الانتخابات الجزائرية... خمس قضايا غابت عن النقاشات

06 سبتمبر 2024
لافتة تدعو للاقتراع، الجزائر العاصمة (بلال بن سالم/فرانس برس)
+ الخط -

شكّلت حزمة كبيرة من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أولويات في نقاشات حملة المرشحين الثلاثة في الانتخابات الجزائرية المقررة السبت المقبل، الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، لكن عدداً من القضايا الأخرى بالغة الأهمية، بدا أنها كانت أقل حضوراً في الخطاب الانتخابي لأسباب متعددة.

خمس قضايا بالغة الأهمية، غابت عن النقاشات السياسية خلال حملة الانتخابات الجزائرية أو لم تحظ بما يكفي من الانشغال السياسي مقارنة بأهميتها وصلاتها بأزمات الجزائر، ولكونها قضايا حساسة تفرض نفسها في الواقع الجزائري، أولها مسألة الحريات. فعلى الرغم من القلق السياسي الذي تعبّر عنه بشكل مستمر قوى وأحزاب مختلفة بشأن تراجع منسوب الحريات، وتآكل مكاسب حُققت في السابق في هذا المجال وفي مجال حرية الصحافة والعمل النقابي وحق التنظم والتظاهر، إلا أن الحملة الانتخابية لم تكن منصة لطرح هذا الموضوع على نحو كافٍ، وهو ما ينتقد بشأنه نشطاء مستقلون المرشحين، خصوصاً أوشيش وحساني كونهما يمثلان خطاً للمعارضة، مع الإقرار بأن كليهما طرحا تعهدات بشأن توسيع الحريات واستعادة نسق يتيح الحد من التضييق على الحقوق والحريات.

الحملة الانتخابية لم تكن منصة لطرح موضوع الحريات على نحو كافٍ

ملف استقلالية العدالة والقضاء الذي كان يشكل أحد أبرز ركائز الخطاب السياسي والانتخابي، بالنسبة للمرشحين والأحزاب في المحطات السياسية والاستحقاقات الانتخابية خصوصاً، حتى وإن كان المرشحون تطرقوا إليه ضمن الحديث عن إصلاح النظام السياسي والفصل بين السلطات، إلا أن هذا الملف هو الآخر من بين الملفات التي لم يبرز النقاش بشأنها بالقدر الكافي في حملة رئاسيات 2024. وظلت هذه القضية أحد الهواجس التي رافقت جميع محطات التحول السياسي في البلاد منذ عقود، إذ غالباً ما ينظر المجتمع السياسي والمدني والحقوقي في الجزائر إلى العدالة كقطاع وظيفي تستخدمه السلطة ضد المعارضين لخياراتها، وتُطرح شكوك حول استقلالية السلطة القضائية عن السلطة السياسية، بينما ينفي الخطاب الرسمي ذلك، ويعلن إنجازه تقدماً كبيراً باتجاه تعزيز استقلالية المؤسسة القضائية.

يرتبط ذلك في الاتجاه نفسه بمسألة الانتقال الديمقراطي التي كانت أهم مطالب الحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير/شباط 2019. وبخلاف ما كان متوقعاً أن يتمركز الانتقال الديمقراطي في قلب النقاش في الانتخابات الجزائرية لكون أن سياق انتخابات السابع من سبتمبر/أيلول الحالي يأتي بعد خمس سنوات من الحراك الذي كان فيه الانتقال الديمقراطي أبرز مطلب سياسي وشعبي، فإنه لوحظ في خضم الحملة الانتخابية للمرشحين الثلاثة خفوت لافت في الحديث عن هذا المطلب. وبدا أن هناك تجاوزاً نسبياً لهذا المطلب. وإذا كان الأمر مفهوماً بالنسبة لتبون، كونه يعتبر أنه أنجز إصلاحات سياسية عززت المسار الديمقراطي، إلا أن المرشحين الآخرين، حساني وأوشيش، كانت لديهما مساحة أكبر لتبنّي هذا المطلب بالقدر الذي يطالب به قطاع واسع من المجتمع السياسي والمدني غير المنتظم، خصوصاً النشطاء المستقلين، بل فضّلا إدماجه ضمن سياق الحديث عن قضايا الإصلاح السياسي وتحقيق استقلالية أكبر للمؤسسة النيابية ومؤسسات الحكم المحلي، وبناء مجتمع مدني قوي وغير ريعي، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية على أساس تمثيلي حقيقي.

غياب ملف الهجرة عن الانتخابات الجزائرية

خارج القضايا السياسية الآنفة الذكر، لم يشكل ملف الهجرة غير النظامية، نقاشاً حقيقياً في الانتخابات الجزائرية على الرغم من أن القضية ما زالت تطرح نفسها بحدة على كل الأصعدة. كما أن حملة الانتخابات الجزائرية تزامنت مع حديث عن عودة لافتة لهذه الظاهرة، بعد ورود تقارير عن وصول مستمر لقوارب المهاجرين (يوصفون في الجزائر بالحراقة)، إلى السواحل الإسبانية خصوصاً.

لم يشكل ملف الهجرة غير النظامية نقاشاً حقيقياً في الانتخابات

ولم يتطور النقاش بشأن الهجرة غير النظامية إلى فحص عميق لدوافع هجرة الشباب والإصرار على المخاطرة، على الرغم من التسهيلات التي تقدمها الحكومة للشباب في ما يتعلق بإسناد القروض ودعم إطلاق المبادرات المهنية والاقتصادية والتجارية الحرة، وإلى طرح حلول واقعية مقنعة للشباب بذلك. كما لم يستغل المرشحان المنافسان لتبون المسألة لتقديمها كحالة فشل للسياسات الحكومية المتعلقة بالإحاطة بالشباب.

سحب ملف المسألة الدينية

ملف آخر بدا فيه النقاش محدوداً، يتعلق بالمسألة الدينية والأمازيغية والقضايا الهوياتية، وهي قضايا كانت في سابق الاستحقاقات السياسية والانتخابية محور جدل وخلاف ومناكفة بين القوى والأحزاب والمرشحين، لكنها سحبت إلى حد كبير من مجالات النقاش السياسي خلال حملة الانتخابات الجزائرية الحالية، وعُد ذلك أمراً إيجابياً. ويمكن تفسير ذلك بترسخ قناعة لدى القوى المشاركة في الانتخابات الجزائرية بضرورة تجاوز هذا النقاش، والحديث في المقابل عن القواسم المشتركة والجامعة للجزائريين، والسعي لتعزيز المشترك الثقافي وتحويله إلى عامل توحيد وإثراء للمكون المجتمعي في الجزائر، وسحب توظيفها من حركات سياسية تعمل على إثارة الفتنة والانقسام في البلاد.

ويعتقد متابعون لمجريات حملة الانتخابات الجزائرية أن هناك احتمالات أن يكون هناك توافق بين المرشحين الثلاثة بشأن العناوين التي يتعيّن تجاوزها خلال الحملة الانتخابية، أخذاً بعين الاعتبار التوازنات السياسية والظروف التي تجري فيها الانتخابات. وكان أوشيش رد على ملاحظات وانتقادات طاولته بشأن عدم إثارة هذه القضايا بالحدة والشكل المطلوبين، وقال، لـ"العربي الجديد"، إنه هو وحزبه جبهة القوى الاشتراكية "لم يتوقفوا يوماً عن الدفاع عن ملف الحريات وملف معتقلي الرأي، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات"، وكذا "سحب أو إعادة النظر في كل القوانين الجائرة المؤطرة للحياة العامة، وتكريس دولة القانون والحريات والديمقراطية وضمان استقلالية العدالة، وإعادة الاعتبار للحريات السياسية، الجمعوية والنقابية".

وأكد رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، في آخر خطاب له الثلاثاء الماضي، التزامه "بتوسيع هامش الحريات وتجريم كل مساس من أي جهة حكومية للحريات، وإنجاز إصلاح دستوري وقانوني لبيئة الحكم، تتضمن خصوصاً دسترة تجريم الاعتداء على الحريات المنصوص عليها قانوناً، والضمان الفعلي للفصل والتوازن بين السلطات، وتعميق حق المساءلة والرقابة على عمل السلطات العمومية، وتسهيل وتبسيط إجراءات تأسيس الأحزاب والجمعيات، ومراجعة القوانين ذات الصلة بالنشاط السياسي والنقابي والمدني".

المساهمون