استمع إلى الملخص
- الوضع الاقتصادي وأزمة تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى قضية ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا، تلعب دورًا محوريًا في الحملات الانتخابية وتعكس التحديات التي تواجه سوناك.
- الأحزاب الأصغر تسعى لتعزيز حضورها في الانتخابات، مع تأثير قضايا مثل موقف بريطانيا من الأزمة في غزة على خيارات الناخبين، ودعوات لمناظرات مباشرة بين سوناك وستارمر تعكس الطبيعة التنافسية للسباق الانتخابي.
تشير معظم المعطيات واستطلاعات الرأي والتحليلات في بريطانيا، إلى أن الانتخابات البرلمانية البريطانية التي ستجري في الرابع من يوليو/تموز المقبل، ستؤدي إلى خسارة حزب المحافظين وصعود حزب العمّال مجدداً إلى سدّة الحكم بعد 14 عاما من حكم المحافظين. إلا أن حملة الانتخابات البرلمانية البريطانية التي انطلقت، قبل الإعلان الرسمي عن الانتخابات وتستمر خلال الأسابيع الستة المقبلة، قد تحمل معها معطيات مختلفة. وجاء إعلان رئيس الوزراء ريشي سوناك (المحافظين) يوم الأربعاء الماضي، عن موعد الانتخابات البرلمانية البريطانية في يوليو، مفاجئاً للتوقعات التي كانت تُرجّح إجراءها في نهاية العام الحالي، أو أقلّه في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، خصوصاً أن سوناك نفسه كان يرفض دعوات تبكير الانتخابات التي كان يطالب بها حزب العمّال وأحزاب أخرى، ويقاوم دعوات داخلية في حزبه بدأت تخرج للعلن تدعوه إلى تبكيرها.
يبدو سوناك وكأنه يريد النجاة بنفسه من صورة إطاحة داخلية
ويرجّح خبراء ومحللون أن خطوة الإعلان المفاجئ عن الانتخابات لها أسباب داخلية وأخرى خارجية. داخلياً، يبدو أن الدائرة حول رئيس الوزراء الذي وصلت شعبية حزبه إلى أدنى مستوياتها أصبحت تضيق أكثر، فهو يريد النجاة بنفسه من صورة إطاحة داخلية قد تطبع مسيرته السياسية أو تجنب تلقي ضربات جديدة من زملائه كما تفعل الوزيرة المقالة سويلا برافرمان، ممثلة جناح يمين المحافظين. أما خارجياً، فقد يكون عنصر المفاجأة عن إعلان الانتخابات، محاولة لسرقة الأضواء ووقف تصاعد التأييد الشعبي لزعيم العمّال كير ستارمر.
أزمة المعيشة في الانتخابات البرلمانية البريطانية
يأتي الإعلان عن الانتخابات البرلمانية البريطانية في خضم واقع سياسي واقتصادي يسعى للخروج من أزمة تكاليف المعيشة في بريطانيا، التي شهدت ارتفاع أسعار السلع الأساسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل أكثر من عامين، حيث لعبت بريطانيا دوراً في هذه الحرب من خلال دعم أوكرانيا. وصرّح رئيس الوزراء البريطاني في أكثر من مناسبة، أن "الاقتصاد يسير على المسار الصحيح، وأن حزبه وحده هو القادر على تحقيق الاستقرار". أما قضية ترحيل المهاجرين غير النظاميين (إلى رواندا) التي أخذت زخماً كبيراً بعد تمرير قانون في البرلمان لخدمة هذه الخطة أخيراً، وبدأت إجراءات عملية لتنفيذها، فيبدو أن الطائرات المحملة بالمهاجرين لن تقلع قبل الانتخابات.
في المقابل، يتهم حزب العمال بقيادة كير ستارمر، المحافظين، بالفشل في أكثر من حكومة وفرصة حصلوا عليها من خلال التفويض الشعبي، خصوصاً بعد جائحة كورونا والخروج من الاتحاد الأوروبي. وسيركز ستارمر في حملة الانتخابات البرلمانية البريطانية على شعاره الرئيسي وهو "التغيير"، وعلى قضايا الخدمات العامة، وبشكل خاص خدمة الصحة الوطنية، حيث قوائم الانتظار لتلقي العلاج تزداد بشكل كبير. أما قضية ترحيل المهاجرين غير النظاميين، فيرى "العمّال" أن الخطة غير واقعية من ناحية التنفيذ ومكلفة جداً لخزانة الدولة وبحاجة لخطة مختلفة. إلا أن سوناك يهاجم شعار "التغيير" الذي يطرحه "العمّال" لأنه "من دون خطة واضحة للعمل وسيؤدي إلى عدم استقرار البلاد"، كما قال يوم الأربعاء الماضي لحظة إعلانه موعد الانتخابات البرلمانية البريطانية.
تعتمد استراتيجية رئيس الحكومة البريطانية المحافظ، على الرهان على استمرار تحسّن الاقتصاد واستقراره الأمر الذي شهدته بريطانيا أخيراً، وعلى كونه الشخص المناسب الذي سينقذ البلاد من الأزمات التي ورثها عن رؤساء الحكومة السابقين. من جهتها، تعتمد استراتيجية حزب العمّال على اتهام المحافظين بإيصال البلاد إلى حالة اقتصادية سيئة وعدم تحقيقهم وعودهم التنموية العديدة، أبرزها الخدمات العامة، وأن الوقت حان للتغيير. وطالب المحافظون بإجراء مناظرة مباشرة بين سوناك وستارمر مرّة في كل أسبوع خلال الأسابيع الستة المقبلة، فيما ردّ ستارمر أمس الجمعة بالقبول، معتبراً رغم ذلك أن "دعوة حزب المحافظين لإجراء مناظرات عدة، تظهر أن رئيس الوزراء يائس بشكل متزايد".
استطلاعات الرأي وتقدم العمّال
في أول استطلاع للرأي أجري في أعقاب إعلان موعد الانتخابات البرلمانية البريطانية، أظهرت النتائج تقدم حزب العمّال بفارق 17 نقطة مئوية على المحافظين. أجرى الاستطلاع مركز "مور إن كومون" البحثي الخاص بالاستطلاعات، وهو عضو في مجلس الاقتراع البريطاني الذي يضع المعايير المهنية للاستطلاعات التي تجرى في المملكة المتحدة. وأظهر الاستطلاع الذي شمل ما يزيد عن ألفي شخص، تأييد 44 في المائة لحزب العمال و27 في المائة لحزب المحافظين، فيما حصل حزب الإصلاح البريطاني اليميني على 10 في المائة، وحزب الديمقراطيين الليبراليين الوسطي على 9 في المائة وحزب الخضر على 5 في المائة.
طالب المحافظون بإجراء مناظرة مباشرة بين سوناك وستارمر مرّة أسبوعياً خلال الأسابيع الستة المقبلة، وهو ما وافق عليه ستارمر
تتشابه نتائج "مور إن كومون" إلى حد كبير مع نتائج استطلاعات الرأي الأخرى، كما أظهر استطلاع سابق أجراه المركز نفسه في الفترة من 17 إلى 19 مايو/أيار الحالي، أن حزب العمال يتقدم بفارق 16 نقطة مئوية عن المحافظين. وبحسب مسح بياني لاستطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترة السابقة في بريطانيا، قالت صحيفة "ذا إندبندنت" أخيراً إن حزب ستارمر يتقدم بفارق 23 نقطة.
الحاجة للتغيير
تناول عدد من التحليلات في الصحف البريطانية خلال الأسبوع الحالي، توقعات الخريطة السياسية المرتقبة للانتخابات البرلمانية البريطانية وخطوة الإعلان المفاجئ عن موعدها التي وصفتها بعض الصحف بـ"المقامرة" وفي أخرى "خطوة جريئة"، فيما اعتبرت صحيفة "ذا غارديان" أن هذه الانتخابات ستكون "محاكمة على 14 عاماً من حكم المحافظين"، مشيرة إلى أن "الحملات الانتخابية الصاخبة المحمومة قادرة على إلقاء الضوء على الخيارات المتاحة، ولكنها قادرة أيضاً على حجب القضايا الأساسية". وكتب رفاييل بيهر في "ذا غارديان"، يوم الأربعاء الماضي، أنه "قد يكون هناك خزّان من ناخبي حزب المحافظين المترددين الذين يمكن تعبئتهم لدعم سوناك من خلال عرض بيانات الاقتصاد الواعدة"، لكنه أقرّ بوجود "مجموعة أكبر قرّرت أن البلاد بحاجة إلى التغيير".
أما صحيفة فاينانشال تايمز، فاعتبرت أن إرجاء أول رحلة جوية لترحيل المهاجرين غير النظاميين لما بعد الانتخابات "بداية متعثرة لرحلة سوناك الانتخابية"، وهي ورقة أساسية بالنسبة لجمهور المحافظين. كما أشارت صحيفة ديلي ميل إلى أن سوناك سوف "يستغل انخفاض الحدّ الأقصى لأسعار الطاقة العالمية لدعم حملته الانتخابية والبقاء في السلطة"، إذ من المقرر أن تعلن الحكومة خفض فواتير الكهرباء والغاز بأكثر من 100 باوند (حوالي 127 دولار) قبل الانتخابات، وهو ما أكدته أيضاً صحيفة تايمز في عددها الصادر أمس الجمعة، قائلة إن "حزب المحافظين سيسعى إلى استغلال هذا الانخفاض لكسب المزيد من النقاط في الحملة الانتخابية".
الأحزاب الأخرى
ترى الأحزاب الأصغر في هذه الانتخابات فرصة لها لتعزيز حضورها وزيادة تمثيل مقاعدها في البرلمان. حزب "الديمقراطيون الليبراليون"، بقيادة إد ديفي، الذي كان في السلطة إلى جانب المحافظين وزيراً في حكومة 2010-2015، يعمل على تحدي حزب المحافظين في سلسلة من المقاعد في جميع أنحاء جنوب المملكة المتحدة، وبدأ أنصاره منذ أسابيع عدة وقبل الإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية البريطانية يوم الأربعاء الماضي، في حملة طرق الأبواب والتحدث مع الناس.
ويأمل حزب الخضر، الذي لديه نائب واحد فقط في ويستمنستر، في الفوز بمقعد آخر في مدينة بريستول، بالإضافة إلى مقعده في برايتون بعد الأداء القوي في الانتخابات المحلية الأخيرة (أجريت في 2 مايو الحالي). أما الحزب الوطني الإسكتلندي، الذي يناضل من أجل استقلال اسكتلندا، فهو الآن ثالث أكبر حزب في البرلمان البريطاني، مع 43 نائباً. ولكن بعد فترة مضطربة شهدت أخيراً استقالة زعيمه حمزة يوسف من منصب الوزير الأول في اسكتلندا، يعلق حزب العمال آمالا كبيرة على الفوز بمقاعد من الحزب الوطني الإسكتلندي في اسكتلندا، ما يساعده في الحصول على الأغلبية في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
كبار نواب العمّال قد يفقدون مقاعدهم في المناطق ذات الكثافة السكانية العربية أو المسلمة
وسيخوض كما في كل انتخابات، العديد من الشخصيات المستقلة، المنافسة، معتمدين بشكل أساسي على حضورهم القوي في مناطقهم الانتخابية وليس على حزب، ويُقدّمون أنفسهم كبديل عن فشل الأحزاب في تحقيق مطالب المنطقة التي يمثلونها.
غزة والانتخابات
تعتمد الانتخابات البرلمانية البريطانية تاريخياً على القضايا الخدماتية الداخلية في النقاش بين الأحزاب واهتمامات المصوتين، وأقل على السياسة الخارجية. إلا أن هذه الانتخابات قد تشهد تحولاً ملحوظاً في خيارات شرائح من الناخبين ربطاً بالموقف البريطاني من حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزة، في ظل استمرار حركة التضامن مع الفلسطينيين في تنظيم التظاهرات في بريطانيا منذ أشهر، مع الخروج بـ14 تظاهرة وطنية شارك في كل منها مئات الآلاف من الأشخاص من أجل غزة.
وفي ظل الاستياء من مواقف قيادة حزبي المحافظين والعمّال المنحازين لإسرائيل خصوصا بين الجاليات العربية والمسلمة وقطاعات واسعة من المتضامنين مع الفلسطينيين، ترشح عدد من الشخصيات المستقلة للانتخابات البرلمانية البريطانية في دوائرهم الانتخابية لمواجهة مرشحي العمّال والمحافظين، معولين على استغلال الاستياء الشعبي من تعامل الأحزاب المركزية مع غزة وعدم الدعوة لوقف إطلاق النار.
وذكر تقرير لصحيفة ديلي ميل يوم الأربعاء، أن كبار نواب حزب العمّال في المملكة المتحدة، في الدوائر الانتخابية ذات الكثافة السكانية العالية من المسلمين، قد يفقدون مقاعدهم بسبب موقف الحزب من الحرب الإسرائيلية على غزة. وفي فبراير/شباط الماضي، فاز جورج غالاوي المناهض للحرب في الانتخابات البرلمانية البريطانية الفرعية في روتشديل بقائمة مؤيدة للفلسطينيين، وأهدى انتصاره للشعب الفلسطيني في غزة.
وبحسب تحليلات نُشرت الأسبوع الماضي، تبين أن حزب العمّال فقد ثلث حصته من الأصوات في المناطق ذات الأغلبية المسلمة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة. فبحسب تحليل لشركة نامبر كرانشر بوليتيكس Number Cruncher Politics ، خسر حزب العمّال 33 نقطة مئوية في الانتخابات المحلية الأخيرة في المناطق حيث الأغلبية المسلمة. كما قدّمت مجموعة "صوت المسلمين" 18 مطلباً لحزب العمّال، بما في ذلك الاعتذار عن موقفه بشأن غزة، أو أنها ستطلب من أنصارها التصويت لصالح حزب الخضر أو الديمقراطيين الليبراليين.
وفي تقرير نُشر أول من أمس الخميس، كشف موقع ديكلاسيفايد البريطاني عن عمل اللوبيات الموالية لإسرائيل في بريطانيا في "شراء ذمم السياسيين" من خلال الأموال والتبرعات. بحسب التقرير، فإن حوالي 126 من أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم 344 قبلوا التمويل من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. وتبلغ قيمة التبرعات أو الضيافة أكثر من 430 ألف جنيه إسترليني (حوالي 547 ألف دولار أميركي) حيث قامت المنظمات بدفع تكاليف زيارة أعضاء البرلمان المحافظين لإسرائيل في 187 مناسبة. الممول الرئيسي هو "أصدقاء إسرائيل المحافظون"، وهي مجموعة برلمانية لا تكشف عن مصادر تمويلها. وأول من أمس، أطلقت حملة الصوت العربي في بريطانيا التي انطلقت في فبراير الماضي مع أكثر من 120 شخصية من الجالية العربية، دعواتها إلى الجالية العربية للتفاعل مع الانتخابات "التي تمثل مرحلة فارقة في تاريخ البلاد"، بهدف ما قالت الحملة إنه "الرد الحاسم من الجالية العربية" على تعامل الأحزاب البريطانية مع غزة.