرف لا يهدف فقط إلى الخروج من الحرج الذي قد يتسبب به عدم الدعوة للمشاركة، بل إن هذه الدعوات إلى جانب هذا الدافع، مشفوعة بأمل، ولو ضئيلاً، ومدفوعة بالشعور بخطورة الوضع في وجهة نظرهم إن تُركت الساحة بالكامل للمنافس المحافظ. بالتالي، يجب تغيير اللعبة، كما دعا الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الأربعاء، من خلال المشاركة بالانتخابات.

لكن سؤالاً مهماً يُطرح بقوة عن سبب عدم دعوة الإصلاحيين للتصويت لهمتي على الرغم من المطالبات المتصاعدة للمشاركة بالانتخابات، وهو ما يراه البعض محاولة لعدم تحميل التيار الإصلاحي مسؤولية فشل همتي، فضلاً عن أن الإعلان رسمياً عن همتي كمرشح للتيار الإصلاحي سيشكّل إحراجاً لهذا التيار الذي أكد بعد استبعاد مرشحيه أن الانتخابات باتت "غير تنافسية". وحتى الآن ليس واضحاً ما إذا كانت هذه الدعوات قد شقت طريقها إلى قلوب القواعد الإصلاحية الرافضة للمشاركة في الانتخابات، ودفعتها لتغيير موقفها والتصويت لهمتي. لكن ما تبتغيه هذه القيادات الإصلاحية حالياً هو منع رئيسي من تحقيق الفوز في الجولة الأولى، ودفع الانتخابات لجولة الثانية، وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن وقوع مفاجأة كبرى في الانتخابات.

وفي السياق، قال نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي، لـ"العربي الجديد"، إنه إذا لم تُحسم نتائج الانتخابات في الجولة الأولى، وكان همتي أحد المرشحَين اللذين سيخوضان جولة الإعادة، فـ"سيفوز المرشح الإصلاحي بكل تأكيد"، مرجعاً سبب ذلك إلى أن التنافس حينئذ سيكون بين مرشح السلطة ومرشح خارج السلطة، وهذا سيحفز الشارع باتجاه الأخير.

أما التيار المحافظ فشارك في السباق الرئاسي بوحدة وانسجام، وعلى الرغم من تعدد مرشحيه، فإن ذلك لا يقلل فرص فوز مرشحه الرئيسي، إبراهيم رئيسي، فأصوات أبناء التيار تبدو مضمونة له، وهي أصوات ثابتة تشارك في أي انتخابات إيرانية، باعتبارها "واجباً سياسياً ودينياً". مع ذلك، فإن انسحاب أحد المرشحين الإصلاحيين لصالح همتي وتزايد الدعوات الإصلاحية للتصويت له، أثار مخاوف لدى التيار المحافظ من احتمال تكرار المفاجآت في الانتخابات الرئاسية. وعليه، مارست أوساط محافظة متنفذة ضغوطاً على المرشحين المحافظين للانسحاب لصالح رئيسي منعا لأي تطورات مفاجئة. تجاوب معها سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني. لكن لا يخفى أن هذه الانسحابات، لها دافع آخر أيضاً، وهي المساعدة في فوز رئيسي بنسبة مشاركة عالية.

وما يميز الانتخابات الرئاسية الحالية، عن سابقاتها، ليس فقط أنها تأتي في ظروف داخلية وخارجية حساسة، بل لحالة فتور تخيّم عليها أيضاً، وهي حالة عزاها وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، إلى تفشي وباء كورونا وتصرف مجلس صيانة الدستور (استبعاد المرشحين)، وعليه فالعزوف عن المشاركة في هذه الدورة من المتوقع أن يكون أعلى من الدورات السابقة. والأسباب تختلف بين ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، فمنها ما يرتبط باستبعاد مرشحين من السباق الرئاسي، ليس مرشحي التيار الإصلاحي فقط، بل مرشحون آخرون، في مقدمتهم أحمدي نجاد، الذي أكد بعد رفض أهليته أنه لن يشارك في الانتخابات، ما تُعتبر دعوة غير مباشرة لأنصاره إلى مقاطعتها، بالإضافة إلى اتخاذ تيارات إصلاحية كثيرة الموقف نفسه.

كما أن الأزمة الاقتصادية والوضع المعيشي المتردي للمواطنين، يتصدران قائمة أسباب العزوف عن المشاركة لدى شرائح إيرانية. إلى ذلك، كثفت قنوات المعارضة الإيرانية في الخارج، دعواتها للإيرانيين لمقاطعة الانتخابات. في المقابل، تعالت خلال الأيام الأخيرة، الأصوات المحافظة والإصلاحية الداعية إلى المشاركة في الانتخابات.

وفي السياق، ألقى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، كلمة، الأربعاء، خصصها لموضوع الانتخابات بالكامل، في خطوة نادرة، ودعا الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات، لـ"إحباط مخططات الأعداء"، محذراً من عدم المشاركة بداعي الأزمة الاقتصادية، وقال إن تراجع نسبة المشاركة فيها "يزيد من ضغوط الأعداء مثل العقوبات"، ومعتبراً أن "حل المشاكل يكمن في التصويت" وليس عدم المشاركة فيها.

دعا خامنئي الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات، لـ"إحباط مخططات الأعداء"

هذه الأجواء التي تلف العملية الانتخابية، تجعل تطلعات الشارع الإيراني لهذا الاستحقاق، تتباين، وهو ما يبرز في رصد "العربي الجديد" لآراء عدد من المواطنين في مناطق مختلفة من طهران. أحمد، شاب ثلاثيني يعمل في سوق طهران الكبير، رأى أن الاستحقاق الرئاسي لا يعنيه، مضيفاً "ما يهمني اليوم هو تدبير دخلي اليومي كي أعيش وأسرتي". وتابع "إذا صوّتت فهل سيتحسن وضعي؟ طبعاً لا، بالتالي أنا غير معني بالمشاركة". أما الطالبة الجامعية، سعيدة، فعبّرت عن وجهة نظر مختلفة، قائلة "سأشارك بالانتخابات، لكن ليس لأنني مقتنعة بما حدث (الترشيحات) بل لأنني مؤمنة بأن صندوق الاقتراع هو الخيار الوحيد لتغيير الوضع".

من جهته، شكا علي رضا، صاحب متجر صغير غرب العاصمة، من تراجع القوة الشرائية للمواطنين ما أدى لخفض دخله كثيراً. وأوضح أنه "بعد انطلاق مفاوضات فيينا وعلى ضوء تصريحات السيد روحاني، كنا نعد الأيام والساعات لكي ترفع العقوبات، لكن ذلك لم يحصل، ولدي قلق متزايد من أن الوضع يزداد سوءاً إذا لم تصل المفاوضات إلى نتيجة. الآن ليست لدي فكرة حول المشاركة. أنا متردد".

"لمن أصوت؟ لا أرى مرشحاً قادراً على حل مشاكلنا بين المرشحين"، بحسب سائق الأجرة الثلاثيني محمد جواد، مضيفاً أن "رئيس الجمهورية منصب شرفي، لو كانوا قادرين على حل المشاكل لحلّوها من قبل"، معتبراً أن "الأزمة الاقتصادية لن تحل قبل حل النزاع مع أميركا". الأربعيني أمير حسين أكد أنه سيشارك في الانتخابات "لأنه واجب ديني وسياسي"، مضيفاً "أنا أيضاً عندي تحفظات كثيرة على الوضع الاقتصادي الراهن الذي تسبّبت به الحكومة، لكن هذه الانتقادات هي التي تشجعني على المشاركة في الانتخابات والتصويت لتغيير هذا الوضع".

المساهمون