ردت وزارة الخارجية الأميركية، أمس الأحد، على قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة بنيامين نتنياهو، بناء حوالي 4500 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية وتسريع إجراءات منح رخص البناء في المستوطنات، ببيان بدا كالعادة أنه جاء من باب رفع العتب لا أكثر. مفرداته نسخة عن سائر ردود الإدارة الأميركية على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، والتي لا تزيد عن التعبير عن "عميق القلق" من هذه الخطوة "الأحادية التي نعارضها، لأنها تزيد من صعوبات تحقيق حل الدولتين"؛ مع دعوة تل أبيب "للالتزام بتعهداتها التي أعلنتها في العقبة والأردن وشرم الشيخ".
معزوفة صارت كاللازمة في الردود الخشبية على التجاوزات والاستفزازات والاعتداءات الفاقعة لحكومة نتنياهو الحالية. لكن هذه المرة، وفي الآونة الأخيرة عموماً، ترافق مع هذا الاعتراض الأجوف خطاب التشديد على أهمية توسيع التطبيع بين الاحتلال والدول العربية، أو ما يعرف بـ"اتفاقيات أبراهام"، بزعم أن شموليتها توفر التكامل في المنطقة، الذي يعتبرونه مفتاح الاستقرار والسلام فيها. بذلك، بدا وكأن تشديد واشنطن (إدارة وكونغرس) على هذا التوسيع يأتي مكافأةً لإسرائيل على انتهاكاتها التي بقدر ما تمادت فيها، بقدر ما ازداد التركيز على هذا التوسيع. أو في أحسن الأحوال، ضوءاً أخضر لها لمواصلة هذه السياسة. وقد أخذ هذا التوجه تعبيرات مختلفة وعلى أكثر من مستوى.
واشنطن تعمل مع الاحتلال الإسرائيلي لمأسسة "اتفاقيات أبراهام" وجعلها قضية ذات أولوية يجري توظيفها لتغيير المعادلة بحيث يصير السلام في المنطقة هو المدخل للسلام بين الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين وليس العكس
في خطابه أمام المؤتمر السنوي لمنظمة "أيباك" (اللوبي الإسرائيلي) في واشنطن قبل أسبوعين، وعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بـ"إنشاء مكتب خاص في وزارة الخارجية لتعزيز دبلوماسيتنا ومشاركتنا مع الحكومات والقطاع الخاص للعمل نحو الاستقرار وإحراز تقدم تاريخي في اتفاقيات أبراهام". رفع الاهتمام بهذه الأخيرة إلى هذا المستوى يعكس تحوّلها إلى أولوية جاء الإعلان عنها في مؤتمر اللوبي، ليضعها بمثابة استجابة لمطلب إسرائيلي. وكان تردد أثناء زيارة الوزير إلى الرياض مؤخراً أنه فاتح القيادة السعودية بموضوع توسيع التطبيع.
من جهته، صوت مجلس النواب الأميركي، الأسبوع الماضي، بأكثرية 413 مقابل 13، على مشروع قرار "لتعيين مبعوث خاص لاتفاقيات أبراهام" يختاره الرئيس ويوافق عليه مجلس الشيوخ، تكون مهمته "توسيع التكامل في المنطقة وإعطاءه الأولوية". يعني العمل على تعميم هذه الاتفاقيات. وأول من أمس السبت، بدأت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بربارة ليف زيارة إلى تل أبيب ورام الله وعمّان، للتشاور في "قضايا مشتركة، منها توسيع وتعميق التكامل في المنطقة"، حسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية حول مهمتها.
واضح من هذا التوجه والترويج له أن واشنطن تعمل مع الاحتلال الإسرائيلي لمأسسة "اتفاقيات أبراهام" وجعلها قضية ذات أولوية، يجرى توظيفها لتغيير المعادلة بحيث يصير السلام في المنطقة هو المدخل للسلام بين الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين وليس العكس. وهذه مقولة طالما شدد عليها نتنياهو، ولا يبدو أن الإدارة تمانعها في عام انتخابي، خاصة أن حديثها عن حلّ الدولتين لم يكن أكثر من موقف مبدئي في أحسن أحواله، وغير مرتبط بالتزام ولا بسقف زمني لترجمته.
الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه قال، أكثر من مرة، إن تحقيق هذا الحل مسألة "بعيدة المنال" وليست في متناول اليد في المستقبل المنظور. وبذلك، أعفى نفسه من العمل على تحقيقه، وهو أصلا، ومنذ البداية، لم يكن في وارد توظيف رأس المال السياسي المطلوب لمثل هذه المهمة.
المراهنة الأخرى، على ما يظهر، هي أن التطبيع والمصالحة بين إسرائيل والعرب، بقدر ما تتوسع دائرته، بقدر ما تزداد الضغوط على الفلسطينيين للقبول بشروط إسرائيلية تؤدي إلى أي شيء باستثناء حصول الفلسطينيين على الدولة كاملة السيادة. واشنطن تكتفي بالكلام عن "دولة" من دون توصيف. تماما كما تكتفي بالإعراب عن "القلق العميق" وأن إسرائيل "لها الحق في الدفاع عن نفسها" في كل مرة تحصل فيها انتهاكات إسرائيلية بكافة أشكالها. نادرا ما تحمل ردود الإدارة عليها عبارة "إدانة". وحتى الإدانات التي تصدر عن منظمات حقوق الإنسان ضد إسرائيل، كالتي جاءت بها مؤخرا منظمة "العفو الدولية"، غير مقبولة لدى الخارجية، بزعم أنها "منحازة" ضد إسرائيل! وضع "اتفاقيات أبراهام" في الواجهة كقضية مركزية ليس غير هروب من القضية المركزية.