يشارك رأس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية الثانية والثلاثين، والتي تعقد اليوم الجمعة في جدة السعودية، في حدث له العديد من الدلالات السياسية، بعد أكثر من عقد من عزلة عربية لأسباب تؤكد الوقائع أنه لم يطرأ عليها أي تغيير، وخاصة لجهة التعنت الذي يبديه هذا النظام تجاه الجهود المبذولة للتوصل لتسوية سياسية للقضية السورية.
واعتبر النظام السوري مشاركة بشار الأسد في القمة بمثابة "نصر" له و"عودة للعرب عن الخطأ"، وفق صحيفة "الوطن" التابعة لهذا النظام، أمس الخميس، التي عدّت هذا الحضور، ولقاءه المتوقع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، "الحدث الأهم الذي سيخطف الأضواء السياسية والإعلامية".
تحدثت صحيفة "الوطن" عن لقاء سيجمع الأسد وولي العهد السعودي
وكانت الجامعة العربية ألغت تجميد عضوية النظام السوري فيها في 7 مايو/أيار الحالي، لتنهي بذلك قطيعة عربية مع النظام منذ أواخر العام 2011 بسبب الطريقة الوحشية التي تعامل بها الأسد مع الثورة السورية، التي كانت بدأت في ربيع ذلك العام.
عودة سورية للجامعة لن تكون من دون ثمن
لكن المعطيات السياسية تشير إلى أن هذه العودة لن تكون بلا ثمن، حيث يطالب العرب النظام السوري بالتعاطي الإيجابي مع عدد من الملفات، أبرزها ملف المخدرات التي ينشط النظام في تصنيعها وتهريبها حتى أغرق عدة دول عربية بها، أبرزها الأردن والسعودية.
كما يطالب العرب بعودة "آمنة" لملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والانخراط في مفاوضات مع القوى المعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية للقضية السورية. ولطالما استخدم النظام ورقتي المخدرات واللاجئين وسيلة للابتزاز السياسي للدول العربية، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد كما يبدو.
ورغم فك طوق العزلة عنه، إلا أن الأسد ونظامه يبدو مثقلاً بالعديد من الأزمات، التي تسببت بها العقوبات المشددة المفروضة عليه من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى، والتي سحقت اقتصاد هذا النظام الباحث عن "طوق نجاة" من انفتاح الدول العربية عليه.
ويريد النظام السوري أموالاً واستثمارات عربية لإعادة إعمار المدن والمناطق التي دمرتها قواته، رابطاً عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم بهذا الأمر، وفق معاون وزير خارجية النظام أيمن سوسان، الذي اشترط، في تصريحات في جدة الثلاثاء الماضي، على الدول العربية البدء بإعادة الإعمار، ورفع العقوبات المفروضة على النظام، قبل اتخاذ أي خطوات في إطار عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد.
كما يريد النظام ضغطاً عربياً على الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ العام 2011، بما فيها قانون "قيصر" الأميركي الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف العام 2020، والذي فرض عقوبات "قاسية" على النظام وعلى من يتعامل معه، ما دام هذا النظام لم ينخرط بشكل جدي في مفاوضات تفضي إلى حل سياسي في سورية.
ويبدو أن أغلب الدول العربية غير معنية إلى حد بعيد (على الأقل في المدى المنظور) بحل سياسي للقضية السورية، يستند إلى قرارات الشرعية، وأبرزها القرار 2254، لكنها تريد تعاوناً من النظام بملفي المخدرات واللاجئين، غير مكترثة بمصير عشرات آلاف المعتقلين والقابعين في سجون الأسد، والتي قتل فيها عدد غير معروف منهم تحت التعذيب. إضافة الى أن هذه الدول تريد فتح الباب أمام بشار الأسد لتقليص الوجود الإيراني في سورية، أو على الأقل الحيلولة دون اتساعه.
إلا أن الوقائع تشير إلى أنه لم يعد بإمكان النظام السوري الخروج عن دائرة التأثير الإيراني المتعاظم عسكرياً واقتصادياً في المناطق التي يسيطر عليها هذا النظام، وخاصة في المدن الكبرى، دمشق، وحلب، وحمص، ودير الزور.
حضور الأسد القمة انتكاسة للجامعة العربية
واعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية "انتكاسة للجامعة العربية"، مضيفاً: افتتاحيات كبريات الصحف العالمية دانت هذه الخطوة.
ورأى أن الأسد يعتبر حضوره القمة "انتصاراً له"، مضيفاً: عودة النظام إلى الجامعة العربية دون أية شروط، أو تنازلات، أو تغييرات في النظام السوري وسياسته الخارجية المعتمدة على روسيا وإيران، فضيحة حقيقية للجامعة، وانعدام للقيم والمعايير.
وتحمل مشاركة الأسد في القمة العربية بعد 13 عاماً من حضوره آخر قمة عربية (قمة سرت في العام 2010)، الكثير من الدلالات السياسية التي من المتوقع أن تخيّم طويلاً على مشهد سوري يزداد تعقيداً مع تراجع فرص التوصل لحل سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة، وهو تراجع إلى حد التلاشي. ومن المرجح أن يتشدد النظام أكثر في تعاطيه مع جهود المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن لإحياء العملية السياسية، وخاصة أنه بات بمنأى عن أي ضغط عربي.
الأسد يريد من العرب إعادة تأهيله
ورأى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الدلالة الأهم لحضور الأسد القمة العربية، انفصال منظومة القادة العرب عن الشعوب"، مضيفاً: الأسد يريد من العرب إعادة تأهيله، والمال، والضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عنه.
بسام أبو عدنان: الأسد يريد من العرب إعادة تأهيله والمال
وتابع أبو عدنان: سيعمل العرب بقيادة السعودية على إعادة الشرعية العربية للأسد رغم العقوبات الغربية، كما فعلوا سابقاً مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لكن العقوبات الأميركية على الأسد ستحول دون تقديم أموال كثيرة له.
وأعرب عن اعتقاده بأن الأسد "سيتحايل في ملفي المخدرات واللاجئين"، موضحاً أن المخدرات مصدر دخل الأسد الأساسي ولن يتخلى عنها دون تعويض. وتابع: لن يعيد أعداداً كبيرة من اللاجئين حتى لا يشكلوا ضغطاً على اقتصاده المتهالك، فضلاً عن كون أغلب اللاجئين معارضين له، وعاشوا عشر سنوات خارج سجونه الفكرية وتشرب معظمهم أفكار الحرية.
وفي السياق، لا يرى الباحث السياسي ياسين جمول في حضور بشار الأسد للقمة العربية في جدة "أي قيمة تُذكر"، فـ"قطار التطبيع مع نظام الأسد تائه وفي قيادته شركاء متشاكسون، فلا أراه يصل إلى وجهة صحيحة، لا سيما مع القانون الأميركي الجديد لمكافحة التطبيع، فهو أشبه بمكابح تجعل التطبيع مع الأسد محدوداً دون الانتقال للثمرات الحقيقية التي يرجوها نظام الأسد". وتابع: ليس للدول العربية ذاك القرار المؤثر في المنطقة، مع الأسف، وإن اجتمعوا.
ورأى أن السوريين المعارضين للأسد "لم ينتفعوا من قطيعة الجامعة العربية لنظام بشار الأسد عملياً بشيء"، مضيفاً: ومن ثم لا أرى أن عودتهم إلى بعضهم تضرّنا بشيء.
وأعرب جمول عن اعتقاده أن "نظام الأسد يضحك عليهم (العرب)"، مضيفاً: فقد تعهدوا ودفعوا له الأموال لإيقاف "الكبتاغون"، وما زالت ملايين الحبوب منه تدهم دول الجوار ودول الخليج. وتابع: وزعموا (العرب) أن التقارب مع الأسد لكبح جماح إيران في المنطقة، ورأينا الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) زار الأسد في دمشق مؤخراً، وبارك العرب زيارته بإعادته للجامعة العربية وكأنهم يُعيدون إيران إلى جامعتهم.