الانتخابات الإٍسرائيلية الخامسة (2): اصطفافات حزبية تربك لبيد وأخرى تقلق الحريديم

12 يوليو 2022
يدرك لبيد أن تشكيل قطب ثالث سيراكم أمامه صعوبات (عمير ليفي/Getty)
+ الخط -

يشكل إعلان وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس، رئيس حزب "كاحول لفان"، ووزير القضاء غدعون ساعر، رئيس حزب "تكفا حداشاه"، المنشق عن "الليكود" عشية الانتخابات الأخيرة، أمس الأول الأحد، خوض الانتخابات المقبلة، المقررة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، كتحالف، أول تحدٍ انتخابي لرئيس حكومة تصريف الأعمال يئير لبيد، الذي يتزعم اليوم ثاني أكبر حزب على الخريطة الحزبية في إسرائيل (ييش عتيد)، بعد "الليكود" المعارض، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يملك حالياً 29 مقعداً في الكنيست.

وجاء الإعلان ليشكل مفاجأة ويكشف عن سلسلة من اللقاءات بين ساعر وغانتس، في محاولة من الأول لضمان بقائه في الحلبة الحزبية الإسرائيلية، بعدما تنبأت استطلاعات الرأي المتكررة بتأرجح حزبه، بين التراجع لأربعة مقاعد، مقابل 7 يملكها الآن، وبين عدم اجتياز نسبة الحسم. 

في المقابل، ذهب غانتس لهذا التحالف في محاولة لم ينكر هدفها، عندما قال إنه يسعى لأن يكون قطباً ثالثاً في الانتخابات، على أمل أن يحظى بأكبر عدد من المقاعد في المعسكر المناهض لقيادته، ومحاولة الحصول على تكليف لتشكيل الحكومة، منافساً بذلك لبيد، الذي يفترض فيه أن يكون القطب الرئيسي المنافس لنتنياهو بفعل قوة حزبه أولاً، ومنصبه الحالي رئيساً لحكومة تصريف الأعمال.

وسيضطر لبيد بعد إعلان هذا التحالف إلى توزيع معركته الانتخابية، بين مواصلة التحذير من مخاطر عودة نتنياهو وحلفائه، خصوصاً من التيار الديني الصهيوني المتطرف، وبين تكريس مكانته باعتباره الوحيد القادر على نيل ثقة الناخبين الإسرائيليين المناهضين لنتنياهو، وكمَن يمثل فعلاً الوسط السياسي في إسرائيل، مع إبداء استعداد لا مناص منه للتعاون مع بني غانتس لدحر نتنياهو وإقفال الطريق أمامه.


سيجد لبيد نفسه مهاجماً من معسكر نتنياهو وباقي المركبات

وعلى الرغم من ترحيبه من خلال عبارات مجاملة بالتحالف الجديد، إلا أن لبيد يدرك أن مجرد تشكيل قطب ثالث، يموضع نفسه، وفق توصيف غانتس وساعر كقطبين، يمين سياسي يمثله ساعر، ويمين أمني يمثله غانتس، في إشارة لدور وصورة رجل الأمن المجرّب، التي يرمز إليها الجنرال بني غانتس بصفته رئيساً سابقاً لهيئة أركان الجيش ووزير أمن، سيراكم أمامه (أي لبيد) صعوبات في حال لم ينجح باستمالة رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت لملء هذه الخانة. ويتعزز هذا الاعتقاد نظراً لإدراك لبيد أيضاً أنه يفتقر إلى صورة رجل الأمن المجرب بنظر الناخب الإسرائيلي.

وسيجد لبيد نفسه مهاجَماً من قِبل معسكر نتنياهو، سواء اليميني العلماني الذي يمثله "الليكود"، أم من باقي المركِبات، ولا سيما الحريديم وتيار الصهيونية الدينية، على خلفية مواقف سياسية. 

ولكن أيضاً والأهم من ذلك موضوع الهوية اليهودية والتهويد ودعمه المعلن لتيار الإصلاحيين والمحافظين. فيما سيكون تركيز تحالف غانتس ــ ساعر الجديد على البعد العسكري ــ الأمني الذي يفتقر له لبيد من جهة، واستعداده ولو نظرياً للتحالف بعد الانتخابات والتعاون مع أحزاب عربية، سواء كانت "القائمة الموحدة" برئاسة منصور عباس، أم "القائمة المشتركة" بقيادة أيمن عودة، سواء كان هذا التعاون على شكل تحالف ائتلافي داخل الحكومة، أم "تعاون" على هيئة دعم الائتلاف من الخارج، وهو ما لا تعارضه "القائمة المشتركة".

بانتظار قرار الجنرال

وبالرغم من الإعلان عن تأسيس القطب الثالث بقيادة غانتس، إلا أن غانتس وشريكه الجديد من اليمين المتطرف غدعون ساعر بانتظار قرار رئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت، وتحديد وجهته السياسية، هل سيتجه للتحالف مع غانتس وساعر، مقابل ضمان حقيبة الأمن له وثلاث مقاعد أخرى على اللائحة الانتخابية لمن يقرر إضافتهم، أم سيتجه، بفعل ميوله السياسية، لحزب يئير لبيد. 

ويعارض أيزنكوت (لأسباب تتعلق "بالخطر الديمغرافي" وفقدان إسرائيل لأغلبية يهودية داخل حدودها) طروحات ساعر الداعية لفرض القانون الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. ويؤيد في المقابل طروحات لبيد بشأن ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، سواء من خلال حل الدولتين، أو تشكيل كيان فلسطيني مع سيادة معينة، لكنها أقل من دولة.

حراك في اليمين الديني الصهيوني

وفيما لا يزال المعسكر المناهض لنتنياهو في طيفه اليساري (حزبا "العمل" و"ميرتس") يتخبط في مسألة اندماج "ميرتس"، المهدد هو الآخر بخطر عدم اجتياز نسبة الحسم، فاجأ إيتمار بن غفير، زعيم حزب "القوة اليهودية" (عوتصماه يهوديت)، حامل لواء الكهانية في السياسة الإسرائيلية، الأحزاب الصغيرة للتيار الديني الصهيوني بدعوته، رغم انشقاق حزبه تقنياً عن التحالف مع الصهيونية الدينية الذي يقوده بتسليئيل سموطريتش، أمس الاثنين، أحزاب هذا التيار، إلى الاصطفاف في لائحة انتخابية تشمل كل الأحزاب الصغيرة التي تدعي حمل أفكار الصهيونية الدينية. 

وتشمل هذه الأحزاب: "عوتصماه يهوديت"، و"الصهيونية الدينية"، و"البيت اليهودي"، و"نوعم". 

ويهدف بن غفير من وراء ذلك إلى تعزيز قوة هذا التيار (وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تنبأت بحصول تحالف بن غفير مع سموطريتش على 10 مقاعد)، وتوجيه الدعاية الانتخابية كلها لاستقطاب أصوات التيار الديني الصهيوني، خصوصاً الأصوات التي ذهبت لحزب "يمينا" الذي قاده نفتالي بينت، وسلمه بعد استقالة الحكومة وحل الكنيست لأيليت شاكيد. 

ويأمل سموطريتش بأن يتمكن هذا التحالف من استقطاب ما بين 2-3 مقاعد من أصوات الخائبين من "يمينا"، كي لا تذهب هذه الأصوات إلى "الليكود"، من جهة ومحاصرة حزب "يمينا"، الذي بات تحت قيادة وزيرة الداخلية، وشريكة بينت في قيادته، حتى قبل أسبوعين، أيليت شاكيد، بما يعزز مكانة الصهيونية الدينية وقوتها البرلمانية لتجاوز حافة العشرة مقاعد، لفرض شروطها على الائتلاف القادم بقيادة نتنياهو.

ومقابل هذا التنافس على أصوات ناخبي "يمينا" من جهة، وتفادي حرق أصوات حزب "البيت اليهودي مجدداً"، فإن الحرب الضارية لهذا التيار بقيادة بن غفير وسموطريتش ستكون بالأساس ضد أحزاب الحريديم.

العامل الأقل تنظيماً واستعداداً

ويبقى عامل أخير، هو الأقل تنظيماً رغم قوته الانتخابية الهائلة، وهو المجتمع الفلسطيني في الداخل، حيث يصل عدد أصحاب حق الاقتراع بينهم لنحو مليون و200 ألف صوت. 

إلا أن نسبة التصويت والمشاركة انخفضت في الانتخابات الأخيرة بفعل انشقاق "القائمة المشتركة"، التي كانت توحد الأحزاب العربية في الداخل، إلى قائمتين، الأولى بقيادة أيمن عودة وتضم ثلاثة أحزاب، والثانية بقيادة منصور عباس، وتضم بالأساس الحركة الإسلامية الجنوبية.

ترقب لتحديد رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت وجهته

ولم تتخطَ نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت العام الماضي 40%، وهو ما انعكس بتراجع عدد النواب العرب في القائمتين من 15 عضواً بعد انتخابات 17 سبتمبر/ أيلول 2019 إلى 10 مقاعد في الانتخابات التي جرت في مارس/ آذار من العام الماضي. 

ويبدو أن الانشقاق سيبقى على حاله في ظل إصرار الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس على تكرار تجربة التحالف مع اليمين الإسرائيلي، ودخول الائتلاف الحكومي القادم، أياً كان من يشكله، ما ينذر هذه المرة بتراجع إضافي بفعل عدم الرضا عن أداء النواب العرب في القائمتين، المشاركة في الائتلاف، بقيادة منصور عباس، والمعارضة له، بقيادة أيمن عودة، ما ينذر أيضاً بتراجع عدد النواب العرب عموماً، واستنكاف الفلسطينيين في الداخل عن المشاركة في اللعبة السياسية، بسبب عدم القدرة الفعلية للأحزاب في الكنيست على إحداث أي تغيير في واقعهم اليومي من جهة، وفي الملف السياسي الفلسطيني الوطني عموماً.