أحرجت الصين بتحقيقها اتفاقاً بين السعودية وإيران، الجمعة، الولايات المتحدة الأميركية التي وجدت نفسها تشيد باتفاق رئيسي ضمنته منافستها الجيوسياسية الرئيسية، وفق ما ذكرته "واشنطن بوست".
ويمثل توقيع الاتفاق في بكين، التي تعتبرها واشنطن التهديد الجيو-استراتيجي الأول، نتيجة لجهود الرئيس الصيني شي جين بينغ لتحقيق وجود سياسي أكبر في المنطقة، الذي كانت الولايات المتحدة مهيمنة فيه على الاتفاقات التي تحصل منذ انتهاء الحرب الباردة.
وتحدثت "واشنطن بوست"، في تقرير اليوم السبت، عن أن بعض المراقبين رأوا في إدراج الصين ضمن الاتفاقية ازدراءً صحيحاً للإدارة الأميركية، التي توترت شراكتها الطويلة مع السعودية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 على يد مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي هذا السياق، تقول نائبة الرئيس ومديرة السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز" سوزان مالوني، إن ما هو ملحوظ بالطبع، هو قرار منح الصينيين انتصاراً كبيراً في العلاقات العامة - صورة فوتوغرافية تهدف إلى إظهار مكانة الصين الجديدة في المنطقة"، مضيفة: "بهذا المعنى، يبدو أنها صفعة سعودية أخرى بوجه إدارة بايدن".
من جهته، يقول مصدر كبير في الإدارة مطلع على المحادثات بين طهران والرياض، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن الولايات المتحدة كانت على اطلاع دائم بالمفاوضات منذ البداية، لافتاً إلى أن السعوديين أوضحوا للمسؤولين الأميركيين أنهم مهتمون بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، لكنهم أوضحوا في الوقت نفسه أنهم غير مستعدين لإنجاز مثل هذه الصفقة بدون ضمانات قوية من الإيرانيين بأن الهجمات ضدهم ستتوقف، وأنهم سيقلصون الدعم العسكري لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن.
وهنا يقول جوناثان لورد، من مركز الأمن الأميركي الجديد، إن الرياض تحاول التخفيف من المخاطر التي تشكلها إيران، معتبراً أن السماح للصين بالوساطة في صفقة دبلوماسية لن يهدد العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، وأن القيادة المركزية الأميركية ستواصل العمل مع شركائها الإقليميين لبناء هيكل أمني إقليمي.
ووفق "واشنطن بوست"، فإنّ الأميركيين ما زالوا غير متأكدين مما إذا كان الإيرانيون سيلتزمون بهذا الاتفاق، "لكن أي أمر يخفض درجة التوتر بين إيران والسعودية، ويقلّل من احتمال نشوب صراع، هو أمر جيد"، بحسب الباحث الزائر في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي مات داس، لافتاً إلى أنها علامة محتملة مشجعة على أنه بإمكان دول المنطقة متابعة مثل هذه المبادرات دون طلب الكثير من الضمانات من الولايات المتحدة.
من جهتها، تحدثت صحيفة "سولت واير" الكندية عن أن الاتفاق الإيراني السعودي يقدّم الكثير مما يثير اهتمام الولايات المتحدة، بما في ذلك مسار محتمل لكبح برنامج إيران النووي، وفرصة لتعزيز وقف إطلاق النار في اليمن، لكنّه يثير أيضاً قلق المسؤولين الأميركيين حول دور الصين كوسيط سلام في منطقة تتمتع فيها الولايات المتحدة بنفوذ طويل.
وفي هذا السياق، يقول المسؤول الأميركي والأممي السابق جفري فيلتمان إنّ دور الصين، وليس إعادة فتح السفارات بين الرياض وطهران، كان الجانب الأهم في الاتفاقية، لافتاً إلى أنه سيتم تفسير ذلك على أنه صفعة لإدارة بايدن، ودليل على أن الصين هي القوة الصاعدة.
من جهته، يقول براين كاتوليس من معهد الشرق الأوسط، أن الاتفاق يوفر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل "مساراً جديداً محتملاً" لإحياء المفاوضات النووية، مع شريك محتمل يتمثل بالرياض، مشيراً إلى أن السعودية قلقة جداً إزاء البرنامج النووي الإيراني، وإذا كان هذا الانفتاح الجديد بين الجانبين سيكون ذا مغزى ومؤثراً، فسيتعين عليه معالجة المخاوف بشأن برنامج إيران النووي".
وإلى جانب الملف النووي، يؤمل أن يؤدي الاتفاق إلى تحقيق سلام أكثر ديمومة في اليمن. وفي هذا السياق، يقول السفير الأميركي السابق لدى اليمن جيرالد فيرستاين إن الرياض لم تكن لتوافق على هذا من دون أن تحصل على شيء، سواء كان يمنياً أو أمراً آخر تصعب رؤيته.
ولا تتوقف نتائج الاتفاق الثلاثي هنا، إذ إن مشاركة الصين في التوسط في مثل هذه الصفقة قد تكون لها تداعيات مهمة على واشنطن، وفق كبير الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون شرق آسيا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، دانيال راسل.
وقال راسل إنه من غير المعتاد أن تتصرف الصين بمفردها للمساعدة في التوسط في اتفاق دبلوماسي في نزاع لم تكن طرفاً فيه، متسائلاً ما إذا كان يمكن أن يكون الأمر مقدمة لجهود الوساطة الصينية بين روسيا وأوكرانيا عندما يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو.
على المقلب الإيراني، يعتبر المحلل الإيراني البارز في مجموعة الأزمات الدولية نيسان رأفتي أنه من غير الواضح ما إذا كانت النتائج ستكون جيدة للولايات المتحدة في ما يتعلّق بإيران، مشيراً إلى أن المشكلة أنه في الوقت الذي تزيد فيه واشنطن وشركاؤها الضغط على إيران، ستعتقد الأخيرة أن بإمكانها كسر عزلتها، والحصول على غطاء من القوى الكبرى، بالنظر إلى الدور الصيني.
وأنهى الاتفاق الإيراني السعودي، أمس الجمعة، بواسطة الصين، سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين الجانبين، ليعلنا استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية في بيان ثلاثي صادر عن بكين بعد ختام مباحثات استمرت أربعة أيام استضافتها الصين من 6 إلى 10 من الشهر الجاري.
المباحثات الجديدة التي توّجت باتفاق المصالحة، جاءت بمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، كما ورد في البيان الثلاثي، أدارها رئيس مكتب الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، وزير الخارجية السابق وانغ يي، وشارك فيها من إيران أمين المجلس القومي الإيراني علي شمخاني، ومن السعودية عضو مجلس وزراء ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان.
ونجحت الصين، من خلال جمع الطرفين على طاولة حوار واحدة مثمرة أفضت خلال أيام إلى استئناف العلاقات الثنائية، في ما أخفق فيه الوسطاء الآخرون، أي العراق وثم سلطنة عمان. وكانت بغداد قد احتضنت منذ أبريل/ نيسان 2021 خمس جولات حوار بين الطرفين، لكنها لم تؤد إلى تحقيق نتيجة لعودة العلاقات بين طهران والرياض إلى سابق عهدها، ما يعني أن بكين بحكم علاقاتها القوية مع الطرفين، استخدمت نفوذها وثقتها لدفعهما نحو اتفاق لاستئناف العلاقات.