وفي هذا الإطار، تندرج الزيارة التاريخية التي قام بها ثلاثة من كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي معاً للمرة الأولى إلى أنقرة، وهم الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجيّة والسياسة الأمنيّة، فيديريكا موغيريني، ومفوّض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسيع ومسؤول المفاوضات وسياسة الاتحاد مع جواره، يوهانس هان، ومفوّض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانيّة وإدارة الأزمات، كريستوس ستايليانيدس. والتقى ممثلو الاتحاد بكل من رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، ووزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي، فولكان بوزكير.
وحمل المسؤولون الأوروبيون، بطبيعة الحال، طلبات واضحة للتعاون، فيما منحت زيارتهم أنقرة، السلطات التركيّة، فرصة لفرض شروطها هي الأخرى، فدعت الاتحاد الأوروبي إلى جعل الحوار بينها وبين بروكسل أكثر وضوحاً، من خلال دعوة القادة الأتراك إلى حضور اجتماعات الاتحاد الأوروبي كجزء من "العائلة الأوروبية".
ولم تخفِ أنقرة شروطها التي أعربت عنها خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع موغيريني، أول من أمس، إذ في وقت يشدّد فيه وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركيّة أنّه على "الاتحاد الأوروبي إيجاد صيغة عمليّة لدعوة القادة الأتراك إلى الاجتماعات ليكونوا جزءاً من الصور العائليّة الخاصة بالاتحاد، بشكل أكثر وضوحاً للرأي العام"، يوضح وزير الخارجيّة التركي أن بلاده "تُعدّ لمجموعة من المشاريع بهدف دفع العلاقات بين الطرفين أكثر"، متوقّعاً دعوة أنقرة إلى "حضور اجتماعات وزراء خارجيّة الاتحاد الأوروبي الرسميّة وغير الرسميّة المتعلّقة بشؤون السياسة الخارجيّة".
من جهته، لم يتأخّر الاتحاد الأوروبي، على لسان موغيريني، في تأكيد الالتزام الكامل "بأنّ الأساس في علاقاتنا الاستراتيجيّة هي عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي"، واضعة الزيارة في إطار "الاستجابة للخطوات التي أقرّتها الحكومة التركية الجديدة لتسريع عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
وفي إشارة إلى الدور المنتظر من تركيا، تشدّد موغيريني على "وجوب عمل تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل وثيق، على التحدّيات التي تواجههما في المنطقة"، لافتة إلى أنّه "بإمكان تركيا أن تلعب دوراً مهماً في إيجاد حلول سياسيّة للتحدّيات الإقليمية، كما هو الحال في الأزمة السورية".
ويبدو أنّ الاتحاد الأوروبي، وكما هو واضح، يعمل على استمالة تركيا، نظراً لأهميّة موقعها الحالي، إلى العمل معه، من خلال إغرائها بفتح فصول جديدة في عملية الانضمام، وهو ما توقّف عنده هان بترجيحه فتح فصل جديد أو أكثر، مشدداً على أهمية الإصلاحات التي يجب أن تُتخذ من أنقرة.
وتأتي التحرّكات الأوروبيّة بعد فشل العروض الأميركيّة من أجل ثني أنقرة عن التعاون مع روسيا في مجال الطاقة. وكانت الخارجية الأميركيّة أكدت في وقت سابق، أنها تدرس عدداً من الاقتراحات مع تركيا، بشأن أمن الحدود، بما في ذلك منطقة حظر طيران شمال سورية، لينفي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ذلك في وقت لاحق، في موقف بدا ردّاً على فشل واشنطن في استمالة تركيا، التي حصلت على عروض روسية مغرية في مجال الغاز. وبموجب هذه العروض، ستشتري تركيا الغاز بسعر مخفّض، بنسبة ستة في المائة عن السعر العالمي، قبل أن تنوّه روسيا بإمكانيّة خفض السعر ورفع الحسم إلى نسبة 15 في المائة، وإلغاء خط ساوث ستريم، لنقل الغاز الممتد من روسيا عبر البحر الأسود نحو بلغاريا ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي، والإشارة إلى أنّ موسكو تفكر في التعاون مع تركيا في بناء مجمع للغاز في جنوب أوروبا على أراضيها.
في غضون ذلك، تشكل زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى تركيا، أمس الثلاثاء، إشارة إضافيّة إلى رغبة الغرب في توطيد علاقاته مع أنقرة، وخصوصاً أنّ عناوين الزيارة تمحورت حول "مكافحة الإرهاب ومحاربة "داعش"، بالنظر للأحداث الجارية في سورية والعراق والمنطقة بشكل عام"، وفق ما أعلنه الناطق الرسمي باسم كاميرون، خصوصاً في ظلّ الخوف البريطاني من أعداد البريطانيين الذي يشاركون في القتال إلى جانب "داعش"، ويفوق عددهم الـ 500، وفق تقديرات بريطانية. وسبق لكاميرون أن اعتبرهم "التهديد الأمني الأكبر الذي تواجه بريطانيا الآن".