مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، بشقيّها الرئاسي والتشريعي، يوم الأحد المقبل، تتجه الأنظار إلى الولايات التركية الرئيسية التي تشكل ثقلاً انتخابياً وتتنافس عليها الأحزاب. وينعكس الحجم السكّاني في كل ولاية تركية على الثقل الانتخابي، سواء من حيث التمثيل البرلماني (يضمّ البرلمان التركي 600 مقعد) نظراً لعدد المرشحين الذين تطرحهم الأحزاب، أو الانتخابات الرئاسية، ويتعلق ذلك بالتكتل العرقي والقومي من جهة، والأيديولوجي من جهة أخرى، والذي تختلف نسبته صعوداً وهبوطاً من ولاية إلى أخرى.
ويبلغ عدد الولايات التركية 81 ولاية، يختلف حجمها نظراً إلى الكثافة السكّانية التي تتمتع بها كل ولاية، في حين أن ولاية إسطنبول تحتل المرتبة الأولى بنحو 16 مليون نسمة ويقيم فيها 18,71 في المائة من مجموع سكّان تركيا، بحسب إحصائيات عام 2022، تليها أنقرة بنحو 6 ملايين نسمة، ثم إزمير بنحو 4.5 ملايين نسمة، وبورصة بأكثر من 3 ملايين، ثم خامساً أنطاليا بـ2.6 مليون نسمة.
وسط الأناضول
من أبرز المناطق التي تدعم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم مدن وسط منطقة الأناضول المحافظة، والتي تشكل 13 ولاية تركية بـ172 منطقة. وفي الانتخابات العامة السابقة التي أجريت في يونيو/حزيران 2018، بلغت نسبة التصويت للحزب الحاكم في منطقة وسط الأناضول 47.05 في المائة. وحصل حزب الشعب الجمهوري على نسبة 19.85 في المائة، وحلّت في المرتبة الثالثة الحركة القومية بنسبة 15.77 في المائة، والحزب الجيّد بالمرتبة الرابعة بنسبة 11 في المائة، وخامساً حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بنسبة 4.38 في المائة.
حالة السخط بين أنصار الحزب الجيد قد تلعب لصالح أردوغان
وتشكل قونية وأنقرة وقيصري، الولايات الأكبر (بوسط الأناضول) من حيث عدد المقاعد في البرلمان (61 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان)، وتعد معاقل لحزب "العدالة والتنمية"، باستثناء الدائرة الأولى في أنقرة التي تعتبر إحدى أبرز قلاع حزب الشعب الجمهوري.
شرق الأناضول
تعد منطقة شرق الأناضول ثاني أكبر المناطق الجغرافية في البلاد من حيث المساحة، وتغلب فيها نسبة السكّان الأكراد، كما توجد فيها نسبة أقل من الأتراك والأعراق المختلفة الأذرية والأرمنية والشركسية والجورجية.
ويبلغ عدد الولايات في منطقة شرق الأناضول 14 ولاية، يتنافس فيها حزب "العدالة والتنمية" مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث ترتيب قوة الأحزاب فيها.
وتعد ولايتا فان وهكاري، في شرق الأناضول، محسومة لصالح "الشعوب الديمقراطي"، في حين تعد ملاطية وأرضروم ولايتين محسومتين لصالح "العدالة والتنمية".
وتشكل منطقة شرق الأناضول 53 مقعداً في البرلمان. وفي انتخابات 2018، بلغت نسبة التصويت للحزب الحاكم فيها 42.29 بالمائة، وجاء حزب الشعوب الديمقراطي في المرتبة الثانية بنسبة 31.31 في المائة، والحركة القومية في المرتبة الثالثة بنسبة 10.22 بالمائة. وحلّ حزب الشعب الجمهوري رابعاً بنسبة 8.46 في المائة، والحزب الجيد خامساً بنسبة 4.46 في المائة، وحزب السعادة بنسبة 1.21 في المائة.
جنوب شرق الأناضول
تملك منطقة جنوب شرق الأناضول 65 مقعداً في البرلمان. وفي الانتخابات العامة السابقة، بلغت نسبة التصويت للحزب الحاكم فيها 39.96 في المائة. وجاء حزب الشعوب الديمقراطي في المرتبة الثانية بنسبة 38.60 في المائة، والحركة القومية في المرتبة الثالثة بنسبة 7.07 في المائة، وحزب الشعب الجمهوري رابعاً بنسبة 6.92 في المائة، والحزب الجيد خامساً بنسبة 3.54 في المائة، وحزب السعادة سادساً بنسبة 1.40 في المائة.
يشكل الأكراد الأغلبية في منطقة جنوب شرق الأناضول بنسبة 70 في المائة، والعرب 15 في المائة، والأتراك 10 في المائة، ونحو 5 في المائة من المسيحيين السريان والأشوريين والكلدان والأرمن. كما تطغى على المنطقة العشائرية والآغاوية، والتعصب للدين، وينشط فيها الأكراد الإسلاميون. وتتميز ولايات غازي عنتاب وديار بكر وشانلي أورفة بدور اقتصادي فاعل له تأثير كبير على الولايات المحيطة بها.
منطقة البحر الأبيض
تتشكل منطقة البحر الأبيض المتوسط من 8 ولايات، وتمثل 74 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان التركي. وفي الانتخابات العامة عام 2018، بلغت نسبة الاقتراع للحزب الحاكم في المنطقة 37.30 في المائة، وجاء حزب الشعب الجمهوري ثانياً بنسبة 24.65 في المائة، وحزب الحركة القومية ثالثاً بنسبة 13.50 بالمائة، والحزب الجيد رابعاً بنسبة 12.97 في المائة، ثم حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 9.97 بالمائة، وحزب السعادة بنسبة 1.02 بالمائة.
ويتنافس حزب "العدالة والتنمية" مع "الشعب الجمهوري" في ولايات أنطاليا، مرسين، أضنة، وهاتاي، التي خسرها الحزب الحاكم في انتخابات البلدية عام 2019. فيما يتنافس الحزب مع حليفه "الحركة القومية" في ولاية العثمانية.
منطقة بحر إيجه
يتنافس حزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور مع حزب الشعب الجمهوري وتحالفه في ولايات منطقة بحر إيجه البالغ عددها ثمانية، لكن الطابع العلماني الأتاتوركي يغلب على سكان المناطق الساحلية وفي مقدمتها ولاية إزمير، ثالث كبرى الولايات التركية، ما يجعلها محسومة لحزب الشعب الجمهوري. أما الطابع القومي اليميني فيتركز في الولايات الداخلية التابعة لمنطقة إيجة، ما يجعلها أقرب لـ"العدالة والتنمية" وحليفتها الحركة القومية.
وتشكل منطقة بحر إيجه 75 مقعداً في البرلمان. وفي الانتخابات العامة السابقة، بلغت نسبة التصويت للحزب الحاكم فيها 35.49 في المائة. وجاء حزب الشعب الجمهوري ثانياً بنسبة 33.36 في المائة، والحزب الجيد ثالثاً بنسبة 12.92 في المائة، وحزب الحركة القومية رابعاً بنسبة 8.81 بالمائة، يليهم حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 7.96 في المائة.
منطقة بحر مرمرة
تعد ولايات سكاريا وبورصة وكوجالي، ودائرة إسطنبول الثانية، معاقل لحزب "العدالة والتنمية" الذي يتنافس مع حزب "الشعب الجمهوري" في دوائر إسطنبول الأخرى.
حزب الشعوب الديمقراطي ضعيف نسبياً خارج قلاعه الجغرافية المعروفة
وتشكل منطقة بحر مرمرة 170 مقعداً في البرلمان. وفي الانتخابات العامة السابقة، بلغت نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية فيها 43.17 في المائة. وحلّ حزب الشعب الجمهوري ثانياً بنسبة 26.56 في المائة، والحزب الجيد ثالثاً بنسبة 9.83 في المائة، وحزب الشعوب الديمقراطي رابعاً بنسبة 9.66 في المائة، وحزب الحركة القومية خامساً بنسبة 8.81 في المائة.
منطقة البحر الأسود
تحظى منطقة البحر الأسود بـ66 مقعداً في البرلمان. وفي الانتخابات العامة السابقة، بلغت نسبة الاقتراع فيها لحزب العدالة والتنمية 52.01 في المائة، وأتى حزب الشعب الجمهوري ثانياً بنسبة 19.59 في المائة، والحركة القومية ثالثاً بنسبة 14.81 في المائة، والحزب الجيد رابعاً بنسبة 9.64 في المائة.
والمنافس الأساسي في منطقة البحر الأسود لحزب العدالة والتنمية هو التيار القومي اليميني المتمثل بالحزب الجيّد.
خريطة نفوذ الأحزاب
بالنظر إلى قائمة تمثيل المقاعد البرلمانية بحسب كل ولاية التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات التركية لعام 2023، نلاحظ أن إسطنبول تتصدر القائمة بحصولها على 98 مقعداً برلمانياً منفردة. ويمكن استعراض ثقل الولايات الكبرى الأخرى كالتالي: أنقرة بـ36 مقعداً، وإزمير 28، وبورصة 20، وأنطاليا 17، وأضنة 15، وقونية 15، وغازي عنتاب 14، وكوجالي 14، وعاشراً ولاية مرسين بـ13 مقعداً.
وتقسم خريطة نفوذ الأحزاب في الولايات الكبرى إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: ولايات يسيطر عليها حزب "العدالة والتنمية"، ومن خلفه "التحالف الجمهوري" الحاكم، بالأغلبية، وهي: إسطنبول وأنقرة وبورصة وقونية وغازي عنتاب وكوجالي.
ثانياً: ولايات يسيطر عليها "تحالف الشعب" المعارض بالأغلبية، وهي ولاية إزمير.
ثالثاً: ولايات متنازع عليها (دون أغلبية حاسمة لأحد)، وهي: أضنة ومرسين وأنطاليا.
وفي السياق، ذكر الصحافي والباحث التركي محمد طاهر أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حزب "العدالة والتنمية" ومعه التحالف الجمهوري كان يسيطر على 60 في المائة من الولايات الكبرى في السابق، في حين سيطر تحالف المعارضة على 20 في المائة منها فقط. أما الولايات المتنازع عليها، وهي أضنة ومرسين وأنطاليا، فيجدر الانتباه إلى أنه إذا أضفنا أصوات "الشعوب الديمقراطي"، فستكون الأغلبية على الأرجح فيها من نصيب تحالف المعارضة، نظراً للدعم الصريح الذي أعلنه هذا الحزب لمرشح الطاولة السداسية، كمال كلجدار أوغلو، في الانتخابات الرئاسية 2023 المقررة الأحد.
على صعيد التنوع العرقي، قال طاهر أوغلو إنه لا توجد في الولايات الكبرى العشر كثافة كردية مثل ولايات شرق وجنوب شرق تركيا، وتمكن ملاحظة أن حاضنة "الشعوب الديمقراطي" لها حضور، بين 13 و15 في المائة، في ولايات إسطنبول وأضنة ومرسين، ومنعدمة تقريباً في بورصة وقونية، وبنسبة تتراوح عند حدود 7 في المائة في الولايات الخمس الكبرى الأخرى.
وهذا يشير إلى أن الشعوب الديمقراطي ضعيف نسبياً خارج قلاعه الجغرافية المعروفة. ومع ذلك، فإن الحزب نفسه استطاع ترجيح كفّة المعارضة في بلدية إسطنبول خلال الانتخابات المحلية في عام 20،19 حينما منح أصواته لمرشح الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ولذلك فإن تأثيره على الانتخابات الرئاسية في إسطنبول وأضنة ومرسين لا يمكن الاستخفاف به.
وفي ما يتعلق بالتنوع الأيديولوجي، أكد طاهر أوغلو أن المحافظين واليمينيين هم المهيمنون على هذه الولايات في المجمل باستثناء إزمير، بما في ذلك أنصار الحزب الجيد، فهم بمعظمهم ذوو خلفية قومية، وهذا مؤشر مهم إذا أخذنا بعين الاعتبار حالة السخط بين أنصار الحزب الجيد القومي بسبب تنازل زعيمتهم ميرال أكشنر عن موقفها المعارض لترشيح كلجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية من جهة، والتحالف مع الشعوب الديمقراطي الكردي اليساري بشكل غير مباشر من جهة أخرى. وهذا يعني أن يستفيد حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية جزئياً من أصوات الحزب الجيّد، خصوصاً أن العديد من التحليلات واستطلاعات الرأي يشير إلى تراجع طرأ على حاضنة هذا الحزب خلال الأسابيع الأخيرة للأسباب ذاتها.
منافسة شرسة في الرئاسية
وبناءً على استطلاعات الرأي ومعطيات ميدانية، توقع طاهر أوغلو حصول تغيير في توزيع المقاعد البرلمانية على الولايات الكبرى، لا سيما في إسطنبول وأنقرة اللتين كسبهما الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية، ورشّح رئيسي بلديتيهما أكرم إمام أوغلو ومنصور ياواش لمنصب نائبي الرئيس.
من ناحية أخرى، وعلى اعتبار حصول تغير ما في التوزيع القائم حالياً في الولايات الكبرى، لا يُتوقع أن ينعكس على بقية الولايات الصغيرة التي تعتبر حواضن صلبة بحسب كل حزب.
وفي الانتخابات الرئاسية، وبحسب معظم استطلاعات الرأي التي تقوم بها شركات بارزة وتركز على الولايات الكبرى، رأى طاهر أوغلو، ومعه باحثون أتراك محايدون، عدم حسم نتيجة الاقتراع الرئاسي من الجولة الأولى، ما يرجح ذهابها إلى جولة ثانية. ويأتي ذلك نظراً لوجود استنزاف حقيقي في الأصوات لدى الحكومة والمعارضة على حد سواء من جهة، ونظراً لعملية "التشتيت" الحاصلة بفعل وجود 4 مرشحين (قبل إعلان أحد المرشحين، وهو محرم إنجه انسحابه أمس الخميس) من جهة أخرى، ما يصعّب الخيارات على الناخبين لا سيما المترددين، ويجعلهم يمنحون أصواتهم للأقرب بغض النظر عمن سيحسم الأمر من أول جولة.
فرص أردوغان أكبر في الدورة الثانية إذا صوّت ناخبو أوغان وإنجه له
يذكر أن المرشحين للرئاسة بعد انسحاب إنجه هم: الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف الشعب كمال كلجدار أوغلو، والمرشح عن تحالف "أتا" القومي المتطرف سنان أوغان.
وكانت هناك مؤشرات على تقدم إنجه بواقع 4 في المائة على الأقل، يليه سنان أوغان بواقع 2 في المائة على الأقل. ويعني ذلك أن نسبة معينة من الممكن أن تحرم أردوغان وكلجدار أوغلو من حسم الانتخابات في الجولة الأولى، وفقاً لطاهر أوغلو. علماً أن نسبة 51 في المائة للفوز (في الدورة الأولى) تتطلب حصول الطرف الآخر على 43 في المائة فقط، وهذا مستبعد نظرياً إلا في حال واحدة، وهي ذهاب نسبة 3 في المائة على أقل تقدير من "الحزب الجيد" إلى أردوغان. وتماشياً مع هذا السيناريو، نجد أن أردوغان وكلجدار أوغلو سيتواجهان على الأرجح في الجولة الثانية، حيث من المتوقع أن تكون فرص الرئيس الحالي أكبر، وذلك لأن نسبة جيدة من أصوات إنجه وسنان ستذهب إليه، لأنه الأقرب بالنسبة إلى الناخبين المؤيدين لهما، لا سيما مع وجود حزب الحركة القومية إلى جانبه ودعم الشعوب الديمقراطي الكردي لخصمه.
وفي حديث له لـ"العربي الجديد"، استبعد الباحث في كلية الإعلام بجامعة مرسين، نور الدين إنفر، خسارة حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب تحالف الشعب المعارض، لكتلته الانتخابية الصلبة (22-25 في المائة) التي ظلّت وفية له في كل الظروف، وإن كان من المحتمل أن يتمكن المرشح الرئاسي محرم إنجه من قضم القليل منها. بل على العكس من ذلك، اعتبر الباحث أنه من الممكن أن ينعكس الانخفاض في شعبية "العدالة والتنمية" إيجاباً على "الشعب الجمهوري"، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية المستمرة وكارثة الزلزال.
وتطرق إنفر إلى إنجه كتهديد لكلجدار أوغلو وتحالف الشعب على المستوى الرئاسي، فلقد أثبت الأول نفسه مرشحاً شعبياً، لا سيما بين الناخبين الأصغر سناً، خصوصاً أن العديد من استطلاعات الرأي تمنحه بين 3 و5 في المائة من الأصوات، والتي تشكل نسبة حاسمة في ظل التقارب الشديد بين المرشحين. وبرأيه، فإن هذا ما يوضح الضغط المتزايد عليه من "الشعب الجمهوري" كي يتنحى، خصوصاً من باب عدم شقّ صف المعارضة.
إلى ذلك، رجّح الباحث سيناريو فوز أردوغان بالرئاسة وتحالف الشعب المعارض في البرلمان، خصوصاً مع استمرار تأثير أردوغان السياسي الكبير بالتوازي مع استمرار الأزمة الاقتصادية، متوقعاً حصول المعارضة على الأغلبية اللازمة في البرلمان، أي أكثر بقليل من 300 مقعد برلماني. وفي هذه الحالة، ستدخل البلاد في نفق عدم الاستقرار بسبب التنافس بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.