خلافاً لتوقعات سابقة بأن تسهم زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لموسكو في دفعه إلى إبداء مزيد من المرونة بشأن التقارب مع تركيا، فإن الزيارة ترافقت مع تعثّر جديد تمثل بتأجيل الاجتماع الرباعي الذي كان مقرراً عقده أمس الخميس على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري وإيران، ما يشير إلى أن موسكو لم تمارس أي ضغوط على الأسد بشأن العلاقة مع تركيا.
في المقابل، أظهرت تصريحات رئيس النظام السوري ارتماءه الكامل في "الحضن الروسي" لجهة الترحيب بتوسع القواعد الروسية في سورية، والتأييد الصريح لروسيا في حرب أوكرانيا.
مطالبة بخروج القوات التركية من سورية
وقال الأسد، في حوارات مع وسائل إعلام روسية أمس، حول التقارب بين النظام وتركيا، إن نظامه مع الحوار "إذا كان سيفضي إلى تحقيق مصالح الشعب السوري، ووحدة وسلامة الأراضي السورية، ويصل إلى نتائج واضحة ومحددة، وعلى رأسها الاستمرار في مكافحة الإرهاب، وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية الموجودة على أراضيها".
وحول اجتماعه المحتمل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال الأسد: "بالنسبة إلى اللقاء مع الرئيس أردوغان، فهذا يرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون تركيا فيها جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سورية، هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن عندها أن يكون هناك لقاء بيني وبين أردوغان، عدا عن ذلك ما هي قيمة هذا اللقاء ولماذا نقوم به إن لم يكن سيحقق نتائج نهائية بالنسبة إلى الحرب في سورية؟".
وحاول الأسد إظهار عدم تعويله على اللقاء مع أردوغان، قائلاً: "ربما يكون لدينا أمل قليل أحياناً بأن تكون هناك نتائج حقيقية، ولكن لا بد ألا نترك أي فرصة تمر من دون أن نجربها، لأن هذه الفرصة ربما تكون، على الرغم من الأمل الضعيف جداً، ربما يكون فيها الحل، هذا ما تعمل عليه روسيا بالتعاون مع سورية".
الأسد: نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سورية أمر جيد
ووصف الأسد توسيع الوجود العسكري الروسي في سورية بأنه فكرة جيدة، إن كان لدى روسيا رغبة في ذلك. وقال: "إذا كانت لدى روسيا رغبة في توسيع قواعدها أو زيادة عددها في سورية، فهذه مسألة فنية أو لوجستية، ونحن نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سورية أمر جيد".
ورأى الأسد في حديثه مع وكالتي "نوفوستي" و"سبوتنيك" وقناة "روسيا اليوم"، أن النظرة إلى القواعد العسكرية الروسية "لا يجب أن ترتبط بموضوع مؤقت مثل مكافحة الإرهاب، ونحن نتحدث عن توازن دولي، وجود روسيا في سورية له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم". وجدد دعم نظامه للحرب الروسية في أوكرانيا، واعترافه التام بضم روسيا لبعض الأراضي الأوكرانية.
وبشأن التعاون الاقتصادي، قال الأسد إن اجتماع اللجنة المشتركة ركز هذه المرة على نقاط محددة، وتحديداً على المشاريع الاستثمارية التي تصل إلى 40 مشروعاً في مجالات الطاقة، أي الكهرباء والنفط، والنقل والإسكان، وفي المجالات الصناعية، مشيراً إلى أن الإعداد لاتفاقية التعاون المشترك في هذه المجالات، التي ستُوقَّع قريباً، استغرق سنوات.
وكان الأسد قد وصل مساء الثلاثاء إلى موسكو، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاربعاء. من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أمس الخميس، إنّ "من أجل عقد هذا الاجتماع (بين الأسد وأردوغان) يجب أولاً عقد عدة اجتماعات تحضيرية، وهذه العملية جارية".
تأجيل اجتماع موسكو الرباعي
في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر في وزارة الخارجية التركية قوله أمس الخميس إن اجتماع نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، الذي كان مقرراً عقده أمس في موسكو، أرجئ إلى موعد غير محدد. ووفق المصدر، فإن الاجتماع تأجل "لأسباب فنية"، من دون الخوض في التفاصيل.
وكانت صحيفة "صباح" ومواقع تركية أخرى، قد ذكرت أن الاجتماع سيعقد أمس الخميس، مشيرة إلى أن الوفد التركي برئاسة نائب وزير الخارجية بوراك أكجابار، وصل بالفعل إلى موسكو أمس الأول الأربعاء، ومن المرجح أن تطرح أنقرة على الطاولة زيادة التعاون في مكافحة الإرهاب، ومواصلة محادثات اللجنة الدستورية السورية، كذلك ستشدد على وحدة الأراضي السورية، وفتح موضوع تسهيل العودة الطوعية والمشرفة للاجئين السوريين، بحسب الصحيفة. وأشارت إلى أن أنقرة تبلغ المعارضة السورية باتصالاتها مع النظام السوري.
أرجئ اجتماع نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، إلى موعد غير محدد
وكانت مصادر مقربة من النظام قد ذكرت أمس الأول الأربعاء أن لا مؤشرات على عقد الاجتماع الرباعي في موسكو. وقالت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إنّ مسألة مشاركة النظام في الاجتماع الرباعي الذي سربت أنقرة أنه سيعقد الأربعاء والخميس، "لا تزال قيد البحث".
ونقلت الصحيفة الأحد الماضي، عن مصادر قولها إنه "لا مواعيد محددة حتى الآن لانعقاد الاجتماع"، وإن حكومة النظام "منفتحة على الجهود الرامية لبناء الحوار مع أنقرة، وفقاً للثوابت والأولويات التي يأتي في مقدمتها انسحاب القوات التركية من سورية".
ورأى المحلل السياسي غازي دحمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التأجيل الجديد للاجتماع بعد تخفيض مستواه من وزراء خارجية إلى نوابهم، يشير إلى مسألتين، هما تلقي النظام جرعة تشدّد من إيران بعد فرض نفسها على مسار التقارب بين تركيا والنظام من جهة، وتراخي الضغط الروسي الذي كان منتظراً على النظام لتسريع وتيرة التقارب بينه وبين تركيا، وفق الجهود التي تقودها موسكو نفسها منذ عامين، من جهة أخرى.
وأرجع دحمان الموقف الروسي إلى رغبة موسكو أيضاً في الضغط على الرئيس التركي في "اللحظات الحرجة"، حيث الاعتقاد أنه يحتاج بعد الزلزال وقبل الانتخابات المقررة في مايو/ أيار المقبل إلى إنجاز ما، يرفع أسهمه في الانتخابات، خصوصاً مع ربط التقارب مع النظام بقضيتين حساستين لدى الأتراك، هما قضية اللاجئين، وقضية محاربة الخطر الكردي القادم من الجنوب التركي عبر الأراضي السورية.
ومع استبعاد دحمان أن يكون بمقدور النظام تقديم أي شيء مفيد لتركيا في هاتين القضيتين، رأى أن للموضوع بُعداً إعلامياً وسياسياً، أكثر منه واقعياً، وربما كان يستهدف سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية التي تطلق الوعود بأنها ستعيد اللاجئين فور وصولها إلى السلطة، وستعالج الخطر الكردي بالتنسيق مع النظام السوري.