تنعكس الأزمة السياسية في إقليم كردستان العراق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في الإقليم، على مجمل أوضاع السكان، خصوصاً محافظة السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة بافل الطالباني، مع فشل مساعٍ أممية وأخرى أميركية لحل الخلافات بين "الوطني" والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، بزعامة مسعود البارزاني.
الأزمة السياسية متشعبة، إذ تتعلق بالانتخابات البرلمانية في الإقليم وتوزيع المناصب الحكومية، والصلاحيات الأمنية، فضلاً عن علاقات الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوى كردية تعتبر أربيل أن تواجدها في الإقليم غير شرعي، وأبرزها حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
ستران عبد الله: الحل هو الدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمان الإقليم بشكل سريع
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، برزت مشكلة تأخير دفع رواتب موظفي الإقليم، وضعف الخدمات البلدية في السليمانية وضواحيها، أو توقفها تماماً، وتعطل بعض المشاريع التنموية والخدمية، ونقص المستلزمات والأدوية الطبية.
وتتهم إدارة السليمانية حكومة إقليم كردستان بتعمد عدم إرسال الرواتب، وهو ما تنفيه أربيل، مؤكدة أن الاتحاد الوطني الكردستاني الحاكم في السليمانية، لا يسلم عائدات المنافذ الحدودية ولا الواردات الداخلية لوزارة المالية في حكومة الإقليم، التي يفترض أن تتولى توزيع النفقات على المحافظات.
مقاطعة "الوطني" لجلسات الحكومة
ومنذ نحو ثلاثة أشهر يقاطع الفريق الوزاري للاتحاد الوطني الكردستاني، وفي عداده نائب رئيس الوزراء قوباد الطالباني، جلسات حكومة الإقليم.
وأصدر مكتب رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني بياناً، قبل أيام، اعتبر فيه أنه "إذا كان قوباد الطالباني وفريقه الوزاري يشعرون بالمسؤولية تجاه أهالي السليمانية، فليكفوا عن التضليل وذر الرماد في العيون، وليعودوا إلى المشاركة في الاجتماعات". وأضاف أن "عدم شفافية عملية جمع الإيرادات في السليمانية هو جوهر المشكلة المالية، إلى جانب عدم السماح بوجود رقابة مركزية على العملية".
وذكّر البارزاني بعملية "اغتيال العقيد في جهاز مكافحة الإرهاب هاوكار الجاف" بأربيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي يُتهم بتدبيرها "الاتحاد الوطني". واعتبر أن ذلك أدى "إلى تعطيل عمل لجنة متابعة السيولة المالية في السليمانية، لأنه فور المطالبة بتسليم المتهمين، قام نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد الطالباني وفريقه الوزاري باتخاذ موقف تمثل بالانسحاب من اجتماعات مجلس الوزراء".
وقال عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني، ستران عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف المتواصل يأتي بسبب التمييز المناطقي، وأيضاً التفرقة الممنهجة اليومية التي تمارس ضد محافظة السليمانية".
وأضاف أن "رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني يقود حكومة ظل مصغرة، عبر مجموعة من المساعدين والمستشارين غير المنتخبين، الذين تم تعيينهم من قبله حصراً، وهذه المجموعة قضت على المشاركة في إدارة الحكومة في كردستان".
واعتبر عبد الله أنه لا يمكن لحزبه "الصمت إزاء هذه الإدارة الخاطئة، وخلافاتنا الأساسية مع الحزب الديمقراطي هي من أجل المواطنين، الذين يعيشون تردياً في الخدمات ووضعاً اقتصادياً صعباً".
وأشار إلى أن "رئيس حكومة الإقليم لا يستجيب لمطالب الاتحاد الوطني، والحل هو الدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمان الإقليم بشكل سريع، ولكن يجب أن تكون ديمقراطية ونزيهة".
وكان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني حدد 18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً لإجراء الانتخابات البرلمانية، فيما اتفقت الأحزاب الكردية على تقسيم الإقليم إلى 4 دوائر انتخابية.
جوهر الخلاف بين الحزبين
في المقابل، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بيار سعيد إن جوهر الخلاف الأساسي بين الحزبين، يتمثل في رغبة "الاتحاد الوطني" بالحصول على مقاعد إضافية تخصص له خارج استحقاقه.
وأضاف سعيد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "الجميع يعلم أن مناطق انتشار المكونات والأقليات هي في محافظتي أربيل ودهوك، وبالتالي فإنها مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن الاتحاد الوطني يريد توزيع مقاعد كوتا الأقليات، البالغ عددها 11، بالتساوي على محافظات الإقليم، وهذا الأمر غير منصف إطلاقاً".
عمر محمود: الخلافات تزيد من معاناة سكان الإقليم ككل
وفي ما يخص الاتهامات التي توجه إلى مسرور البارزاني بالتفرد بالسلطة، أوضح سعيد أن تلك الاتهامات لا صحة لها، كون مدينة السليمانية لا تسلم إيراداتها إلى وزارة المالية في حكومة الإقليم، ولا تعلم الحكومة عن إيراداتها أي شيء.
من جهته، قال الناشط السياسي الكردي في السليمانية عمر محمود، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات تزيد من معاناة سكان الإقليم ككل، وبغداد غير معنية حتى الآن بالتدخل، كأن الأزمة في بلد آخر".
وأضاف محمود أن "أربيل لم ترسل مخصصات خدمية لمحافظة السليمانية، كما أن مرتبات شرائح عديدة لم تصل منذ أكثر من شهر. أربيل تطالب السليمانية بالانصياع، وتسليم العائدات المالية لحكومة الإقليم، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الحاكم في السليمانية يرفض ذلك ولا يريد أن يكون خاضعاً لأربيل".
واعتبر أن استمرار الأزمة يضعف موقف الحزبين شعبياً، والقوى الشبابية الجديدة بدأت تحصد إيجابيات عديدة من هذه الخلافات، ستكون واضحة في الانتخابات المقبلة".
وكانت آخر انتخابات أجريت في الإقليم في العام 2018 تمخضت عن فوز "الديمقراطي الكردستاني" بالأغلبية، بواقع 45 مقعداً من أصل 111 في البرلمان، بينما حصد غريمه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني، على 21 مقعداً. وتوزّعت المقاعد الباقية على "حركة التغيير" بواقع مقعد، و8 لحركة "الجيل الجديد"، و7 للجماعة الإسلامية. وحصل "الشيوعي الكردستاني" وكتل أخرى على ما بين مقعد وخمسة مقاعد.
وينصّ قانون الانتخابات في الإقليم على تسمية الرئيس وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التي تشرف عليها مفوضية الانتخابات العراقية الاتحادية في بغداد، والمراقبة من بعثة الأمم المتحدة.