الانتخابات الأميركية تدخل شوطها الأخير بمعادلة مفتوحة على المفاجآت

24 اغسطس 2024
دونالد ترامب يتحدث في تجمع انتخابي في أريزونا 23 أغطس 2024 (Getty)
+ الخط -

دخلت الانتخابات الأميركية شوطها الأخير، بمعادلة جديدة قد يكون لها دور في ترجيح كفة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أو المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لو بقيت الفوارق بينهما في حدودها الضئيلة الراهنة. هارريس تتقدم  بنقطتين على ترامب، حسب آخر استطلاع لنيويورك  تايمز،  أو ثلاث نقاط في استطلاعات أخرى، لكن اليوم الجمعة طرأ  تغيير بانسحاب المرشح الثالث روبرت كينيدي جونيور لصالح ترامب، وبما يهدد تقدمها المتواضع.

عادة أصوات المرشح الثالث هامشية، خاصة إذا كانت بهذه الضآلة، لكن في المعارك المتقاربة يمكنها تغيير النتيجة، ففي الانتخابات الأميركية في عام 2000 بين الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي آل غور، فاز الأول بـ 538 صوتا في ولاية فلوريدا التي حسمت المعركة، والتي نال فيها المرشح المستقل آنذاك رالف نادر، أكثر من 97 ألف صوتاً. ومن دون ذلك، لم يكن بوش قادراً على الفوز، فهل يتكرر السيناريو؟.

 مع انسحاب بايدن من المعركة، انقلب الميزان، قفزت هاريس إلى المقدمة رافقها تدفق التمويل لحملتها والذي بلغ نصف مليار دولار في غضون شهر. وتكلل ذلك بمؤتمر ناجح للحزب الديمقراطي، الذي أنهى أعماله مساء أمس الخميس، بخطاب قبولها الرسمي للترشيح، والذي لقي الترحيب في وسائل الإعلام عموماً وشدّ تماسك الحزب، خاصة في الشق المتعلق منه بتقديم نفسها للجمهور، ولو أن الشق السياسي بقي في إطار النسخة المنقحة لسياسات بايدن، خصوصا في السياسة الخارجية، وبالتحديد إزاء حرب غزة وتداعياتها الإنسانية المأساوية، التي لم تخرج في الإشارة إليها عن المفردات الخاوية التي كررتها الإدارة، وبخاصة وزارة الخارجية، عشرات المرات في الأشهر العشرة الماضية. كلام ووعود كانت موجهة أساسا لأصوات العرب والمسلمين الذين وضعوا فيتو على بايدن، والذين أخذوا على المؤتمر عدم استضافة متحدث فلسطيني في حين استضاف ممثل عن الأسرى الإسرائيليين.

في المقابل، بدأ التعثر يتبدّى في حملة ترامب، سواء على شكل تخبط في خطابه الانتخابي أو في إصراره على شخصنة المنافسة، بالرغم من تحذيرات مستشاريه وخبراء الجمهوريين من عواقب هذا النهج. ومن غير المتوقع أن يحيد عنه، كما كشف في جولاته الانتخابية، بل المتوقع أن تنحدر لغة التراشق خلال الأسابيع العشرة المتبقية، إلى المزيد من الشراسة ونشر الغسيل. وانعكس ذلك في هبوط رصيد ترامب بنقطتين في ثلاث من الولايات الستة الحاسمة التي بقي متفوقا فيها على بايدن إلى حين انسحابه. ولهذا التحوّل ولو البسيط مدلولان: أن بايدن كان العقبة في طريق المرشح الديمقراطي وأن استبداله أدى إلى تبلور النفور من ترامب الذي سارع إلى تقزيم خطاب هاريس قبل أن تنتهي من إلقائه ووصمها بأنها  "ماركسية متطرفة". ويخشى الجمهوريون من مثل هذه المبالغة التي قد ترتد ضده، من باب اعتبارها علامة ضعف وإفلاس في حملته.

مع ذلك، يبقى على هاريس عبء النهوض بتعزيز وضعها. تقدمها بحوالي ثلاث نقاط يبقيها في دائرة الخطر. هيلاري كلينتون في 2016 كانت متقدمة بست نقاط وفشلت، كما أن عليها تجاوز عاملي اللون والجنس؛ كلاهما ما زال يؤخذ في تحديد خيارات كتل انتخابية معروفة، والسوابق تدعو هاريس إلى تأكيد حضورها بدرجة تضمن تجاوزهما، خاصة عامل الجنس. المرأة لم تتمكن في السابق من كسر هذا "التابو"، لا جيرالدين فيرارو  كمرشحة لمنصب نائب للرئيس في 1984 تمكنت من ذلك ولا هيلاري كلينتون التي خاضت معركة الرئاسة في 2016. عائق اللون أزاحه أوباما في 2008، ثم في 2012. لكن السؤال عما إذا كانت أميركا مهيأة الآن لترئيس امرأة، ما زال معلقاً، خاصة بعد هزيمة هيلاري كلينتون، ولا شك أنه يشكل تحديا كبيراً للمرشحة هاريس، على الأقل، لأنه لم يسبق أن خرقت المرأة الأميركية هذا الحاجز. وبالمناسبة، انتظرت المرأة الأميركية 144 سنة بعد الاستقلال (من 1776 إلى 1920) قبل أن تحظى بموجب التعديل 19 للدستور، بحق التصويت في الانتخابات الأميركية.

المسألة اليوم تحتاج لاختراق كبير؛ سيناريو 2000 غير مستبعد لو بقيت المعادلة على حالها وإن كانت احتمالاته ضعيفة. صعود هاريس خلال شهر إلى مرتبة المرشح الطليعي، وقبل الاستحقاق بأقل من شهرين ونصف مع تخلخل حملة ترامب، ينطوي على رسالة غير سارة لترامب، لكن كله مرهون باستمرار صمودها وتسجيلها لما أمكن من النقاط.

ورغم أنه من المبكر إطلاق التكهنات في معركة شبه متوازنة أرقامها، إلاّ أن بعض خبراء الحسابات الانتخابية المشهود لهم مثل أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية بواشطن آلن ليتشمن، بدأ في التلميح عن توقعاته بترجيح هاريس. والمذكور صدق في 9 من أصل 10 انتخابات أخيرة، لكنها تبقى توقعات ويبقى الخبر اليقين في بطن صندوق الاقتراع. وبصرف النظر عن الأضواء وأجواء التلميع والتعويم التي أحاطت بهاريس في الأسابيع الأخيرة، وخاصة أثناء مؤتمر الحزب، فإن دخولها التاريخ كأول امرأة من الملونين تخوض معركة الرئاسة شيء، ودخول البيت الأبيض شيء آخر.

المساهمون