استمع إلى الملخص
- التهديدات التركية والضغوط الدولية تؤثر على تأجيل الانتخابات، بينما تعتبر الإدارة الذاتية وحلفاؤها الانتخابات حقًا سياديًا يعبر عن إرادة الشعب، متجاهلة اتهامات بالانفصال.
- الوضع السياسي والعسكري المعقد يجعل إجراء الانتخابات مثيرًا للجدل، مع تحديات تشمل مخاوف من رد فعل تركي قد يصعد الصراع، وسط دعوات لتقييم الظروف السياسية والأمنية بعناية.
تبدو "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرقي سورية، مصرة على إجراء الانتخابات البلدية في المناطق التي تسيطر عليها من خلال ذراعها العسكرية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذلك رغم التأجيل المتكرر لتلك الانتخابات وسط التهديدات التركية لمنع إجرائها والتلويح بخيارات حازمة (في إشارة إلى الخيار العسكري) في حال ذهبت "الإدارة الذاتية" و"قسد" لإجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية في موعدها الحالي والمقرر في آب/ أغسطس المقبل.
واتضح هذا الإصرار في التصريحات الصحافية الصادرة يوم السبت الماضي عن صالح مسلم، وهو رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي أكبر أحزاب "الإدارة الذاتية"، والمتهم بكونه الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني العدو الأبرز لتركيا. وعبّر القيادي الكردي عن تمسك "الإدارة الذاتية" بإجراء الانتخابات رغم التهديدات التركية، مشيراً إلى الحق في إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية "لتنظيم الشؤون المحلية".
وأعلنت "الإدارة الذاتية"، في السابع من يونيو/حزيران الحالي، أنها ستؤجل الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية والتي كانت مقررة في الـ11 من الشهر الحالي، إلى شهر أغسطس/آب المقبل، وذلك "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية". لكن وفق الوقائع، فإن "الإدارة الذاتية" اتخذت هذا القرار بسبب عدم الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، والتهديد التركي بشنّ عملية عسكرية لتقويض هذه الإدارة. وكان ذلك التأجيل هو الثاني لهذه الانتخابات التي كانت مقررة لأول مرة في 30 مايو/أيار الماضي.
وانتقدت أنقرة، على لسان أكثر من مسؤول فيها، الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية وقرار "الإدارة الذاتية"، مهددة بالخيارات العسكرية، وهي خيارات دائماً ما تلوّح بها أنقرة في وجه المجموعات الكردية، فيما تطلب من حلفائها المشتركين روسيا والولايات المتحدة، الضغط على تلك المجموعات لإبعادها عن الحدود السورية التركية.
الحق بإجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية
وفي السياق، قال محمد موسى، سكرتير الحزب اليساري الكردي، أحد أحزاب الوحدة الوطنية الكردية المشكِلة لـ"الإدارة الذاتية"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مسألة إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية في ظل الظروف والتهديدات الحالية "موضع مداولة في الأوساط السياسية في شمال شرقي سورية". لكنه لفت إلى حق "الإدارة الذاتية" في إجراء الانتخابات بعد عدة سنوات من بناء هذه الإدارة.
محمد موسى: ذرائع قوى إقليمية واتهاماتها لا أساس لها من الصحة
وبرأيه، فإنه "من حق مكونات المنطقة إجراء انتخابات محلية، وأن يكون للسكان في تلك المنطقة رأي وموقف في بناء الإدارة التي تأسست قبل نحو عشر سنوات، لكن هناك قوى إقليمية تضع الذرائع أمام منع تلك الانتخابات بادعاءات التوجه لانفصال شمال شرقي سورية عن البلاد". واعتبر أن "هذه الذرائع والاتهامات لا أساس لها من الصحة مطلقاً"، وأنه في مقدم تلك القوى "تركيا والنظام السوري بالإضافة إلى الأنظمة الغاصبة لكردستان بمجملها". وحول الموقف الدولي، لا سيما في الولايات المتحدة والغرب الداعمين لـ"الإدارة الذاتية" حيال الانتخابات والرفض التركي، أشار موسى إلى أن "المجتمع الدولي، للأسف، مرتبط بأجنداته ومصالحه وعلاقاته بهذه المنطقة، وتقاطع مصالح الدول بعضها مع بعض". ورأى أن "الموقف الدولي لم يكن مرضياً"، متحدثاً عن موقف دولي مرتبك من المسألة.
وفي ظل إصرار قيادة الإدارة الذاتية على إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية، كرر موسى أنه "من حقنا إجراء الانتخابات، ونحن في حزب اليسار لا نجادل في هذه المسألة"، مستدركاً أنه "يحق لنا أيضاً أن نحدد الوقت الذي يمكن أن نجري فيه هذه الانتخابات، وأن نقدّر جيداً الظرف السياسي المحيط وكذلك المخاطر التي يمكن أن تلحق بهذه المنطقة من قوى ترفع راية العداء للشعب الكردي". وأعرب عن اعتقاده أنه "من السابق لأوانه تحديد موعد الانتخابات من الآن في أغسطس المقبل، فقد تطرأ تغييرات في المنطقة".
وعما إذا كان القرار يرجع فقط لـ"الإدارة الذاتية" أم سيكون مشتركاً مع الجناح العسكري "قسد" لحسم مسألة إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية مع تقييم الظروف لها، شدّد موسى على أن "الإدارة الذاتية مع قسد ومع الجهات المدنية في المنطقة، كلٌّ متكامل، وإذا كان هناك قرار أو اتفاق فسيتخذ بتوافق الجميع بالتأكيد". وبناء على التهديدات التركية والتلويح بالخيارات العسكرية الصعبة، والتي خبرها السكان مرتين في مناطق خاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، برزت المخاوف لدى السكان من إصرار هذه الإدارة على إجراء الانتخابات وجرّ المنطقة إلى مواجهة المخاطر دون ضرورة أو فائدة مرجوة منها.
انتخابات شكلية
في هذا الإطار، أشار الناشط الإعلامي جان علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الانتخابات شكلية من حيث مضمونها وأبعادها السياسية والإدارية، لأن هذه الإدارة وبمفهوم حزب العمال الكردستاني المتحكم بها، لم تفكر يوماً في مشاركة أي حزب أو طرف سياسي في إدارة المنطقة بشكل حقيقي".
جان علي: "الإدارة الذاتية" تصر على المواجهة ووضع الذرائع أمام تركيا للاجتياح
ولفت إلى أن "الإدارة الذاتية لم تضع ولن تضع اعتباراً لأي خطر يهدد المنطقة والسكان، لا سيما مع التهديد التركي بالاجتياح، وباتخاذ قرار بإلغاء الانتخابات أو إيجاد بدائل لإدارة ومشاركة إدارة المنطقة معها"، مضيفاً أنها "دائماً تصر على المواجهة، ووضع الحجج والذرائع أمام تركيا لاجتياح المنطقة كما حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض" شمالي سورية.
وشدد على أنه "بناء على محطات انتخابية سابقة لجأت لها الإدارة، فإن تلك المحطات لم تشهد مشاركة حقيقية من قبل المواطنين، بل كان موظفو الإدارة فقط من يجبرون على المشاركة، وبالتالي فإن أي شرعية من إجراء أي انتخابات مقبلة ستكون محط شكوك". وقال إن إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية "سيكون بوابة وذريعة للأعمال العسكرية وتهجير الناس عن مدنهم وقراهم في حال الاجتياح التركي".
بناء على ذلك، استبعد المحلل السياسي فريد السعدون لجوء "الإدارة الذاتية" و"قسد" لإجراء الانتخابات وفق التصور والترويج الذي أعلنت عنه سابقاً، مرجحاً أن تلجأ تلك الإدارة إلى "انتخابات صورية في بعض القرى والتجمعات لحفظ ماء وجهها، ودفع التهديدات التركية والاستياء الأميركي من إجراء الانتخابات". ولفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "هناك ضغوطاً تتعرض لها الإدارة من قبل واشنطن، وعدم الانصياع لهذه الضغوط يعني تعريض نفسها أولاً ثم المنطقة لمخاطر التهديدات التركية".
وأشار السعدون، والمقيم في مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، إلى أن "السكان غير مهتمين بهذه الانتخابات، بل بخدمات المياه والكهرباء غير المتوفرة، ولا يعتقد هؤلاء أن الانتخابات ستأتي لهم بإدارات محلية تقدم لهم الخدمات". وقال إن "هذا الأمر يتعلق بقرار سياسي ووجود تمويل كبير لهذه الإدارات البلدية، وهو ما لا توفره الإدارة الذاتية". كذلك استبعد السعدون تنفيذ تركيا اجتياحاً برياً واسعاً في حال أصرت "الإدارة الذاتية" على إجراء الانتخابات البلدية شمال شرقي سورية. وقال إنه "من غير المسموح لها القيام بذلك حالياً، لكن من المتوقع أن توجه ضربات جوية ساحقة لمواقع هامة، عسكرية واقتصادية، كمواقع إنتاج الطاقة وحقول النفط التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية، وغيرها من المواقع الحيوية والعسكرية".
وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية" عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قسد"، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سورية يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغناه بالثروات الزراعية والنفطية.