الإدارة الموحدة للشمال السوري: معضلة المعابر أبرز تحدٍ

27 يناير 2023
بدأت عملية تسليم الحواجز إلى الشرطة العسكرية (نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، أمس الأول الأربعاء، البدء بتسليم جميع الحواجز في الشمال السوري إلى الشرطة العسكرية التابعة إلى الحكومة السورية المؤقتة، وذلك في إطار خطة تضغط تركيا لتحقيقها، من أجل إخضاع تلك المناطق إلى إدارة موحدة تتبع للحكومة، أمنياً واقتصادياً وإدارياً.

وذكر العميد أيمن شرارة، المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، أن تسليم الحواجز الأمنية للشرطة العسكرية يشمل مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين.

وأضاف شرارة، في بيان مصور، أن هذه الخطوة تأتي تنفيذاً لقرار "الجيش الوطني" بأن تتبع هذه الحواجز إلى إدارة واحدة، "ما يسهم في سهولة التواصل، وحفظ الأمن، ورفع إمكانية تنظيم عملها بشكل أفضل".

مصدر في "الجيش الوطني": قرار بإلغاء المسميات الفصائلية، وتنظيم وتوسيع إدارة الشرطة العسكرية

وأشار إلى أن الإدارة المركزية ستكون واحدة وتحت إشراف نائب مدير إدارة الشرطة العسكرية لشؤون الحواجز والمعابر، وسيتم رفدها بعناصر مؤهلين عسكرياً، كما سيتم تخفيض أعداد الحواجز في المنطقة. وأوضح أن إدارة الشرطة العسكرية ستضع ضوابط عمل لعناصر الحواجز، بما يسهم في "تأمين الأمن والاستقرار" خلال الفترة المقبلة.

وكانت الحكومة المؤقتة قد أطلقت، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خطة لتوحيد الفصائل، بعد اجتماعات ولقاءات أجرتها وزارة الدفاع مع القوى العسكرية والأمنية في الشمال السوري، وكذلك بعد اجتماع قادة "الجيش الوطني" مع مسؤولي الملف السوري الأتراك، في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا نهاية أكتوبر 2022.

خطة لتوحيد فصائل "الجيش الوطني"

ورغم عدم الإعلان رسمياً عن نتائج اجتماع غازي عنتاب، إلا أن تسريبات وتصريحات عدة أفادت بأن القرارات تمحورت حول خطة لتوحيد فصائل "الجيش الوطني"، وحل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل، واستبدالها بجهاز أمني واحد لكل المنطقة، يشرف على الحواجز والمعابر.

وبرزت الحاجة لمثل هذه الخطوات، مع تفاقم الفوضى الأمنية في مجمل مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في الشمال السوري، من ناحية تزايد التفجيرات والاغتيالات وعمليات الخطف، مع عدم القدرة على محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، لأسباب فصائلية وعشائرية.

وفي السياق، عقدت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، الاثنين الماضي، اجتماعاً في مقر الوزارة، تناول خطة العمل الإعلامي في "الجيش الوطني السوري" بهدف توحيد الخطاب الإعلامي في جميع تشكيلات "الجيش والشرطة العسكرية".

قرارات "الجيش الوطني"

وقال مصدر في "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إن قيادة "الجيش" اتخذت قرارات عدة "تخدم أهلنا بالمحرر والترتيب العام للمؤسسة العسكرية متمثلة بوزارة الدفاع والفيالق الثلاثة، أهمها إلغاء المسميات الفصائلية، وتنظيم وتوسيع إدارة الشرطة العسكرية من أجل ترسيخ الأمن الداخلي، وإزالة جميع الرايات الفصائلية، واعتماد راية الاستقلال علم الثورة، الرمز الوحيد للمناطق المحررة، مع التشديد على اقتصار دور الفصائل ضمن المجال العسكري فقط تحت مظلة وزارة الدفاع".

وأضاف أن "الخطوات العملية بدأت مع إجراء العديد من التنقلات والتعيينات، والبدء باستلام الحواجز من الفصائل، مع إزالة عدد كبير منها، إضافة إلى استلام المعابر وفتح معبر إنساني (عون الدادات) لمنع المهربين من استغلال احتياجات الناس".

كما تتضمن الخطة إلغاء جميع المكاتب الاقتصادية التابعة إلى الفصائل العسكرية، وتأسيس صندوق مالي يتبع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، إضافة إلى توحيد المكاتب الإدارية والإعلامية في الفصائل العسكرية، ضمن مكاتب إدارية وإعلامية موحدة تحت إشراف وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة. ووصف المصدر الخطة بأنها كبيرة، وتحتاج إلى "وقت وعمل ميداني كبير لكي تكتمل".

تمكين المؤسسات لإدارة المناطق المحررة

من جهته، قال الرائد مصطفى نجار، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إن الوصول إلى إدارة ناجحة "في المناطق المحررة، يستلزم تمكين جميع المؤسسات ودعمها ووضع القوانين والأنظمة لضبط أدائها، بما يخدم مصلحة الشعب وأهداف الثورة، والتي تتجلى بإسقاط نظام الإجرام ومحاربة الفساد أينما وجد".

وأكد نجار دعمه لخطوة تمكين الشرطة العسكرية من استلام الحواجز والمعابر وضبط المخالفات و"التي ترقى في بعض الأحيان إلى مستوى الجرائم بحق الثورة والشعب".

مصطفى نجار: كفاءة الحواجز تعتمد على نزاهة المؤسسة من عناصر وقيادات وتفعيل آلية المحاسبة للمسيئين

وعما إذا كانت هذه الإجراءات ستسهم في ضبط الوضع الأمني، خصوصاً أن الحديث يدور حول تقليص عددها، رأى نجار أن "عدد الحواجز يحتاج إلى نقاش طويل مع قادة المناطق لوضع الحواجز المناسبة، وكفاءة هذه الحواجز تعتمد على نزاهة المؤسسة من عناصر وقيادات وتفعيل آلية المحاسبة للمسيئين".

وكانت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة أصدرت في اليوم الأخير من العام الماضي قرارات عدة، في إطار هذه الخطط تخص المكاتب والإدارات في وزارة الدفاع والشرطة العسكرية، وذلك بعد نقاشات مع قادة الفيالق الثلاثة في "الجيش الوطني" ضمن ما يعرف بـ"المجلس العسكري الاستشاري".

وتضمنت القرارات تعيين نواب لوزير الدفاع وإنشاء فرع للرقابة والتفتيش، إضافة إلى تعيين 3 نواب لمدير إدارة الشرطة العسكرية.

وقالت الوزارة، ضمن منشور على "فيسبوك" وقتها، إن المجلس العسكري الاستشاري اجتمع برئاسة وزير الدفاع وقادة الفيالق، وناقش أسماء القادة العسكريين المقترحين لإسناد مهام قيادية إليهم في "الجيش الوطني" والشرطة العسكرية، وذلك قبل ترشيح أسمائهم لرئيس الحكومة السورية المؤقتة وتعيينهم بشكل رسمي.

المعابر حيوية لمجمل الفصائل

غير أن الملف الأصعب في هذه المساعي، قد يكون تسليم جميع المعابر للحكومة المؤقتة، إذ تشكل قضية السيطرة على المعابر مسألة حيوية لمجمل الفصائل، لما تعود به من فوائد اقتصادية على الجهة المسيطرة.

وبرزت هذه المعضلة أخيراً مع الخلاف على تسليم معبر "الحمران" شرقي حلب، وهو البوابة الرئيسية لدخول النفط من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شرقي البلاد، إلى شمالي حلب وصولاً إلى إدلب.

وكانت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، قد نجحت جزئياً بوضع يدها على هذا المعبر في أكتوبر الماضي، عبر حليفها فصيل "أحرار الشام - القطاع الشرقي"، الذي يرفض تسليم المعبر لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وهو ما قد يقود إلى صدام عسكري من أجل السيطرة على المعبر، بعد أن جرى التوافق على توحيد الصندوق المالي لجميع المعابر الخارجية مع تركيا، والداخلية مع النظام السوري و"قسد"، حيث يعتبر معبر "الحمران" الأهم من ناحية المردود المالي.

ورأى الصحافي أحمد الحمادي أن تشكيل جسم عسكري وإدارة مدنية واحدة تدير مناطق سيطرة المعارضة بعيداً عن المصالح الفصائلية، هو مطلب شعبي قديم، وباتت تركيا تدفع إليه بجدية، خصوصاً بعد محاولات "هيئة تحرير الشام" أخيراً التمدد إلى مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، وهو ما جعل أداء هذا "الجيش"، في مرمى انتقادات المجتمع المحلي.

وأضاف الحمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الجهود تخدم أيضاً التوجهات التركية المعلنة بشأن التقارب مع النظام السوري، ما قد يمهد لإشراك المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، في هذه المساعي، حين تكون تحت إدارة موحدة بعيداً عن التشرذم الفصائلي، وتحظى باحترام شعبي داخلي في مناطق سيطرتها.